سابين عويس في النهار :
في الوقت الذي تنشغل فيه الاوساط السياسية والناس بملف تأليف الحكومة على انه الاولوية او الفرصة الاخيرة للانقاذ، بعدما سُدَّت في وجه اللبنانيين كل سبل الحياة الكريمة، والآفاق الواضحة للمستقبل، يجري اختصار تلك الاولوية بحجم التمثيل وتوزع المقاعد الوزارية ضمن منطق محاصصة مفضوح، لا تتكبد القوى السياسية المعنية بالتأليف عناء إخفائه، أقله احتراماً لمشاعر مئات الألوف ممن افترشوا الساحات طمعاً بتغيير وبسلطة مستقلة تعبر عن تطلعاتهم وتحمل همومهم وهواجسهم.
امام هذه المشهدية الغارقة في تتبع حركة رئيس الجمهورية والحكومة المكلف، والتي توجت بلقاء مسائي بينهما لوضع اللمسات على تشكيلة يرتقب ان ترى النور في الايام القليلة المقبلة، ما لم يطرأ مستجد يؤخرها او يعطلها، تبقى الاسواق متفلتة من اي رقابة، خصوصاً ان مرحلة الوقت الضائع بين حكومة مستقيلة تصرف الاعمال وترقب حكومة جديدة لن تكون قصيرة كفاية لوضع حد لهكذا تفلت بدأ أساساً منذ اشهر، وبات عصيان على الضبط.
فتعدد الأسعار في سوق الصرف، معطوف على سياسة الدعم التي يتبعها المصرف المركزي طرحت الكثير من التساؤلات حيال قدرة الاخير على الصمود والوقت المتوافر له قبل نفاد احتياطاته بالعملات الاجنبية، تمهيداً للسؤال الاخطر عن مرحلة ما بعد نفاد تلك الاحتياطات، وهل سيكون الذهب الخيار البديل الذي سيستعاض به عن الاحتياطات لتأمين استمرارية سياسة الدعم، علما ان. مسألة رفع الدعم لن تكون مطروحة امام حكومة تعد العدة بمكوناتها السياسية لانتخابات ٢٠٢٢ ؟
مرد هذا التساؤل – الهاجس ان موضوع اللجوء الى الذهب وُضع في التداول من خلال بعض الاقتراحات التي يجري طرحها كخيار الرهن او التأجير، فيما تعكف الأجهزة المعنية في المصرف المركزي على اجراء جردة بالذهب الموجود في خزانات المركزي وتشكل نحو ٤٠ في المئة من المخزون.
عجزت حكومة حسان دياب قبل استقالتها وبعدها عن تأمين الخيارات الكفيلة بتخفيف الضغط عن المركزي من خلال اللجوء الى تقليص حجم الدعم. على العكس، وسعت دائرة السلع المدعومة، لتزيد كلفتها وأعبائها على المركزي.
في المقابل، فشل وزير الاقتصاد في التوصل مع المركزي الى وضع آلية واضحة لاعتماد البطاقة التموينية، بعدما عجز العاملون على هذا الخيار عن التوافق على المعايير والآليات والجهة التي ستتولى إصدار البطاقة، وهل تكون المصرف المركزي او جهة اخرى، كما فشلوا في تحديد من تطال ومن يستفيد منها وماذا ستضم ومن يحدد شروطها.
في هذا الوقت، وبينما السلة المدعومة تتسع، ويتسع معها حجم التهريب من جهة واستفادة التجار والمستوردين من جهة اخرى، يتراجع الاحتياط ليبلغ مستويات لن تكفي لأكثر من ثلاثة اشهر، في أحسن الاحوال، اذا ما اعتمدت سياسة تقليص الكلفة. والا، فإن الاحتياطات لن تصمد لاكثر من شهرين حدا أقصى اذا لم يتم اللجوء الى اعتماد الخيارات البديلة.
والسؤال، ماذا ستكون سياسة الحكومة الجديدة حيال هذا الموضوع الأساسي والحيوي بالنسبة الى اللبنانيين؟
بداية، لا بد من الاشارة الى ان حجم الدعم يتجاوز سنويا الخمسة مليارات دولار منها نحو مليارين ونصف المليار من احتياطات المركزي. ولكن المفارقة التي بينتها الدراسات ولا سيما دراسة مؤسسة “آنفو برو” الدقيقة، ان نسبة استفادة الاسر المحتاجة لا تتجاوز ٢٣ في المئة، فيما تذهب دراسات اخرى الى القول بأن هذه النسبة لا تتجاوز العشرين في المئة فيما تبلغ نسبة غير المحتاجين للدعم 40 في المئة، ويذهب نحو 10 في المئة للتجار والمستوردين، اما نسبة التهريب الى سوريا فتبلغ 30 في المئة!
لذلك فإن الاولوية اليوم هي لتكبير مصة المحتاجين والأكثر فقراً على حساب تقليص حصة غير المحتاجين والتجار والمهربين.
في جعبة الاقتراحات، ان يتم خفض نسبة الدعم على المحروقات من 85 في المئة الى 60 في المئة، ما يؤمن وفرا بقيمة تقارب الـ 600 مليون دولار وفقا لاسعار النفط الحالية ( والمستبعد ان ترتفع في المدى المنظور).
وهكذا وفر يمكن الإفادة منه لدعم السلع الاساسية شرط ان يتم تقليص حجم السلة المدعومة من ٣٠٠ صنف الى بضعة عشرات، تشكل فعلاً المواد الاساسية الملحة.
وفيما ترى مصادر اقتصادية ضرورة ان يشكل موضوع الدعم اولوية قصوى لدى الحكومة العتيدة، خصوصاً اذا ما صمد سعر صرف الدولار على مستوياته المتراجعة، والتي تستدعي اعادة نظر بالقفزات الكبيرة التي حققتها الأسعار ، وذلك بسبب ان التعويل على البرنامج مع صندوق النقد الدولي لوصول المساعدات الدولية سيستغرق وقتا. ليس لدى لبنان ترف انتظاره، ما سيجعل اللجوء الى استعمال الذهب خياراً حتمياً ليس لتمويل الدعم فحسب وانما لتمويل الانتخابات، ما يجعل ثروة لبنان الصفراء في خطر، خصوصاً اذا ما تم اللجوء الى تعديل القانون الذي يحظر استعماله، وتم في المقابل استعماله من قبل سلطة لا تتمتع بالمسؤولية والصدقية والثقة!