شادي خوندي – المدن
في ظل انحسار موجة كورونا في لبنان وانخفاض أعداد الإصابات ونسبة الفحوص الموجبة، حان الوقت لأجراء تقييم أداء النظام الصحي ولجان كورونا، لا سيّما أن لبنان يحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط بنسبة الوفيات، والمرتبة الثانية عربياً بنسبة الإصابات، متجاوزا الهند وإيران وتركيا في مؤشر الإصابات ومؤشر الوفيات.
قرار فتح البلد
كان قرار لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا – من أبرز أعضائها مستشارة رئيس الحكومة بترا خوري – رفع حظر التجول وفتح القطاعات كافة خلال فترة الأعياد نهاية عام 2020 كارثياً. ففي حين كانت معظم دول أوروبا ولا سيّما فرنسا تفرض قيوداً وحظراً للتجوال بدءاً من الثامنة مساء، قررت “اللجنة” فتح البلد رغم المخاطر.
صحيح أن قرار فتح البلد حقّق خلال فترة الأعياد مردودًا اقتصاديًا محدودًا، لكن كلفته كانت باهظة للغاية على مستوى الإصابات والوفيات من ناحية، وعلى المستوى الاقتصادي من ناحية أخرى، لأن الوضع الصحي عاد وفرض إقفالا امتد إلى أكثر من شهرين، وفاقت كلفة الفتح منافعه كثيراً.
الشرق الأوسط وأسيا
عوامل عدةّ ساهمت في تسجيل لبنان أعلى نسبة وفيات في الشرق الأوسط، منها انخفاض عدد الفحوص وعدم جهوزية القطاع الاستشفائي. لكن يبقى العامل الأساسي والمباشر هو قرار لجنة تدابير كورونا في فتح البلد خلال أعياد رأس السنة 2020.
واستنادا إلى أحدث تقرير لوزارة الصحة بلغ العدد التراكمي للوفيات الناتجة عن كورونا 7808. ويحتل لبنان اليوم المرتبة الأولى في الشرق الأوسط بأعلى نسبة وفيات حسب عدد السكان، حيث بلغت النسبة 1150 بالمليون، تليه إيران في المرتبة الثانية بنسبة 974 بالمليون. أما آسيويا، فيحل لبنان المرتبة الثالثة بعد أرمينا وجورجيا.
وعلى مستوى الإصابات، بلغ العدد التراكمي للإصابات 542934 إصابة وضعت لبنان في المرتبة الثانية عربيا، بعد البحرين، والخامسة آسيويا، بنسبة إصابات بلغت 79,940 بالمليون، مع نسبة فحوص 676,753 بالمليون.
المناعة المجتمعية
احتل شعار “المناعة المجتمعية” بازار المنافسة بين ثلاثي وزير الصحة حمد حسن ورئيس لجنة اللقاح عبد الرحمن البزري ورئيس اللجنة التنفيذية للقاح بترا خوري. وأعلن حمد حسن أن المناعة المجتمعية سترتفع في لبنان مع نهاية تموز المقبل، وستصل إلى حوالى خمسة وسبعين في المئة مع تسلم كمية كبيرة من اللقاحات. وبدورها أكدت خوري أن نسبة المناعة من الإصابة 50 بالمئة، معتبرة أننا لا نزال نحتاج إلى 20 بالمئة من التلقيح للوصول إلى رقمٍ مريح لتحقيق المناعة المجتمعية. أما البزري فكسر الأرقام مشيراً إلى أن لبنان بلغ حتى اليوم نسبة 30 في المئة من المناعة المجتمعية، سواء عبر اللقاح أو عبر الإصابة بالفيروس.
