كتبت غوى اسعد في اللواء : إسمٌ جديدٌ يضاف إلى قائمة أسعار الصّرف الأربعة المتداولة، ليصبحوا خمسة! ففي بلدٍ يقدّم إقتصادهُ خمسةَ أسعارٍ للصّرف،و«كُلٌّ يغنّي بليرته على ليلاه»؛ من «الدّولار» إلى «اللوّلار»، ومن سعر المنصّة الرّسمي إلى «اللّيرة» ثمّ الـ «بيرة»، بدا لافتاً، تزامناً مع تكليف الرّئيس الحريري تشكيل الحكومة العتيدة،الإنخفاض المفاجئ بسعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة. لكن في المقابل لم يترجم هذا الانخفاض في الواقع، فالدولار المفقود زاد عشوائية وندرة، والأسعار زادت جنوناً ولهيباً!!
بات من حقّ المواطن معرفة ما يدور يجري ويتعلق بلقمة عيشه ودوائه وأسباب حياته، سألت «اللواء» خبراء ومعنيين عن حقيقة ما يجري في سوق الصرف.
شيخاني: سوقٌ سوداء على اللّيرة
يوضح الخبير الإقتصادي والمالي نيكولا شيخاني، في حديث خاص لـ «اللواء» أن «لا علاقة مباشرة لتسمية الرّئيس سعد الحريري أو لتشكيل الحكومة في إنخفاض سعر الدّولار فجأةً أو تدهوره خلال هذه الأيّام»، ويشير «إلى تعميمٍ كان صدر عن المصرف المركزي الأسبوع الماضي يقضي بأن يدفع المستوردون أموالاً باللّيرة اللّبنانية من السّوق النقديّة كاش ومباشرةً، للحصول على المبالغ بالدّولار من المصرف المركزي، وبذلك تمّ سحب اللّيرة من السّوق ممّا أدّى إلى خلق سوقٍ سوداء على اللّيرة اللّبنانية».
ويحذّر شيخاني «من مخاطر إيجاد سوق سوداء على العملة المحليّة، أي اللّيرة اللّبنانية. إذ وبعد التّعميم، أصبح هناك 5 أسعارٍ للصّرف! الدّولار، اللّولار، سعر المنصّة، اللّيرة، ثمّ بعد ظهور السّوق السّوداء على الليرة، سمّي السّعر الخامس (بيرة)». وبحسب شيخاني «ما يحصل سيؤدّي إلى صعوبة ٍكبيرةٍ في عمل القطاع الخاصّ ونموّه»، واعتبر أنّ «سياسة تخفيض الحدّ الأدنى من سحوبات الأموال الّتي تعطيها البنوك شهريّاً يؤدي إلى إنكماش في الإستهلاك. وذلك عكس ما يجب القيام به، فلكي ينمو الإقتصاد يجب تحريك عجلة الإستهلاك أكثر، لا تقليصها، وبالتالي تعطيل ذاك النّمو».
ويرجّح شيخاني أنّه «في حال جرى رفع الدّعم وزاد غلاء الأسعار بشكلٍ جنونيّ فإن ذلك سيؤدّي إلى تدهورٍكبيرٍ في سعر الصّرف، وقد يصِل سعر صرف الدّولار الواحد إلى 15000 ل.ل أو أكثر خلال شهر شباط المقبل». ويتابع: «لا يمكن أن يحصل ذلك في حال استطاعت الحكومة إدخال حوالي 10 مليار دولار إلى البلد، إلاّ أنّ ذلك أمرٌ في غاية الصّعوبة، وإن حصل فلن يكون بلا ثمنٍ أيضاً».
ويلفت شيخاني إلى «تضييع فرصة استغلال 6 أشهر، كان من الممكن خلالها البدء بضبط انهيار العملة من قبل صندوق الدّولي بعد بدء المفاوضات، لكي نبطئ عمليّة الوصول إلى الإنهيار التّام».ويسأل «من قال أنه لا يمكن أن نصل إلى ما وصلت إليه فنزويلا، من المتّوقع أن نصل لذلك وأكثر، فنحن نعاني من أزماتٍ أكثر بكثير ففي لبنان هناك أزمة الدّين العام والبنوك إلخ… وكذلك أزمة الإنهيار في البنك المركزي»، مؤكداً أنّ «المشكلة الأساس هي في غياب دولة المؤسّسات والقضاء المستقل والمحاسبة».
