غسان ريفي – سفير الشمال
في الوقت الذي يُسجِل فيه عهد ″الرئيس القوي″ مزيدا من الفشل في معالجة الأزمات التي ترخي بظلالها القاتمة على اللبنانيين، ويتعامل مع قضايا سيادية ـ مصيرية بكثير من الاستخفاف، بدءا من ملف مرسوم تعديل ترسيم الحدود الذي أدخله في البازار السياسي للمقايضة عليه، مرورا بالملفات الداخلية حكومية كانت أم قضائية أم إقتصادية وإجتماعية وصحية وإنسانية، وصولا الى كارثة القرار السعودي بمنع دخول إرساليات الخضار والفواكه الى المملكة أو العبور من أراضيها حيث ما يزال التخبط سيد الموقف ما يؤدي الى إضعاف الموقف اللبناني أمام دول الخليج التي سوف تحسب ألف حساب لكل شحنة تصلها من وطن الأرز الذي تحول بفعل تراكم الأخطاء وتقديم المصالح والمكاسب الشخصية على المصلحة الوطنية العليا، الى وطن “الهلوسات” السياسية التي تتجلى بأسوأ عباراتها وصورها.
يمكن القول إن “كل اللبنانيين بـ همّ، وجبران باسيل بـ همٍّ آخر”، فالشعب العظيم بات يتسول لقمة العيش ويستجدي الانقاذ، وعمّ أنينه دول العالم بأسرها وهي شددت مرارا وتكرارا على ضرورة تشكيل حكومة لاطلاق برنامج المساعدات، حتى وصل الأمر الى البابا فرنسيس الذي وجه رسالة يوم أمس الى الرئيس ميشال عون حملت سلسلة من الاشارات تدعو الى وضع لبنان على طريق الانقاذ ما يعني تشكيل حكومة.
في حين أن جبران باسيل يفتش عن كيفية سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري لتصفية حسابات شخصية معه، تختزن كثيرا من الحقد الذي بدأ يظهر في سلوك باسيل والذي يضاعف منه ما يواجهه رئيس التيار البرتقالي من حصار خارجي وعزل داخلي، وشعور بالضعف والتراجع الشعبي بالرغم من وجود عمه في قصر بعبدا.
سلوك باسيل يؤكد المثل القائل: “الناس بالناس والقطة بالنفاس”، خصوصا أن الانهيار الاقتصادي دخل أخطر المراحل، والمجاعة تطرق الأبواب، والفوضى تهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وشبح زوال لبنان يلوح في الأفق، بينما ينصب إهتمام باسيل على أمرين إثنين طموحاته السياسية وإلغاء سعد الحريري.
تقول المعلومات إن باسيل يعقد إجتماعات متواصلة مع مستشاريه الذين تمركزوا في القصر الجمهوري لمتابعة الملفات الضرورية بحضور بطانة الرئيس عون ممن يقدمون الفتاوى الدستورية والقانونية للبحث في كيفية سحب التكليف من الرئيس الحريري.
لم تصل هذه الاجتماعات الى نتيجة، حيث أن الدستور واضح لا لبس فيه لجهة إنتهاء التكليف، وهو بأمر من ثلاثة، إعتذار الحريري من تلقاء نفسه، إستقالة رئيس الجمهورية، إستقالة مجلس النواب وإجراء إنتخابات تعيد تكوين السلطة السياسية من جديد، ليصار الى تكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة.
في الخيار الأول كل المصادر الحريرية تؤكد أنه غير وارد وأن الرئيس المكلف لن يعتذر وهو ماض في مهمته حتى النهاية، والخيار الثاني مستحيل بالرغم من أن السواد الأعظم من اللبنانيين يتمنون الوصول إليه، ليبقى الخيار الثالث لجهة إستقالة مجلس النواب وهو الوحيد القابل للنقاش وقد لوّح به باسيل أكثر من مرة.
وبعدما “راحت السكرة وجاءت الفكرة”، تبين لباسيل أن إستقالة مجلس النواب دونها محاذير كثيرة، لجهة: أولا، رضوخ التيار الوطني الحر الى مطلب المعارضة المسيحية والذي تجدد أمس من بكركي بعد زيارة وفد القوات برئاسة ستريدا جعجع، وثانيا، الخوف من خوض تجربة الانتخابات في ظل التراجع الشعبي الواضح للتيار الوطني الحر، وإنتهاء مفاعيل خطاب الحقوق والميثاقية لدى باسيل في شد العصب المسيحي، فضلا عن ضغوط الحرس القديم، والارباك العائلي ما يجعل الاكثرية النيابية البرتقالية في مهب صناديق الاقتراع، وثالثا، الغضب الذي يسيطر على أكثرية الشارع المسيحي من آداء العهد، ورابعا، أن ليس لجبران باسيل حليف خصوصا أنه “لم يترك له صاحبا” ما يُسهّل إستفراده.
كل ذلك، يجعل باسيل في وضع لا يُحسد عليه، وهو عندما أراد حليف المقاومة كسر الحصار المفروض عليه، من خلال الاستعانة بصديق أوروبي، تبين أن وزير الخارجية الهنغاري اليميني هو من أكبر الداعمين للكيان الصهيوني الغاصب، الأمر الذي زاد الطين بلة وضاعف من أزمته الداخلية.