يسير دونالد ترامب وجو بايدن كتفاً بكتف في ستّ ولايات رئيسة، هي: فلوريدا، بنسلفانيا، ميشيغان، كارولاينا الشمالية، ويسكونسن وأريزونا، يَحسم الفوز بها ــــ أو في بعضها ــــ نتيجة السباق لمصلحة أحدهما. هذه الولايات التي أهدت ترامب، قبل أربع سنوات، أصوات الهيئة الناخبة للفوز بالرئاسة، لا تزال متردّدة، هذا العام، إزاء تفضيل مرشّح على آخر، في ظلّ غياب برامج انتخابية واضحة عن حملتَي المرشّحَين الجمهوري والديموقراطي والاستعاضة عنها بشعارات من قبيل «القضاء على كورونا» تحت قيادة بايدن، أو الفورة الاقتصادية في ظلال ترامب.
على امتداد قرنٍ مضى، لم يَفز مرشّحٌ جمهوري بالرئاسة إلّا كانت فلوريدا دافعاً رئيساً خلف هذا النصر. تُعدُّ هذه الولاية كبرى الولايات المتأرجحة التي لا يمكن التنبّؤ بأهواء ناخبيها، فضلاً عن كونها تمثّل ركيزة منطقة «حزام الشمس» الممتدّة في الجنوب وجنوب الغرب الأميركي، حيث الكثافة السكانية والزراعة والصناعات العسكرية، وكذلك الأعداد الكبيرة من المتقاعدين الذين يشكّلون ثقلاً حقيقياً لجهة ميل الكفّة بين مرشّح وآخر. بالنظر إلى ما تمثّل من أهمية، ستكون الأضواء مسلّطة على فلوريدا ليلة الثلاثاء المقبل. فعددُ ناخبيها البالغ 14 مليوناً، وحصّتها الوازنة في الهيئة الناخبة بـ 29 صوتاً، يُعتبران حاسمَين لجهة الحصول على غالبية 270 صوتاً ضرورياً في الهيئة للوصول إلى البيت الأبيض. ولأن قوانين الولاية تسمح بالعدّ المبكر لأصوات الاقتراع الغيابي، والبالغة نحو ستة ملايين هذا العام مقارنةً بـ 2.7 مليون في عام 2016، يُتوقَّع أن يُكتمل الفرز سريعاً مع بدء المقاطعات في إصدار النتائج الأوليّة في الساعات الأولى من مساء يوم الاقتراع، ما يعني احتمال جلاء النتيجة بحلول فجر يوم الأربعاء المقبل. تشير مؤسسات الاستطلاع الرئيسة إلى أن فوز المرشّح الديموقراطي، جو بايدن، بهذه الولاية، سيختتم مسيرة الرئيس دونالد ترامب، الذي يحتاج إلى جانب فلوريدا إلى كلّ من أريزونا وكارولاينا الشمالية في «حزام الصدأ»، وواحدة من الولايات الكبرى، أي بنسلفانيا أو ميشيغان أو ويسكونسن.
عشية الانتخابات، تحتدم المعركة بين ترامب وبايدن في ظلّ سعيهما إلى كسب أصوات الناخبين المتردّدين في حفنةٍ من الولايات المتأرجحة التي تؤدي دوراً حاسماً في النتيجة النهائيّة. تُبيّن استطلاعات الرأي أن المرشّح الديموقراطي المتقدّم بفارق كبير على مستوى البلاد، يسير كتفاً بكتفِ ترامب في هذه الولايات. فهو، بحسب استطلاع لـ»رويترز/ إبسوس»، يغطّى الفترة بين 14 و21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يتعادل مع الرئيس الأميركي في ولاية فلوريدا (49% مقابل 47%)، بعدما كان ــــ سابقاً ــــ يتفوّق عليه (50% مقابل 46%)، وإن كان هذا الفارق يقع على حافة هامش خطأ الاستطلاع. ينسحب هذا أيضاً على أريزونا، حيث حصل بايدن على 48% من الأصوات المحتملة، في مقابل 46% لترامب. وفي حال فوز الأوّل بهذه الولاية البالغة حصّتها 11 صوتاً في الهيئة الناخبة، سيصبح أوّل مرشّح ديموقراطي في انتخابات الرئاسة يفوز بها منذ بيل كلينتون في عام 1996. عددٌ أكبر من الناخبين رأى أن بايدن في وضع أفضل للتصدّي لوباء «كورونا» بواقع 48% إلى 42%، بينما حصل ترامب على تأييد 52% في الاقتصاد مقابل 41% للمرشّح الديموقراطي.