غبريل: حان وقت «ذَهب» المَركزي
في المقابل، يوضح الخبير الإقتصادي ورئيس قسم البحوث والتّحاليل الإقتصادية في مجموعة بنك «بيبلوس»، نسيب غبريل لـ«اللوّاء» بأنّه «لا يربط إنخفاض سعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة في السّوق بتكليف الرّئيس الحريري بشكلٍ كلّي، فالسّوق السّوداء تدخل ضمن عدّة عوامل لتحصل هذه التّغيرات، فهي سوقٌ غير رسمية وغير منظمة، هشّة، وغير مراقبة، لذلك أي عامل يمكن أن يؤثّر فيها».
ويطرح غبريل تفسيراتٍ عدّة لما حصل، منها أنّه «من الممكن أن يكون التّكليف أعطى مؤشّراً ببعض الإيجابيّة ممّا أوهم النّاس بإمكانية إنخفاض سعر الدّولار مقابل اللّيرة، وذلك شجّع من كام يخزّن الدّولارات على صرفها قبل إنخفاض سعره. وهو أمر أدّى إلى ضخّ دولارات في السّوق فازداد عرضه وانخفض سعره قليلاً، كما أنّ الشّركات الّتي تكدّس دولاراتاتّجهت للبيع في السّوق النقديّة من أجل تأمين سيولة باللّيرة اللّبنانية». ويؤكّد غبريل أن «لا جهات دخيلة قامت بضخّ دولارات في السّوق لخفض سعر صرف الدّولار، وليس بالضّروري أن يكون هناك مؤامرة بل من الممكن وجود بعض المضاربين الّذين يعملون بشكلٍ دائم ٍعلى ضرب سعر صرف اللّيرة، فيخزّنون اللّيرة أو الدّولارات وعندما تتيح الفرصة يقومون بالمضاربة عبر هذه السّيولة في السّوق السّوداء. وهناك قرارات للَجمِ هذه المضاربات من قبل المصرف المركزي».
وعن سيناريوات سعر اللّيرة اللّبنانية مقابل الدولار، يؤكد غبريل أنّ «هذه السّيناريوهات تتعلّق بالثّقة، إذ لا يكفي تكليف الحريري، ولا تشكيل حكومة إختصاصيّين، ولا الإسراع أو التعهد بتطبيق المبادرة الفرنسيّة وبإقرار مشروع إصلاحي إقتصادي مالي ونقدي». ويضيف: «هذا مجرد كلامٌ لا أكثر، فالنّاس فقدت ثقتها، وهذا مثبت. فمؤشر بنك بيبلوس لثقة المستهلك في لبنان سجّل أدنى مستوى له منذ 2013 في آذار 2020، ثمّ في نيسان 2020 سجّل أدنى مستوى منذ تموز 2007، وهكذا حتّى شهر آب الّذي سجّل إنخفاضاً لمستوى قياسي عالٍ جدّاً».
ويتابع غبريل، «التّغيير يحدث مع تطبيق الإصلاحات أي مع استعادة الثّقة من قبل النّاس والقطاع الخاص والمغترب لإعادة إدخال الأموال إلى لبنان»، ويرى أنّه «على الحكومة الجديدة العودة إلى طاولة الحوار مع صندوق النّقد الدّولي مع ضرورة بدء تطبيق الإصلاحات قبل الحصول على خطة من الصندوق وتطلُّع السّلطات اللّبنانيّة لتوحيد أسعار الصّرف إذ لا يمكن للإقتصاد أن ينهض بتعدّدها».
