عزة الحاج حسن – المدن
لا يمكن أن يمر إعلان جمعية المصارف منذ أيام، عن تحويلها مبالغ مالية تقدّر بنحو 240 مليون دولار إلى الطلاب اللبنانيّين في الخارج، مرور الكرام. فالأرقام التي عرضتها الجمعية “فاقعة” جداً، خصوصاً أنها أكدت استفادة نحو 30 ألف طالب لبناني من التحويلات خلال العامين الدراسيين 2019-2020 و2020-2021. فأرقام التحويلات المذكورة التي طرحتها الجمعية، لتبرئة المصارف من مسؤولية التقصير في تطبيق قانون الدولار الطلابي، ليست سوى إدانة للمصارف، ودليلاً دامغاً على عدم صدقيتها وتزويرها للواقع، واقع ظلم الطلاب اللبنانيين في الخارج وحرمانهم من قدرتهم على متابعة تحصيلهم العلمي.
أرقام تكذّب المصارف
العديد من الأرقام والمعطيات تنسف ادعاء المصارف بتحويلها الأموال لقرابة 30 ألف طالب لبناني في الخارج. وإذا احتسبنا مجمل أعداد الطلاب اللبنانيين في الخارج، لوجدنا أن تحويلات 30 ألف طالب تغطي السواد الأعظم منهم. وهو ما يؤكد عدم صدقية ادعاء المصارف. بمعنى أنه فيما لو صحّ ادعاء المصارف بتحويل الأموال إلى الطلاب الـ30 ألفاً، فلماذا لا يزال أهالي الطلاب يتظاهرون ويواجهون المصارف في الشوارع والمحاكم؟
حسب أرقام معهد اليونيسكو للإحصاء، يبلغ عدد الطلاب اللبنانيين في الخارج للعام 2018-2019 أكثر من 18000 طالب، يتوزعون بين فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، الإمارات، ألمانيا، إيطاليا، أوكرانيا، إيران، استراليا، كندا، السعودية، بيلاروسيا وتركيا.. ويُضاف إليهم الطلاب اللبنانيون في دول لم ترد في التقديرات الرسمية، كروسيا وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا وبولونيا وأرمينيا وجورجيا. لكن في شتى الأحوال يبقى عدد 30 ألفاً المُعتمد من قبل المصارف غير دقيق ومبالغ فيه.
وإذا ما كانت المصارف قد حوّلت فعلاً المبلغ الذي تدّعيه، وهو 240 مليون دولار، فإن الأمر يستدعي تحقيقاً لمعرفة من استفاد من هذه التحويلات، طالما أن الطلاب ما زالوا يعانون. وقد اضطر العشرات منهم إلى ترك جامعاتهم لعدم تمكّنهم من تحمّل الأعباء المالية. هذا المطلب رفعته رابطة المودعين في إطار مواجهتها بيان جمعية المصارف “المضلّل”.
دليل آخر على عدم صدقية جمعية المصارف، أوردته رابطة المودعين، وهو أن جمعية المصارف ادعت أن التحويلات المليونية للطلاب تمت خلال العامين الدراسيين 2019-2020 و2020-2021، إلا أنه في الفترة التي سبقت صدور تعميم مصرف لبنان في شهر آب 2020 وبعده قانون الدولار الطالبي في تشرين الأول 2020، كانت المصارف قد أوقفت كافة التحويلات، ومارست كابيتال كونترول غير قانوني، ومنعت عن الطلاب أبسط حقوقهم. كما أوقفت البطاقات الائتمانية للسحب في الخارج. ولم تقم سوى بتحاويل محدودة لعدد بسيط من الطلاب وبمبالغ زهيدة.
وقائع تفضح المصارف
أما الوقائع الحاسمة لزيف ادعاءات المصارف، فتتمثّل بما جرى في اجتماع عقد في مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، بمبادرة منه لمواجهة طرفي النزاع، أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج وجمعية المصارف. وقد حضر حينها عن جمعية المصارف رئيسها سليم صفير، وأمينها العام مكرم صادر، وأمين صندوق الجمعية تنال الصباح. وعن مصرف لبنان رياض سلامة، إضافة إلى وفد من أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج، من بينهم ممثل الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية، ربيع كنج، الذي كشف في حديث إلى “المدن” مجريات الاجتماع.
ادعى الصبّاح خلال الاجتماع أن المصارف حوّلت نحو 150 مليون دولار إلى الطلاب في الخارج. وهو ما نفاه أهالي الطلاب فوراً. حينها توجه دياب بالسؤال إلى وزير الخارجية شربل وهبة، الذي حضر إلى جانب وزير المال غازي وزني أيضاً، وسأله عن رأي السفارات اللبنانية في الخارج. فردّ وهبة بأن السفارات تؤكد صعوبة معيشة الطلاب في الخارج. بتعبير آخر “إنهم يجوعون” ومنهم من لم يعد لديه مسكن. في ذلك الاجتماع وعدت جمعية المصارف بإصدار بيان فوراً تؤكد فيه التزامها بالتحويلات المالية إلى الطلاب في الخارج. وهو ما لم تفعله حتى اللحظة.
بين 150 و240 مليون!
خلال الاجتماع المذكور كان رقم التحويلات المالية الذي ادعته المصارف 150 مليون دولار. واستمر أصحاب المصارف بتأكيد هذا الرقم في كل مناسبة. وآخر تأكيد جاء على لسان رئيس مجلس إدارة بنك الموارد، مروان خير الدين، في حديث تلفزيوني سبق بيان الجمعية الذي أعلنت فيه تحويلها 240 مليون إلى الطلاب. بمعنى أن رقم التحويلات ارتفع خلال بضعة أيام من 150 مليون إلى 240 مليون دولار(!!). وهو ما يؤكد زيف الأرقام التي تطرحها جمعية المصارف وزيف ادعاءاتها.
تخالف جمعية المصارف اليوم اتفاقها في 10 آذار مع مدعي عام التمييز، بضرورة التزامها تحويل كلفة التعليم والأقساط في الخارج بالعملة الصعبة، بعد تقديم المستندات اللازمة. وتخالف تعميم مصرف لبنان رقم 153 الصادر في آب 2020، حول تحاويل الطلاب المسجلين في الخارج من العام 2019. وتخالف قانون الدولار الطلابي الصادر في 22 تشرين الأول 2020. وتضرب عرض الحائط كافة الدعاوى والإنذارات الموجهة بحقها، ومنها إخبار مقدّم من قبل الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية أمام النيابة العامة التمييزية. وقد تم تحويله إلى النائب العام المالي في 8 نيسان الجاري، قبل أن تسلم رسالة إلى السفارة الفرنسية، تفيد بأن المصارف اللبنانية تتسبب بظلم الطلاب في الخارج، وتجردهم من قدرتهم على العيش والتعلم.