تشير مؤسسات الاستطلاع إلى أن فوز بايدن بولاية فلوريدا سيختتم مسيرة ترامب
تحت هذين العنوانين، عقد المرشّحان تجمّعين انتخابيين في فلوريدا، أول من أمس. تباهى الرئيس الأميركي أمام مؤيّديه في تامبا بمعدّلات النمو القياسية التي تمّ تسجيلها في الربع الثالث من العام الجاري، والتي رأى فيها مؤشراً إلى أن اقتصاد بلاده الذي تضرّر جرّاء الأزمة الوبائية يتعافى، محذراً الأميركيين من أن تدابير الإغلاق التي ستُفرض في عهد بايدن لمكافحة الفيروس ستقضي على الحياة الطبيعية. وعلى رغم حماسة ترامب، يحذّر خبراء الاقتصاد من أن الانتعاش (33.1%) في الفترة مِن تموز/ يوليو حتى أيلول/ سبتمبر، بعد الانخفاض بنسبة 31.4% في الربع الثاني، جاء مدفوعاً بإنفاق المستهلكين المدعوم بمساعدات حكومية ضخمة بلغت 3 تريليونات دولار، وانقضت مهلة معظمها منذ ذلك الحين. ومن مقاطعة بروارد، ذكّر بايدن أنصاره بأهمية فلوريدا في حسم نتيجة الانتخابات، مؤكداً أنه لن يغلق البلاد، لكنّه سيضع «حدّاً للفيروس». ويتقدم نائب الرئيس السابق في أوساط الناخبين السود بشكل كبير (84-14) والنساء (57-41) والمستقلّين (55-41)، كما أنه يعدّ مفضّلاً بين كبار السن (53-47) والذين يشكّلون نسبة كبيرة من الناخبين في الولاية، ويتصدّر حالياً النتيجة في أوساط الناخبين الذين تبلغ أعمارهم فوق 65 عاماً (هذه الفئة إلى جانب المستقلّين دعمت ترامب في 2016). ويتساوى المرشّحان بين الناخبين المتحدّرين من أصول لاتينية (بحسب معهد «بيو» للأبحاث، يحقّ لـ 32 مليون أميركي لاتيني التصويت هذا العام). وتظهر استطلاعات الرأي أن لهؤلاء الكلمة الفصل في بعض الولايات المتأرجحة، سواء في نيفادا أو أريزونا، أو في ولايات أخرى مثل ميشيغان وكارولاينا الشمالية. وأمام تجمّع لمئات من مناصريه في ميشيغان الثلاثاء، خيّر ترامب الأميركيين بين «مشروعنا لقتل الفيروس، ومشروع بايدن لقتل الحلم الأميركي»، لأن هذه الانتخابات هي «خيار بين انتعاش خارق بقيادة ترامب، أو كساد بقيادة بايدن».
مثل فلوريدا، تُعدُّ كارولاينا الشمالية ولاية أخرى متأرجحة، إذ تبلغ حصّتها 15 صوتاً في الهيئة الناخبة التي تضمّ 538 عضواً. وبحسب آخر استطلاعات الرأي التي تُظهر تقدّم بايدن في ولايتين رئيستين، هما ميشيغان وويسكونسن، فإن فريق الرئيس لا يزال يراهن على يوم الاقتراع، وعلى مَن يسمّيها بـ»الكتلة الصامتة» المؤيدة له، أو «أميركا المنسيَّة»، وقوامها طبقة العمال البيض في المصانع والمزارع وحقل التعدين، والتي يقول إنها ستَخرج للتصويت يوم الثلاثاء. وبيّن استطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «آي بي سي» الإخبارية تفوُّق بايدن في ولايات رئيسة في الوسط الغربي، إذ يتقدّم بفارق ضئيل (5 نقاط) على ترامب في ميشيغان، ولكن بفارق أكبر يبلغ 17 نقطة في ويسكونسن. وتعتبر الولايتان، إلى بنسلفانيا (20 صوتاً في الهيئة الناخبة)، بالغتَي الأهمية، وخصوصاً هذه الأخيرة التي منحت ترامب، في عام 2016، أصوات هيئتها، على رغم فوزه بفارق 44 ألف صوت من مجموع 6.1 ملايين ناخب.
حربٌ على نيويورك
تحوّلت العلاقة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومدينته نيويورك، إلى حربٍ مفتوحة، اشتّدت حدّتها على وقع هجمات متبادلة بينه وبين سلطتها الديموقراطية، في ظلّ انتشار وباء «كورونا». ومع اقتراب يوم الثلاثاء، كثّف الرئيس هجماته على المدينة التي تُعدُّ معقلاً ديموقراطياً، واصفاً إيّاها، في مناظرته الأخيرة مع المرشّح الديموقراطي جو بايدن، بأنها «مدينة أشباح» بعدما رحل منها آلاف المقيمين الميسورين، وباتت أحياء المكاتب فيها مهجورة في ظلّ تفشّي «كورونا». دفع ذلك رئيس بلدية المدينة، بيل دي بلازيو، إلى الردّ، معتبراً أن «مدينة الأشباح الوحيدة ستكون مارالاغو (مقر إقامة ترامب في ولاية فلوريدا) حيث ستمكث في تقاعد قسريّ بعد الانتخابات».
وعلى رغم وجود بعض «الجيوب» المؤيدة لترامب في نيويورك، وفي طليعتها جزيرة ستاتن آيلاند وعدد من أحياء كوينز وبروكلين، يُتوقّع أن يتلقّى الرئيس هزيمة نكراء على غرار ما حصل عام 2016، حين صوّت 79% من الناخبين النيويوركيين لمنافسته هيلاري كلينتون. ومنذ دخوله البيت الأبيض، عمد ترامب إلى تشديد سياسة الهجرة، فردّت نيويورك، على غرار مدن ديموقراطية كبرى أخرى، بإعلان نفسها «ملاذاً»، رافضةً التعاون مع سياسة الهجرة التي تُطبّقها دائرة الهجرة والجمارك الأميركية، ما دفع الإدارة إلى سحب بعض المساعدات الفدرالية من المدينة. وتصاعد التوتر أكثر مع انتشار الوباء الذي ضرب نيويورك بشدّة، ما حمل سلطاتها على فرض حجر صارم على المدينة، التي لا تزال، حتى الآن، تخضع لقيود، ما يثير استياء الرئيس الداعي إلى إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية. ويدعو رئيس بلدية المدينة وحاكم الولاية الديموقراطي، منذ أشهر، الرئيس والجمهوريين إلى دعم مالية المدينة للتعويض عن العجز في العائدات الضريبية الناتج من الوباء، من دون أن تستجيب الإدارة، ما قد يرغم السلطات على الحدّ من الخدمات العامة.
(الأخبار، أ ف ب)