السبت, نوفمبر 23
Banner

المصارف تساند “ثورة” العمالي العام: نغضب ونُقفل متى نشاء

خضر حسان – المدن

قرَّرَ الاتحاد العمالي العام النزول إلى الشارع وإعلان الإضراب العام. انتظَرَ إفراغ الشارع الذي انفجر في 17 تشرين الأول 2019، حتى يخوض غمار “نضاله” بهدوء لا يُزعِج النظام، الذي روَّضَ الاتحاد بعد أن وجَدَه “ضالًا” حتى بداية التسعينيات، متجهًا نحو تأليب الرأي العام ضد السياسات التي ندفع ثمنها اليوم.

سرد طويل لمسار ترويض الاتحاد، لا مكان له الآن في حضرة الثورة التي أعلنها الاتحاد، مدعومًا بكامل عتاد السلطة، نقابيًا وقطاعيًا. وعلى رأس العتاد، جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية.

تناقضات مضحكة

توالت الدعوات لإضراب يوم الخميس 17 حزيران، وكأن الاتحاد يُحَضِّر لانقلاب نوعي، وهو ما تحتاجه البلاد بعد انهيار ما عاد يجديه “الترقيع”. حشدت نقابات السلطة شعاراتها، من خطاب الوفاء والشرف إلى استعادة الصورة الرأسمالية التي مثّلتها نشأة سوليدير وما رافقها من إطلاق ليد الهيئات الاقتصادية، التي تمثّل أصحاب الوكالات الحصرية والمتحكّمين بكل ما يُستَورَد على حساب الانتاج المحلّي، الذي تولّى الهَمّ المشترك بين جماعات التجار والسياسة، تدميره.

ثَمَّنَ رئيس الاتحاد، بشارة الأسمر، تهافت المؤيّدين. معلنًا شكره “لكل حزب أعلن دعمه للاتحاد العمالي”. وأشار الأسمر إلى أن حلَّ الأزمة يحتاج “لعقد اجتماعي جديد قائم على التنازلات المشتركة”. متناسيًا أنّ من يشكرهم على المشاركة، هُم المطالَبون بالتنازلات، وهُم أصل الأزمة. أي أن الأسمر يجمع التناقضات بصورة مضحكة، فالعقد الاجتماعي الجديد لا يكون بنسقٍ سياسي واقتصادي قديم عماده المنظومة الحالية. فيما التنازلات وترطيب الأجواء بين قوى السلطة، تعني الإبقاء على العقد الاجتماعي الحالي، مع بعض التشذيب اللازم لتجميل الصورة.

استفزاز المصارف

مستفزّة هي نصرة المصارف للتحركات الشعبية ضد ما آلت إليه أوضاع البلاد. هذا في العنوان العام، الذي سرعان ما يوضَع جانبًا حين يُماط اللثام عن السبب الحقيقي لتحرّك الاتحاد العمالي، وهو سبب سياسي، لا اجتماعي أو اقتصادي أو نقدي. فالقوى السياسية تتناحر على درب تشكيل حكومة عقيمة. وتعقّد مسار التشكيل، دَفَع بعض الأقطاب لاستعمال الشارع للضغط على الشركاء-الخصوم.

على أنَّ المصارف في دعوتها للمشاركة في الإضراب، وإعلانها إقفال أبوابها، تعيدنا بالذاكرة إلى إقفال أبوابها بالتوازي مع انطلاق التحركات الشعبية الحقيقية، حين رأت فيها المصارف تهديدًا لها، من دون أن تعترف بالسبب الحقيقي للتهديد، وهو احتجازها أموال المودعين وتحويلها أموال أركان السلطة إلى الخارج. وهو تهديد غير موجود في تظاهرة الاتحاد العمالي العام، إذ لا يطالب الاتحاد بإعادة أموال المودعين وكشف جداول حركة التحويلات.

