لم يعرف لبنان أديباً بواقعيته الثائرة، ولا بحدة جرحه والمه، ولا بصدقه. هو فؤاد سليمان. من الادباء الحاضرين في وجدان اللبنانيين، وفي التوق المستحيل إلى نهضة مرتجاة. نتذكره اليوم، كما كلّ يوم، لأننا بحاجة إلى صدقه الصارخ، وإلى إيمانه القوي بأنه” قادر من أي مكان يكون فيه ان يصنع الدنيا ويصنعها أجمل مما هي”، بحسب منح الصلح.
متى يشبع البحر في لبنان؟
إن البحرَ يلتهمُ اللبنانيين عيلة بعد عيلةٍ ، وقرية بعد قريةٍ.
وفي البحر نهَمٌ لِأن يلتهم لبنان أهلًا وصخرًا وسنديانًا.
ويبقى لنا هذا البحر يضرب بأمواجه شواطئ مقبرةٍ مهجورةٍ، فيها العظامُ باليةٌ.
متى يشبعُ هذا البحر، وهذه البحار السبعة ، من لبنان ومن أبناء لبنان، فلا يتركُ بيوتَهم مطفأةَ المصابيح، مقفلةَ النوافذِ ويابسةَ الأزهار؟
وبعدُ، متى يشبعُ لبنان، حكومة وشعبًا، من هذا البحر البغيض؟
أقولها بمرارة ما بعدها مرارة:
الهجرة اللبنانية خراب ودمار.
وتكان الهجرة اللبنانية أن تكون عارًا على شعبنا وحكومتنا!
إن شعبًا يترك بلاده بمثل هذا الفيض المتلاحق إنما هو شعبٌ جبانٌ، يتهرّب من حق الوطن عليه.
وإن حكوماتٍ تترك شعبها ، وأنبل ما في شعبها من شباب، ينقذِف هكذا، على كفِّ العفاريت ، إنما هي حكومات كسيحة العقل.
وإن صحافة تتَغنّى بأمجاد اللبنانيين في المهجر ،فيندفع الشباب على غنائِها ، يبحث عن “الأمجاد” إنما هي صحافة مجرمة.
الهجرة اللبنانية جريمة لن يغتفرَها لبنان لأبنائه، سلطات ورعيّة.
من قريتي الصغيرة، ومن أربعمائة نفسٍ، فيهم العجوز والطفل والكسيح والأعمى …. ركِبَ البحرَ في سنة واحدة خمسون شابًا، كانوا زنودًا عامرةً يُفتّتون الصخر ترابًا لتخصب الأرض، وكانوا خيرًا ورجوةً…. وفي غدٍ، يقولون لي، ستركَب البحر قافلةٌ جديدةٌ ، وتصبح قريتي الصغيرةُ مقبرةً لبنانيّةً كبيرةً.
وهكذا تُبنى الأوطان.
فؤاد سليمان
من كتاب القناديل الحمراء
سؤال طرحه فؤاد سليمان قبل العام 1951 ولا يزال مطروحًا حتى يومنا.
(هنا لبنان)