علي ضاحي
لم تكد تنته “خضة” المرسوم البحري والبلبلة، التي اثارها عدم توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورده الى حكومة تصريف الاعمال لاتخاذ قرار جماعي رغم توقيعه من رئيسها ومن الوزيرين المختصين الدفاع والاشغال، حتى إنفجرت “قنبلة” غسان عويدات وغادة عون الصوتية، والتي اساءت الى القضاء ،”وهركلته”، وزاد من تشويه صورته وسمعته وفق ما تؤكد اوساط حقوقية ونيابية في تحالف 8 آذار لـ”الديار”.
وتشير الاوساط الى ان في الشكل أخطأ المدعي العام التمييزي غسان عويدات في كف يد القاضية غادة عون وهي مدعية عامة في جبل لبنان عن الملفات كلها دفعة واحدة وقام بتبليغها عبر الاعلام، في حين كانت ردة فعل القاضية مبالغ فيها واستعراضية بمداهمة شركة ميشال مكتف للتعاملات المالية وبرفقتها قوة من امن الدولة سرعان ما سحبت القوة بعد اتصال من عويدات بالمديرالعام لامن الدولة طوني صليبا وابلاغه انه كف يد عون عن الملف. وترى الاوساط ان عويدات ايضاً تجاوز صلاحيته في هذا السياق.
في المقابل تؤكد الاوساط ان القاضية عون وفي تصرفها هذا ومداهمتها لشركة مكتف لمرتين خلال الايام الماضية، فيه استعراض اعلامي وشعبوي، وقد يقرأه البعض على انه تماه من رئيس “التيار الوطني الحر” والنائب جبران باسيل مع ثورة 17 تشرين الاول، وانسجامه مع مطالبها في مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي.
وتضيف ان ما جرى في اليومين الماضيين، سينتهي كما انتهت غيره من القضايا التي اثيرت لتعبئة الفراغ السياسي والاعلامي، ولحرف الانظار عن حقيقة الممارسات التي تجري، وفي ظل العقم والفشل في انقاذ البلد.
فلا يمكن لاي كان ان يحارب الفساد وحيداً، وهذا لا يتم بالتهديد او الوعيد، ولا عبر الاعلام او باستغلال القضاء والامن والسياسية والاعلام لابتزاز الخصوم وتركيعهم.
فملف الفساد سيادي ووطني، واذا لم تتوفر الارادة الوطنية لذلك، واذا لم تبدأ المحاسبة من الهرم الى القاعدة، وان تُجر الرؤوس الكبيرة الى المحاسبة والقضاء “كله لعب ولاد”. واذا لم يكن القضاء كله نزيهاً ومستقلاً وغير خاضع للسياسيين لا فائدة من الاحتكام اليه ايضاً!
وكذلك ملف التدقيق الجنائي، والذي يعتبر من القوانين العصرية والهامة نظرياً، وهو جيد وفعال اذا طبق على كل مؤسسات الدولة بشكل دقيق وعلمي ومنهجي ولاظهار بواطن الفساد والتهريبات والتنفيعات. ولكن حتى هذا المرسوم قد فخخ بعامل الوقت وحشر فيه، عندما حددت مدة رفع السرية المصرفية بعام واحد، كما فخخ القانون بالتزامن بين مؤسسات الدولة كلها. اي ساوى بين البلدية ومصرف لبنان، واي وزارة اخرى واي صندوق عمومي. ولكن السؤال كم يتطلب من وقت للتدقيق في هذا الكم الهائل من المؤسسات وميزانيتها وصناديقها منذ العام 1992 وحتى اليوم؟
وتقول الاوساط، ان الاجتماع الذي عقدته وزيرة العدل ماري كلود نجم مع النائب العام التمييزي غسان عويدات، ومجلس القضاء الاعلى سهيل عبود ، ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد، ودعوتها التفتيش القضائي، الى وضع يده، على كل الملفات القضائية المختلف عليها دفعة واحدة وابداء الرأي العلمي فيها، كلام جميل نظرياً، ولكنه مفخخ سياسياً عندما اعترفت الوزيرة ان هناك تدخلات سياسية في القضاء ويتم تسييه واستخدامه اداة لتصفية الحساب السياسي.
وتسأل الاوساط: هل من باب الصدفة ان يتحرك عويدات في هذا التوقيت؟ وهل من باب الصدفة ان تصر غادة عون على مداهمة المكان نفسه مرتين متتالتين خلال يومين؟ وبعد الاجتماع القضائي وبوجود القاضي الجديد المكلف بالملف المالي سامر ليشع؟
وتؤكد الاوساط ان ما يجري اليوم خطير بين التيارين الازرق والبرتقالي، وتحويل كل مؤسسات الدولة، ولا سيما القضاء والاعلام، ساحتين لتصفية الحسابات السياسية وبسبب انعدام الثقة بين الثلاثي عون والحريري وباسيل.
وتعثر تشكيل الحكومة سيقود البلد الى مزيد من التوتر والاثارة الشعبية والسياسية، مهما كان البدء فيها او المتسبب فيها. ولكن البلد هو من سيدفع الثمن بالاضافة الى اللبنانيين والضحية الاولى لهذا الكباش هي الحكومة التي لن تتشكل طالما بقيت هذه العقلية والمقاربة للملف الحكومي.