السبت, نوفمبر 23
Banner

أزمة الأمن الغذائي تهدّد صحّة الأجيال.. والسلطة غائبة

غوى أسعد – اللواء

سلسلة أزماتٍ تضرب لبنان على الصّعد كافّة، إقتصاديّاً وإجتماعياً ومعيشيّاً، بدأت تولّد خللاً في نظام حياة المواطن، فمع ارتفاع أسعار السلع الغذائيّة اليوم بشكلٍ جنوني، كان لا بدّ من تأثّر غذاء الفرد وبشكلٍ ينعكس سلبيّاً على صحته، إذ يقتصر قوتُه في الوضع الراهن على الصنف المدعوم، وينحصر بصنفٍ واحدٍ من باب التّوفير. فكيف أثرت هذه الأزمة على الأمن الغذائي للبناني إذاً؟ وهل يحصل اليوم على غذاءٍ سليم ومتكامل؟ إشكاليات تحقيق «اللواء» اليوم.

لا «فتوش» يومياً

مع حلول فترة الصّيام في شهر رمضان، لا تكتمل المائدة دون صحن الفتوش الذي أصبح بطبيعة الحال من أغلى الأطباق بعد الغلاء المعيشي الّذي يشهده اللبنانيون، وتجسّد هذا بالأرقام في دراسةٍ أجريت في مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، إذ أظهرت ارتفاع «مؤشر الفتوش» بنسبة 210% جرّاء غلاء أسعار مكوناته، فأصبحت تكلفته اليوم 18,500 ل.ل. بعدما كانت 6,000 ل.ل. عام 2020، و4,500 ل.ل. فقط عام 2009، بحسب الدراسة. ناهيك عن تحذيراتٍ شملها تقرير منظمة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمي في تقاريره الدورية، أنذرت من التضخم الحاصل بنسبة 402% في المواد الغذائية ككلّ ومدى انعكاس هذا على المجتمع والأمن الغذائي الوطني. فعلى المواطن إذاً، إعادة حساباته في حال كان ينوي تناول الفتوش يومياً على الإفطار لعام 2021، إذ سيكلفه الأمر، 550,000 ل.ل. على مدى 30 يوما!

انعدام الأمن الغذائي

على الصّعيد الصحي، تشير أخصائية التّغذية زهراء ناصر الدين في حديثٍ خاصّ لـ «اللواء» أنّ «مفهوم «الأمن الغذائي» كي يتحقق على مستوى الدّولة، عليها إذاً تأمين إحتياجات المواطنين بقدر طلبهم أو بفائضٍ عنه. لكن هذا الشرط الأساسي الأول غير متوفّر في لبنان. أمّا على صعيد الأمن الغذائي العائلي أو الفردي فيتحقق هذا بعدم خوف الفرد من تعرّضه للجوع. وذلك عبر توفّر ثلاثة شروطٍ: السلع، الأسعار الجيّدة، وتلبية رغبة المواطن بسلعة معيّنة». وتؤكّد ناصر الدين أن «عامل تحقيق رغبة المواطن من السّلع لا يُذكر ضمن حالات الطّوارئ. ففي لبنان اليوم، حتى السّلع الأساسية غير متوفرة وأسعار السّلع الموجودة غير مناسبة، ما يبيّن عدم توفر أي عنصر من عناصر الأمن الغذائي في البلد». وتلفت إلى أنّ «إنفجار بيروت أثّر على سوء الأزمة الغذائية وزاد منها، بسبب خسارة إحتياطي كبير من القمح وتوقّف حركات إستيراد البضائع والسّلع الغذائية، عداك عن تدهور سعر صرف الدولار مقابل الليرة والبطالة، فهذين عاملين أثّرا سلباً على القدرة الشرائية للمواطن».

وبعد سؤالها حول تصنيف غذاء اللبناني في ظلّ الأزمة تشدّد على أنّ «النسبة الأكبر من المواطنين لا يأخذون كمية مناسبة من كل العناصر الغذائية. على سبيل المثال، العائلة تشتري اليوم الأرزّ المدعوم فقط دون القدرة على تناوله مع وجبةٍ من الخضار أو الدجاج أو اللّبن، وهنا إقتصر غذاؤهم على النشويات فقط ما يضرّ بشكلٍ كبيرٍ بالصحة». وتتابع: «حتّى لو تناول الفرد نشوياتٍ بكمياتٍ مناسبة دون التنويع في وجباته، يبقى الغذاء غير سليم. لكن الحالة المادية الصعبة غير مناسبة ليستطيع الفرد التنويع في الأصناف».

وتضيء ناصر الدين ختاماً أيضاً، على حالةٍ بدأ يشهدها المجتمع اللبناني وهي تتجسد بأنّ «معظم الأشخاص قبل الأزمة، كانوا يعتمدون على شراء صناديق مياه الصحة المكررة للشّرب. لكن بعد غلاء هذه الأخيرة، أصبح المواطن يفتّش على مياهٍ للشرب مجانية وغير مكررة، ما يشكّل عاملاً إضافياً خطِراً على الأمن الغذائي للفرد إثر الإنتقال إلى نوعية مياهٍ غير معلومة المصدر ومن المحتمل أن تكون غير نظيفة».

حكايا الناس

وعن حكايا المواطنين، هنا المفاجأة، إذ تشكو ربة المنزل ن.ز. قائلةً: «هذه السّنة لم أستطع الصّوم عن كل الأصناف بشكلٍ كامل، كقطع الألبان والأجبان، البيض، اللحوم أو الدجاج.. وذلك بسبب غلاء الخضار بشكلٍ يتعدّى قدرة المواطن لتناول صحن السّلطة يومياً، فهو الطبق الأنسب للصائم لكن غلاء الأسعار صعّب واجبنا الدّيني حتّى!».

وتسرد أخرى اعتادت على تحضير المعمول للأعياد بعد الصّيام، «لنقارن الأسعار، كان سعر كيلو الفستق الحلبي 35,000 ل.ل. أصبح اليوم 120,000 ل.ل.، كذلك السميد سعره الآن 10,000 ل.ل. في حين كان 2,750 ل.ل. أو أقل. أمّا عن الصنف الأهم فهو قالب الزبدة الّذي كان سعره 9,000 ل.ل، وبعد الأزمة أصبح القالب الواحد فقط، بـ37,000 ل.ل. وفي بعض الأحيان وصل لـ40,000 ل.ل.»، وتقول: «حتّى بهجة العيد وكرم الضيافة وتوزيع المعمول حُرمنا منهم، نكادُ لا نستطيع أن نصنع معمولاً يكفينا كعائلةٍ واحدة فقط، الوضع كارثي!».

ختاماً، وكأنّ التوترات السياسية والأمنية والإجتماعية وسلوكيات سرقته ونهبه لا تكفيه في هذه الأثناء، فيغدو المواطن اليوم بلا أمنٍ إقتصادي ومعيشي، نتج عنه فقدان الأمن الغذائي الّذي يعتبر أولى واجبات دولةٍ تجاه شعبها. وقد بدأ يشعر بمرّ الواقع أكثر، في فترات الصّيام والأعياد هذه وما من حلولٍ تعينه للحصول على غذاءٍ سليمٍ متكامل لينعدمَ بذلك الأمن الغذائي الفردي، العائلي والوطني في لبنان. فهل اللبناني مهددٌ بالجوع إذاً؟!

Leave A Reply