الأحد, نوفمبر 24
Banner

مخاوف عالمية من انتهاء صلاحية ملايين الجرعات

بينما لا تزال الجهود الدولية تتسارع على جبهات عدة لحل مشكلة العجز الهائل في اللقاحات الموزعة على البلدان النامية، بدأت تطلّ في الأفق بوادر أزمة جديدة مع اقتراب ملايين الجرعات اللقاحية من نهاية فترة صلاحيتها قبل استخدامها في عدد من البلدان الغنية والنامية، كما أفادت أمس مصادر منظمة الصحة العالمية.

وكانت الحكومة الكندية حضّت السلطات الإقليمية على «منع إتلاف مئات آلاف الجرعات» من لقاح أسترازينيكا التي تنتهي صلاحيتها في الأيام المقبلة. وقالت وزيرة الصحة الكندية باتي هاجو إن إحجام عدد كبير من المواطنين عن تناول هذا اللقاح، والتوقف عن توزيعه خلال شهر مارس (آذار) الفائت بعد ظهور بعض حالات التخثّر الدموي لمن تناولوا الجرعة الأولى منه، تسبب في تراكم كميّات كبيرة من الجرعات أصبحت على وشك انتهاء صلاحيتها.

وفي أفريقيا التي تسجّل أدنى معدلات التغطية اللقاحية في العالم، أفاد برنامج «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة بأن مالاوي اضطرت لإتلاف عشرين ألف جرعة وجنوب السودان ستين ألف جرعة من اللقاحات التي انتهت مدة صلاحيتها منتصف الشهر الماضي قبل أن تتمكّن الأجهزة الصحية من توزيعها على السكان. وهي جرعات من لقاح أسترازينيكا أنتجتها شركة «سيروم» الهندية، وسبق أن تبرّعت بها جنوب أفريقيا إلى هذين البلدين لاعتبارها غير فعّالة ضد الطفرة الفيروسية التي ظهرت هناك. وتقول ماريا آنجيلا سيماو المشرفة على برنامج الأدوية واللقاحات في منظمة الصحة العالمية إن الدول الغنية لجأت في المراحل الأولى إلى شراء كميات من اللقاحات تزيد بكثير على حاجتها، على أن تتبرّع لاحقاً بالفائض من الجرعات إلى الدول النامية، لكن هذه الخطة تواجه الآن مشكلات لوجيستية وتعترضها مخاطر كبيرة.

وتجدر الإشارة أن كندا هي البلد الذي اشترى أكبر كمية من اللقاحات مقارنة بعدد السكان: 400 مليون جرعة لأقل من 37 مليون نسمة. لكن إقبال المواطنين بنسبة عالية على اللقاحات المعتبرة أكثر فاعلية، مثل فايزر ومودرنا، أدى إلى «كساد» كميات كبيرة من لقاح أسترازينيكا الذي دلّ استطلاع مؤخراً أن 80 في المائة من السكان يفضلّون عدم تناوله.

وكانت هونغ كونغ أيضاً قد اشترت كميات من اللقاحات تكفي لتلقيح مواطنيها أربع مرات، لكنها تواجه الآن معضلة توزيع ملايين الجرعات من لقاحي فايزر ومودرنا قبل انتهاء صلاحيتها منتصف أغسطس (آب) المقبل. ولتشجيع السكان على تناول اللقاح قرّرت السلطات المحليّة تنظيم يانصيب للفوز بشقّة فاخرة يقدّر ثمنها بمليون دولار بين الذين يتلقّون اللقاح خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

ويقول ديميتري إينيكيل المسؤول عن المكتب الأوروبي لمنظمة «أطباء بلا حدود» إن استئثار الدول الغنية بكميات كبيرة من اللقاحات وضع البلدان الفقيرة في عجز كبير ومن غير هامش لتخطيط حملات التلقيح وتجهيز منظوماتها الصحية الضعيفة لاستقبال الجرعات من غير جدول زمني واضح. ويضيف «ما زال إنجاز حملات التلقيح بنجاح في أفريقيا ممكناً. هذا ما نقوم به منذ سنوات، وهو يحتاج إلى تنسيق مسبق وتأهيل الطواقم الصحية، ولا يكفي التبرّع بالجرعات بين ليلة وضحاها». وينبّه ماثيو هيردير مدير معهد الحق في الصحة من جامعة كيبيك الكندية «أن الدول الغنية أخفقت في توزيع اللقاحات بشكل عادل رغم معرفتها بأن الجائحة تشكّل خطراً وتهديداً شاملاً للصحة العالمية»، وانتقد بشدّة النزعة القومية المفرطة التي تمّيز بها سلوك هذه الدول، ودعا إلى استدراك الوضع بسرعة لأنه السبيل الوحيد للسيطرة بشكل نهائي على الوباء.

وتجدر الإشارة أن برنامج «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة وتشارك فيه أكثر من 200 دولة ومؤسسة، من المفترض أن يوزّع ملياري جرعة على 92 من الدول النامية والفقيرة عن طريق الشراء والهبات العامة والخاصة، لكنه ما زال يواجه عجزاً كبيراً في ميزانيته وكميات اللقاح المتوافرة لديه، وهو ما زال بعيداً عن تحقيق هدفه الأول بتلقيح 20 في المائة من سكان أفقر البلدان التي لم تتجاوز التغطية اللقاحية في معظمها 0.1 في المائة من مجموع السكان، فيما لم يوزّع بعضها جرعة واحدة حتى الآن.

ومن المقرر أن يناقش المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية في الثامن من الشهر المقبل الاقتراح الذي تقدمت به الهند وجنوب أفريقيا، وتؤيده أكثر من 60 دولة، لتعليق مفاعيل براءات اختراع اللقاحات والمستلزمات الصحية لمواجهة الجائحة، بهدف زيادة الإنتاج العالمي وتسريع حملات التلقيح في البلدان النامية.

ويخشى الخبراء أن يؤدي تفاقم الوضع الراهن إلى موجة غير منظمة من التبرعات باللقاحات من البلدان الغنية إلى الدول الفقيرة، قد تحمل مخاطر صحية من شأنها أن تشكّل ضربة قاسية بالنسبة للبرنامج من أساسه. وينبّهون أن التبرّع باللقاحات وتوزيعها على البلدان الفقيرة يشكّل تحدياً لوجيستياً ضخماً وتترتّب عنه تكاليف مالية باهظة.

ويقول المسؤولون عن برنامج اللقاحات في المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي حجز نسبة من مشترياته تصل إلى 100 مليون جرعة لتوزيعها على البلدان النامية، ووضع الآلية اللازمة لإيصالها إلى هذه البلدان والمساعدة على استخدامها. كما أن فرنسا تبرعت بمائة ألف جرعة إلى موريتانيا الشهر الماضي، فيما وزّعت النمسا 650 ألف جرعة على دول البلقان، وتعهدت إسبانيا بمنح 7.5 مليون جرعة إلى بلدان أميركا اللاتينية قبل نهاية هذا العام. لكن حسب تقديرات منظمة الصحة، فإن 85 دولة فقيرة لن تحصل على الجرعات التي تحتاجها قبل عام 2023 إذا لم يطرأ تغيير جذري وسريع على الوضع الراهن.

Leave A Reply