وبالتالي، فإن المصارف تعلن بصورة أو بأخرى، أنها تفتح أبوابها وتقفلها متى تشاء، وتغضَب متى أمَّنَت لها التحركات سلامًا. والسلام عبارة عن تحييد المصارف من دائرة المسؤولية عمّا يحصل. والاتحاد أمَّنَ شروط غضب المصارف على سلطة تحاول أحيانًا إحراج شريكها النقدي لتخفيف الضغط الشعبي عن كاهلها، لعدم تحمّل كامل المسؤولية.

وتجدر الإشارة إلى أن مشاركة المصارف بالإضراب، يحمل رسالة للشركاء في السلطة، مفادها ضرورة التخفيف من حدة الضغط على المصارف، وخاصة عبر قرارات المصرف المركزي التي تقلق راحة القطاع المصرفي، لأنها تحرجه وتحاول تحميله المسؤولية وجزءًا أساسيًا من الحل. لذلك تردّ المصارف على المركزي والسلطة السياسية بالتمرّد على القرارات حينًا وباستغلال التحركات الشعبية حينًا آخر، لإيهام الرأي العام أن القطاع المصرفي والناس ضحايا متساوون تحت وطأة ظلم المنظومة السياسية.

التغيير بمعطيات ثابتة

يعاند الأسمر العِلم وآينشتاين الذي يقول أنه من غير الممكن استعمال الأدوات والطريقة نفسها، وانتظار نتائج مختلفة. فالأسمر يدعو “كل من لا يعترف بالسلطة”، لخوض الانتخابات والتغيير عبرها. أما إقفال البلد وطرقاته، فهي طريقة غير مجدية. والاتحاد على عكس “الثورة الطويلة العريضة” التي أقفلت البلد “بألف وسيلة”، ولم تنجح. والاتحاد “يكفيه فخرًا أنه لم يقطع طريق ولم يكسر أي مؤسسة عامة أو خاصة”. وتساءَل الأسمر عن سبب عدم انتفاض الشعب لانتاج نقابات مختلفة.

هي معطيات ثابتة ما زال يدور الأسمر في فلكها. فالتغيير عبر الانتخابات يعني الانخراط بها على أساس قانون انتخابي مفصّل على قياس السلطة. أما انتاج نقابات مختلفة، فحاله كحال نتائج الانتخابات المختلفة. ولعلّ الأسمر يجب أن يكون أكثر خبرة بالشأن النقابي، ويكفيه التمعّن بهوية النقابات المنضوية تحت لواء الاتحاد الذي يرأسه. وأبعد من ذلك، يجب عدم نسيان كيفية الإتيان برئيس للاتحاد، فهي الطريقة الأكثر تعبيرًا عن سرقة السلطة للعمل النقابي ومحاربتها أي محاولة للتغيير. والاتحاد العمالي العام كان ساحة كبيرة شهدت إعدام السلطة للحركة النقابية.

باستثناء تغيير رتابة المشهد ظاهريًا، لا يمتلك الاتحاد تصورًا مغايرًا لما تقدّمه السلطة، سواء لناحية تشخيصها للأزمة أو لطرق الخروج منها، بل ربما لا يريد الخروج منها وإنما التخفيف من وطأتها. فتصحيح المسار العام ينعكس على الاتحاد نفسه، إذ يعيده إلى حيويته بعد تحريره وفكفكة طلاسم الاتحادات الوهمية داخله.

انحسر الاضراب العام. ذهب “المناضلون” ليرتاحوا، وكذلك بعض الصبية الذين نفّذوا مسرحية إقفال الطرقات وفتحها بتوقيت متقارب، يخدم تضخيم صورة التحرّك. ولم يخبرنا المناضلون إذا ما نجحت آلية تحرّكهم، أم أنّهم سيغيّرون الخطة أم سيلتزمون بالانتخابات كما دعا الأسمر، الذي لم يلتزم بما دعا إليه، وفضّلَ التحرك في الشارع عوض انتظار الانتخابات.

Leave A Reply