السبت, نوفمبر 23
Banner

عجز داخلي عن الحلّ لن يعوّضه لقاء باريس!

عبد الكافي الصمد 

مشهدان طغيا على مسرح الحياة السّياسية اللبنانية في الأيّام الأخيرة، أعادا إلى الأذهان إنطباعاً لم يغادر اللبنانيين طويلاً، وأكدا لهم بما لا يقبل الشكّ أنّ بلدهم لم يحكمه يوماً ـ إلا نادراً ـ طبقة سياسية مستقلة ونظيفة الكفّ وتتسم بالكفاءة، وأنّ التدخلات الخارجية بشؤونه الداخلية، منذ ولادة الكيان عام 1920 واستقلاله عام 1943، وصولاً إلى اليوم، كانت دوماً صاحبة الكلمة العليا في إدارته، وفي ذهابه نحو السلم الداخلي المؤقت، أو نحو التوتر الدائم والحرب الأهلية.

المشهد الأول حضر بقوّة منذ طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرته الشّهيرة من قلب العاصمة اللبنانية بيروت، بعد أيّام من الإنفجار الكبير الذي شهده مرفأها في 4 آب الماضي، وتمثّل في استدعاء الفرقاء اللبنانيين الرئيسيين بلا استثناء، إلى اجتماعين في مقرّ السّفارة اللبنانية في قصر الصنوبر، حيث تجاوز الرئيس الفرنسي كلّ أصول السّياسة واللياقة، ووجّه إلى المسؤولين اللبنانيين صنوفاً مختلفة من عبارات التأنيب والتوبيخ وقلّة المسؤولية، من غير أن يرفّ لهم جفن.

كان المشهد كافياً للتأكيد أنّ البلد لم يغادر منذ 100 سنة مفهوم الوصاية الخارجية عليه، لأسباب كثيرة، من الإنقسام الطائفي والمذهبي والسّياسي الذي يفتح الباب واسعاً عند كلّ أزمة أمام التدخلات الخارجية، وصولاً إلى ما أثبته أهل السّلطة في لبنان، منذ قرن تقريباً، بأنّهم غير ناضجين كفاية لحكم بلدهم، ولا لتقليع شوكه، وأنّهم يحتاجون دائماً إلى وصاية خارجية عليهم.

أمّا المشهد الثاني فكان في إعلان رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل عن سفره إلى العاصمة الفرنسية باريس، التي أشيع أنّه سيلتقي فيها في موعد لم يحدد بعد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وأنّ الفرنسيين سيحاولون خلال اللقاء المرتقب بينهما تقريب وجهات النظر من أجل تجاوز خلافاتهما تمهيداً لولادة الحكومة اللبنانية المنتظرة منذ قرابة 6 أشهر.

لكنّ إجتماع المسؤولين اللبنانيين في الخارج لحلّ خلافاتهم ليس جديداً، فخلال الحرب الأهلية عقد أكثر من إجتماع خارج لبنان بهدف وضع حدّ للحرب الأهلية، تحديداً في مدينتي لوزان وجنيف في سويسرا عام 1984، وفي العاصمة السّورية دمشق مراراً، وصولاً إلى مدينة الطائف السعودية التي أبصر إتفاق الطائف الشهير النّور فيها عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية، قبل أن تشهد العاصمة القطرية الدوحة عام 2008 إتفاقاً جديداً وضع مؤقتاً حدّاً لانقسام سياسي حاد أحدث توتراً في الشارع كاد يؤدي لاندلاع الحرب الأهلية مجدداً، في ظلّ صراعات إقليمية حادّة كان لبنان، وما يزال، إحدى ساحاته الرئيسية.

إستدعاء المسؤولين اللبنانيين إلى الخارج بهذا الشكل، كي يجتمع أحدهما مع الآخر بعد قطيعة، من أجل توصلهم إلى حلول لمشاكل البلاد، أمر يكاد لا يحدث إلا في بلد مثل لبنان، لا تتمتع الطبقة السياسية فيه بحسّ وطني مسؤول، وهم بعدما خسروا إحترام غالبية أبناء شعبهم، فلن ينالوا بالتأكيد إحترام أيّ طرف خارجي، لأنّ من يعجز عن اللقاء مع الآخرين من أبناء وطنه في الداخل، خصوماً وحلفاء، أو يرفض ذلك، لمعالجة ملفات البلاد العالقة، لن يجدي لقاءه بهم خارجاً نفعاً، لأنّ الحلول التي سيتوصلون إليها ستكون على الأغلب مؤقتة، وعلى مسؤولية الطرف الخارجي الذي يتعامل مع المشكلة اللبنانية من باب تحقيق مصالحه قبل أي اعتبار آخر.

Leave A Reply