على العكس من ذلك، ومنذ بداية جائحة كورونا، واظب مدير مستشفى بيروت الحكومي فراس أبيض على اعتماد مبدأ الشفافية ومصارحة اللبنانيين بالأرقام والدراسات العلمية. وفي أحدث تغريداته أشار إلى أنه “من السابق لأوانه الاحتفال بما وصلنا إليه. فالتطعيم الجزئي يقي من العدوى بشكل جزئي فقط. حتى مع وجود المناعة، فإن الإصابة بالعدوى مجدداً أو الإصابة بعد تلقي اللقاح حقيقة واقعة. مع مستويات المناعة الحالية لدينا”. وحذر من سلالة دلتا الهندية، مشيراً إلى أن “أكثر من 80 في المئة من السكان في بريطانيا لديهم أجسام مضادة ضد كورونا، ومع ذلك، فإنهم يشهدون طفرةً في أعداد المرضى، ولا يزال جزء كبير من السكان عرضة للإصابة”. وأعرب عن مخاوفه من ارتفاع أعداد الإصابات بين المسافرين الوافدين إلى لبنان، سائلاً: “هل هؤلاء الركاب يسافرون بمفردهم؟ من يتابع عائلاتهم أو معارفهم؟ مع من اختلطوا في الفترة الفاصلة بين إجراء الاختبار وإصدار النتيجة (24-48 ساعة على الأقل)؟”
الإصابة لا تحمي
كبار علماء منظمة الصحة العالمية أشاروا إلى أن سلالة دلتا أصبحت السلالة المهيمنة عالميا، ومنتشرة على نطاق واسع. ويتزامن هذا الأمر مع دراسة صدرت عن جامعة أوكسفورد، أجريت مؤخراً على العاملين في مجال الرعاية الصحية، توصلت إلى أن الإصابة السابقة بفيروس كورونا لا تحمي بالضرورة من كوفيد على المدى الطويل، خاصة عندما تسببها متحورات جديدة مثيرة للقلق.
ووجد باحثون في جامعة أكسفورد اختلافات ملحوظة في الاستجابات المناعية للموظفين في القطاع الصحي، الذين تعرضوا للإصابة. وظهر أن مناعة بعضهم أفضل من غيرهم في مكافحة المرض بعد ستة أشهر.
وقال العلماء في الدراسة التي أجريت مع اتحاد علم المناعة لفيروس كورونا في المملكة المتحدة، إن النتائج عززت أهمية تلقيح الجميع بغض النظر عما إذا كانوا قد أصيبوا بالفيروس في وقت سابق من الوباء. ووجد الباحثون أن أكثر من 90 بالمئة ممن أصيبوا بعدوى بدون أعراض لم يكن لديهم استجابة مناعية قابلة للقياس بعد ستة أشهر.
مبالغات حمد حسن
في أحدث تصريحاته، أكد وزير الصحة حمد حسن خلال حديثه عن تفشي كورونا أن “لبنان تمكن من أن يتمايز عن الكثير من الدول رغم ضعف الإمكانات”. لكن هذا الكلام بعيد عن الواقع استناداً إلى مرتبة لبنان في نسبة الوفيات ونسبة الإصابات بين الدول العربية ودول الشرق الأوسط. كما أن تفشي الوباء وارتفاع عدد الإصابات أدى إلى تشكيل مناعة مجتمعية، وهذه تدل على ضعف الإجراءات، ولا تسجل في سجل الانتصارات التي يتباهى بها الوزير. فتحسن الواقع الوبائي حالياً في لبنان أتى بعد دفع تكاليف باهظة بالوفيات والإصابات، وليس بسبب إجراءات وزارة الصحة.
وضعف الإجراءات ينسحب على عدم إقدام وزارة الصحة كما يجب على إقناع اللبنانيين بالإقبال على التلقيح، ويظهر ذلك جلياً في الإقبال على التسجيل على المنصة لأخذ اللقاح. فقد بلغت نسبة التسجيل 25 في المئة فقط من عدد السكان، بينهم 16 بالمئة تلقوا الجرعة الأولى و8.3 بالمئة الجرعتين.
لذا، وعوضاً عن تسجيل انتصارات وهمية، بات لازماً مصارحة الرأي العام بالمعطيات العلمية الواردة سابقاً، كي تشكل حافزا لجميع المترددين في التسجيل لأخذ اللقاح. وطالما أن مبدأ مساءلة المسؤولين ومحاسبتهم غائبة عن قرارات الفتح في أعياد رأس السنة والتي تسببت في عشرات الألاف من الاصابات وآلاف الوفيات، لا مناص من اعتماد مبدأ الشفافية ومصارحة الرأي العام، عوضاً عن التطبيل والتهليل لإنجازات بعيدة عن الواقع.