مع ان العلاقات بين الدول لا تكون غالباً عرضة لمفاجآت غير محسوبة جاء إرجاء الزيارة التي كان مقرراً ان يقوم بها رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب للعراق على رأس وفد وزاري ليرسم علامة شك إضافية في واقع تعامل العرب والغرب مع الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها في ظروف تتسم بطابع كارثي بكل المعايير. وحتى لو عزي الامر الى أسباب عراقية داخلية ظلت غامضة، فإن ارجاء الزيارة الخارجية اليتيمة للرئيس دياب التي كانت مقررة في 17 نيسان الحالي، زاد قتامة الصورة للعلاقات المربكة للبنان مع معظم الدول، ولو ان علاقات دافئة تربطه بالعراق. ومع انه لا يفترض ان تكون ثمة صلة قائمة مبدئياً بين ارجاء زيارة دياب لبغداد والواقع اللبناني الداخلي، فان لبنان يبدو كأنه امام عد عكسي لا سابق له الا في ازمنة الحرب لجهة إعادة تموضع الدول من واقعه في ظل استفحال ازمة تشكيل الحكومة الجديدة التي باتت الصلة المحورية لتعامل العالم مع لبنان. وفي هذا السياق ترددت معلومات امس عن ترجيح صدور بيان جديد عن باريس مطلع الاسبوع المقبل سيسمي معرقلي تشكيل الحكومة في لبنان، على ان تبحث في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في 19 نيسان الحالي الاجراءات والتدابير التي ستتخذ في حق هؤلاء.
وفي موقف مشترك جديد من الوضع في لبنان، أعلنت أميركا وفرنسا امس في بيان أن “على القادة السياسيين في لبنان تحقيق إصلاحات حقيقية تخدم مصالح الشعب”.
وكان وزيرا الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والفرنسي جان ايف لودريان اصدرا بيانا اثر اتصال بينهما في شأن سياسة روسيا تجاه أوكرانيا وتطرق اتصال الوزيرين إلى “التأكيد ان على القادة السياسيين في لبنان تحقيق إصلاحات حقيقية تخدم مصالح الشعب اللبناني”.
اما زيارة دياب للعراق فكانت مخصصة بتوقيع الاتفاق المبدئي بالحصول على 500 ألف طن من النفط مقابل خدمات صحية وطبية، يليها في وقت لاحق أكثر من مليوني طن، على أن تتولى لجان مشتركة وضع الاتفاق النهائي تمهيدا لإقراره. وكان من المقرر ان يقدم وزراء الزراعة والصناعة والصحة والسياحة والطاقة اعضاء الوفد المرافق ملفات خلال محادثاتهم مع نظرائهم العراقيين من اجل بحث امكانات تبادل الخدمات الاخرى من وزارة الى وزارة. وبإرجاء هذه الزيارة، طرح سؤال هل يرجأ توقيع الاتفاق او مذكرة التفاهم مع العراق بالحصول على النفط مقابل خدمات طبية واستشفائية ؟. وزير الطاقة ريمون غجر قال لـ”النهار” “ان الاتفاق أرجئ فقط ولم يتغير شيء”.
بيت الوسط وعين التينة
اما على الصعيد الداخلي ووفق الاجواء التي استقتها “النهار” امس من “بيت الوسط”، فان الحراك العربي الأخير الذي تمثل في زيارتي وزير الخارجية المصري وموفد جامعة الدول العربية الى بيروت، رسّخ أكثر من أي وقت الركيزة الحكومية المبتوت بها، على أساس اختيار وزراء اختصاصيين غير حزبيين ورفض صيغة الثلث المعطل التي لا يزال يلتمس “بيت الوسط” الإصرار عليها بشكل أو بآخر، إضافةً الى التماسه اشتراط العهد التوقف عند تحديد الجهات المخوّلة تسمية الوزراء بما يعني نسف مهمّة الرئيس المكلف سعد الحريري.
وإلى جانب الدعم العربي لمهمّة الرئيس سعد الحريري، برز معطى آخر لفت اوساطا سياسية مراقبة لناحية التوقف بإيجابية أيضاً عند مبادرة الرئيس نبيه بري التي يُذكر أن أفكارها الأخيرة تُرجمت على أساس مبدأ توسيع عدد وزراء الحكومة إلى 24 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين ومن دون أن ينال أيّ فريق الثلث المعطّل. وتعبّر مصادر مطّلعة على كواليس لقاءات الساعات الماضية ومواكبة لمبادرة برّي لـ”النهار” عن مقاربة قائمة على أنّ الدعم الذي تلقاه المبادرة أتى نتيجة “جسّ نبض” من أكثر من مكوّن سياسي، وفي مقدّمهم الحريري، والذين بدوا جميعاً متّفقين على السير في المبادرة ويقتربون من تفاصيلها ومن عناصرها التي يعمل على أن تستوفي الشروط المنطقيّة، وقد عبّروا أمام الوزير المصري ومن ثم امام موفد الجامعة العربية عن امكان مساهمتها في الوصول إلى مشروع حلّ يؤدّي إلى أمل في الانقاذ من خلال تشكيل الحكومة، وقدرتها على إحداث خرق في جدار المراوحة في ظلّ أزمة مستعصية، بعد مرور أشهر من التعطيل الذي زاد تفاقم الانهيار المالي والاقتصادي. وعُلم أن عين التينة بدت مرتاحة لما نتج عن اللقاءات المصريّة. وتشير المعطيات إلى أنّ التقارب السياسي يتعزّز بين برّي والحريري في هذه المرحلة، نتيجة الاتفاق حول تفاصيل المبادرة التي أطلقتها عين التينة لجهة تشكيل حكومة اختصاص غير حزبية مع توسيع أرضيتها إلى 24 وزيراً.
