وليد حسين – المدن
يمعن وزير التربية طارق المجذوب في تجاهل كل الوقائع، التي تثبت عدم قدرة الوزارة على إجراء الامتحانات الرسمية، وعدم جدوى إجرائها للشهادة المتوسطة (البريفيه). وفي رد غير مباشر على تقرير “المدن”، عن عدم وجود أموال تكفي لطباعة الامتحانات، أكّد الوزير في حديث لقناة “الجديد” أن “امتحانات الشهادة الرسمية قائمة وفي موعدها. وكل المستلزمات مؤمنة”.
وعاد وترأس اجتماعاً إدارياً تربوياً موسعاً، في مكتبه، خصصه لعرض آخر الاستعدادات للامتحانات الرسمية، شدد فيه على “أهمية العمل بالتناغم بين فريق العمل”، مؤكداً أن “الامتحانات الرسمية في مرحلتيها المتوسطة والثانوية العامة هي استحقاق وطني”. وأطلع المجتمعين على “توفير القرطاسية وعلى الجهوزية اللوجستية الكاملة، واختيار المراكز وعددها نحو 700 مركز، لامتحانات الشهادة المتوسطة، موزعة على المناطق كافة، وضمن المدارس الرسمية والخاصة”. وعرض الأمور “اللوجستية المتعلقة بالإنترنت والتواصل مع أوجيرو”، ووضع “اللمسات الأخيرة على كل التحضيرات، لتكون الامتحانات ضمن الظروف المريحة التي تضمن اطمئنان المرشحين واللجان الفاحصة والمراقبين والهيئات التعليمية والإدارية والمدارس والأهالي”.
حال إنكار
مصادر “المدن” تؤكد أن لا قدرة مالية للوزارة على إجراء الامتحانات. وهناك أطراف عدة نصحت الوزير بالإقلاع عن فكرة إجراء الامتحانات للشهادة المتوسطة، والتركيز على الشهادة الثانوية. والأهم من ذلك كله، ثمة نصائح بالإقلاع عن كل الامتحانات، والتركيز على كيفية انطلاق العام الدراسي المقبل. فالوضع الكارثي الحالي يضع التعليم الرسمي بخطر كبير. لكن الوزير يصر على إجراء الامتحانات، لأن المسألة بالنسبة له تحدٍ شخصي ليس أكثر. الإصرار مجرد تشبث بالرأي، وليس لدواعٍ تربوية، كما تقول المصادر.
يعيش الوزير وفريقه حال إنكار كبير للكارثة التربوية التي يمر بها لبنان. لا يريد الاعتراف بالفشل الذريع لكل الخطط التربوية وضياع العام الدراسي الحالي. لا يعترف أن أقل من 35 بالمئة من الطلاب جاهزون للامتحانات. لكنه لا يستطيع إنكار طلب وزارته من الجيش اللبناني طباعة الامتحانات في مطابع الجيش، لأن لا قدرة مالية للوزارة على طباعتها، وأن رد الجيش كان أنه يستطيع طباعتها.. لكن ليس مجاناً. فكلفة الطباعة باهظة ولا يستطيع الجيش تحملها. الجيش أبدى استعداده للمساعدة، لكن على الوزارة تحمل ثمن الكلفة. فلماذا تطلب الوزارة هكذا طلب طالما أموال الامتحانات مؤمنة؟
نتائج معلّبة
قد يتمكن الوزير من تأمين الأموال في نهاية المطاف، ويجد شركة ما تستلم مناقصة القرطاسية، رغم الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار. لكن، طالما أن امتحانات الشهادة الثانوية مشكوك بمستواها التربوي، بسبب اقتصارها على ربع المناهج، ما الفائدة التربوية من الشهادة المتوسطة وسط كل الانهيار الحالي؟ ما الفائدة من هذه الشهادة التي ستكون نتائجها معلبة، لأن المدارس ستساعد طلابها وتكتب عنهم الأجوبة، كي تحقق نتائج “باهرة”، وتتنافس مع باقي المدارس، كما جرت العادة، في تخريج طلاب “أكفاء”؟
ما الفائدة العلمية من هذه الشهادة، التي تطمئن مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية، هيلدا خوري، أن امتحاناتها ستكون مدروسة وتأخذ بالاعتبار “الوضع النفسي للتلامذة”؟
لقد قلصت وزارة التربية المقررات والمناهج إلى النصف، ثم تبين أن هناك صعوبة بإنهائها، فعادت الوزارة وقلصتها إلى الربع. وحتى لو، كما تزعم الوزارة، تعلّم الطلاب هذا الربع، هل من دواعٍ تربوية لإجراء امتحانات رسمية بربع المناهج؟ تسأل المصادر، مجيبة: الوزير يعلم أن الغالبية العظمى من الطلاب لم يتعلموا طوال هذا العام. وهذا لا يقتصر على طلاب المدراس الرسمية، بل يشمل أكثر من خمسين بالمئة من المدارس الخاصة.
..إلا الوزارة!
كل الجهات المكونة للعائلة التربوية تقر بفشل العام الدراسي وتحذر من مغبة العام المقبل، طالما لا بوادر لحلول للانهيار المالي والاقتصادي في الأفق، إلا وزير التربية وفريقه.
أهالي وطلاب وأساتذة ونظار ومدراء يعترفون بفشل هذا العام. والأساتذة، وهم الأكثر التصاقاً بالطلاب، تعرفوا على بعض الطلاب فقط الشهر الفائت. فلم يتسن للعديد من الطلاب الحضور إلى الصفوف طوال العام الدراسي، بسبب تقسيمهم إلى فئات حضورية وعن بعد، وبسبب إقفال المناطق وتصنيفاتها الحمراء والصفراء والخضراء، عند بدء تفشي كورونا في الخريف المنصرم، أي بعيد بدء العام الدراسي. ما أدى إلى أقفال المدارس لأكثر من ثلاثة أشهر.
الكثير من الأهالي يصرخون حالياً، لعدم قدرتهم على تحمل أعباء تأمين أساتذة دروس خاصة لأولادهم، لشرح ما فاتهم من الدروس. فهم يرون معاناة أبنائهم اليومية والرعب المتربص بهم من فكرة الامتحانات. لكن لا أحد يعيرهم أي اهتمام. بل هناك إصرار على امتحانات حتى لو كانت شكلية.
وقبل الحديث عن ضرورة إجراء الامتحانات، هل للأساتذة والطلاب قدرة في الوصول إلى مراكز الامتحانات وسط طوابير الذل اليومية على محطات الوقود؟ هل سيجد الوزير البنزين لسيارته للتجوال على مراكز الامتحانات للاحتفال بالنصر الإعلامي؟
الحلول المقترحة لأزمة المحروقات تقتصر على نحو عشرين يوماً، سيستمر خلالها الوقوف بطوابير الذل، وتعود وتنفجر مع بدء موسم الامتحانات في شهر تموز. ولن يجد الطلاب أي حل أمامهم سوى المبيت في المدارس، أسوة بالعديد من اللبنانيين الذين يبيتون حالياً في سياراتهم قرب المحطات.