ويشدّد غبريل أنّه «من غير الصّحيح القول أنّ الدولة اللّبنانية مفلسة وليس لديها أصول، وأنّ مصرف لبنان قد أفلس»، ويكرر اقتراحه أن «يستخدم مصرف لبنان إحتياطي الذّهب الذي يبلغ 17,500,000,000 دولار في أزمته حالياً والّتي تعتبر أسوأ أزمةٍ يمرّ بها منذ استقلاله، ومن المعروف أنّ الذّهب يُستخدم عند الأزمات. إذ يجب أخذ خطّ إئتماني ب5أو 6 مليون دولار مقابل جزء من هذا الذّهب وليس تسييله، ووضعهم في مصرف لبنان ليضخّهم إلى الأسواق، فيسهّل عمل الشّركات والمؤسسات أولاً، وثانياً يتم صرف الإنتباه عن الدّولار في السّوق السّوداء فيلجم خطرها، بالإضافة إلى ضرورة لجم التّهريب عبر الحدود لتفادي الشحّ في الدولار أيضاً. أمّا ثالثاً، فيساعد هذا الإقتراح المصرف المركزي على الإستمراربالدّعم على السّلع أيضاً».
ويشير إلى أنّ «تطبيق هذاالإقتراح يتطلبّ جهود الحكومة إلى جانب جهد المصرف المركزي، وأن يكون العمل به متوازياً مع الإصلاحات من قبل الطّبقة السّياسيّة. إذ بدون الإصلاحات لا يمكن الوصول إلى حلولٍ ملموسة وجذريّة».
نقابة الصرافين: نكتفي بالتفرج!
أمّا عن موقف نقابة الصرّافين إزاء الوضع المتدهور، يرى نائب نقيب الصّرافين محمود حلاوي في حديثه لـ«اللِّواء» أنّهم «كصرّافين رسميّين غير ناشطين في السوق النقديّة اليوم، فالصرّاف محكومٌ بسعر ال3900 ل.ل، وإزاء هذا السّعر غير المنطقي نسبةً لسعر الدّولار في السّوق السّوداء، الصرّاف الشّرعي غير قادر على شراء الدّولار أو بيعه».ويعتبر أنّ «سعر الدّولار المتبدّل ليس سعراً وهميّاً بل حقيقياً إذ يلقى البيع والشّراء، ولكن المصطنع والوهمي هو حركته، أي عمليّة إنخفاضه وإرتفاعه».
ويتابع، «لا نعرف من هم المتحكّمون بهذا الأمر، حتّى القوى الأمنية لم تستطع تحديدهم. هؤلاء يقومون بتفعيل تطبيقاتٍ هاتفية ليتحكّموا بالمواطن وبسعر الصّرف. وعند انتشار أجواء تحفيزية في البلد، كتكليف الرئيس الحريري مثلاً يقوم هؤلاء بخفض السّعر على التّطبيقات، فتبدأ النّاس بالتّهافت على البيع أو الشراء، ثمّ بعد حين يرفعونه كما فعلوا أمس تماماً، رفعوا السعر الذي كان صباحاً6200 ل.ل ليصبح بعد الظهر 7000 ل.ل. وهذا يؤكّد أنّ هناك تلاعب من قبل جهات مجهولة صمّمت تطبيقات للتحكّم بالسّعر والمواطن بشكلٍ إحترافي ومدروس».
المواطن رهينة مقامرة إلكترونية!
وكأنّ المواطن لا يكفيه ما فيه، من صعوباتٍ فُرِضَت عليه وصولاً إلى لقمة عيشه بسبب سنوات، لا بل عقودٍ من نهبه وسرقته؛ لتأتي الآن، وفي عزّ أزماته،مافيات مجهولة – معلومة لتتلاعب بعملته ومعيشته.
ينام اللبناني ويستيقظ على ألاعيب مافيات مجرمة تتلاعب به بكبسة زرّ ٍعلى تّطبيق إلكتروني يحدّدَ سعر عملته الوطنيّة بدل مؤسسات الدولة! السّؤال، كان وسيبقى، لماذا على المواطن اللّبناني أن يكون دائماً وأبداً «كبش محرقة» في حسابات هذا وذاك؟