وقد واصل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي جولته امس على المسؤولين، عارضاً المساعدة في الخروج من الازمة وداعماً حياد لبنان ايضا. واعلن في بكركي حيث التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي “ان موقف البطريرك لجهة حياد لبنان هو موقف يتماهى تماماً مع قرارات مجلس الجامعة العربية في ما يتعلق بموضوع النأي بالنفس عن كل الصراعات والنزاعات في محيط لبنان، وقد دعمنا هذا الموضوع ونرحب به ويمكن ان تكون هناك مصلحة اكيدة للبنان في هذا الموضوع”. وأعرب عن اعتقاده “ان هناك رغبة في التوصل الى مخرج للازمة السياسية رغم صعوبتها ودقتها ورغم ان الكل يبدو متمسكا بمواقفه لكن الامر يحتاج الى صبر وعمل وارادة سياسية”. وقال انه وعد البطريرك “باستمرار السعي والتوصل مع الجميع لايجاد مخرج للازمة الحالية بما يتيح تشكيل حكومة سريعا تقوم بالاصلاحات المطلوبة وتحقق نقلة نوعية في الوضع الاقتصادي والمالي للبلد”. وأفادت معلومات ان زكي طلب لقاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في مركز التيار في ميرنا الشالوحي فأبلغه مكتب الأخير ان باسيل موجود في اللقلوق بسبب ارتباطات مسبقة وهو مستعد لاستقباله، لكن زكي فضل اللقاء في بيروت لضغط الوقت فاعتذر باسيل عن لقائه واقترح ان يوفد اليه وفدا من قيادة التيار لكن تضارب المواعيد حال دون حصول اللقاء بينهما.
التدقيق الجنائي
في غضون ذلك وبعد الضجة التي اثارها رئيس الجمهورية ميشال عون في رسالته الأخيرة حول ملف التدقيق الجنائي أعلنت وزارة المال امس انها استلمت بواسطة مفوّض الحكومة لدى المصرف المركزي القائمة المحدثة للمعلومات المطلوبة منه من قبل شركة التدقيق الجنائي “الفاريز اند مارسال” وقد أرسلت الوزارة بدورها المعلومات إلى الشركة. وتأتي هذه الخطوة نتيجة الاجتماع الافتراضي الذي عقد بتاريخ 6/04/ 2021 بين ممثلين عن وزارة المال وعن المصرف المركزي وعن شركة الفاريز اند مارسال إضافة إلى مفوض الحكومة
كما ان الأمانة العامة للمجلس المركزي في مصرف لبنان أعلنت بدورها انه بناء على قرار المجلس المركزي المنعقد استثنائياً بتاريخ 9/4/2021 تمّ تسليم مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان قائمة المعلومات المقدّمة من قبل شركة “ألفاريز ومارسال” بعدما تمّ تحديثها لتأكيد إتاحة المعلومات المطلوبة من الشركة المذكورة، وذلك بغية تسليمها إلى وزير المال”.
ومضى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لليوم الثاني في التعليق على موقف عون من التدقيق الجنائي فاعتبر انه “على رغم أنّ فخامة الرئيس ضمّن الحقائق والوقائع كلّها، إلا أنّه أسقط حقيقة واحدة تغيِّر مجرى الأمور بأكملها، وهي أنّه في السنوات الخمس الأخيرة كان رئيسًا للجمهورية، وبجانبه أكثريّتين وزاريّة ونيابيّة. إذا كان للمواطن العادي الحق بأن يتوجّه بكلّ التساؤلات التي وجّهها فخامته، فهل يعقل أن يقتصر دور رئيس الجمهورية على توجيه الاسئلة؟ ولماذا أحجم أساسًا عن تأييد مطلبنا للتدقيق الجنائي منذ العام 2017؟ ولماذا سمح أو غطّى تهجُّم أقرب المقربين إليه على “القوات اللبنانية” بسبب مطالبتها بالتدقيق الجنائي”؟ وسأل :” لماذا لا يُقْدِم الرئيس عون مع حكومة تصريف الأعمال التي تضمّه وحلفاءه فقط لا غير على اتخاذ التدابير والإجراءات الإداريّة والجزائيّة اللازمة لإلزام المصرف المركزي وإجباره على تقديم الإجابات المطلوبة”؟ خاتما “عدا عن ذلك، يبقى كل ما قيل من قبيل الشعبويّة والدعاية السياسيّة ليس إلا، في الوقت الذي تنهار فيه البلاد يوما بعد يوم”.