كتبت غنوة عطية الديار : تفاؤل. في ظلّ غياب تام للأخبار السّارة، هذا ما شعر به المواطن حين إنتشر خبر عن إبتداء خفض أسعار المواد الغذائيّة بسبب تراجع سعر صرف الدولار. لم يمرّ يومين حتّى إرتفع سعر الصرف مجدداً وتدهور بدوره أمل المواطن. ولكن ما هو معيار خفض الأسعار؟ وفي صدد أجواء إيجابيّة لتشكيل الحكومة، والتوقعات بإنخفاض سعر الصرف موازيةً لتشكيلها، هل ستنخفض بذلك الأسعار؟
بعد البيان الصادر عن نقابة مستوردي المواد الغذائيّة، توّقع المواطن أن يشتري سلّته الغذائيّة المعتادة بسعر منخفض عن الآونة الأخيرة. إلاّ أنّ هذا الخبر كان «سوء تفاهم» منذُ البداية. إذ يوضح نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي للدّيار، أن كان واضحاً في البيان أنّ تخفيض الأسعار، للمواد غير المدعومة، يتمّ «بعد إستقرار إنخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء لفترة طويلة وليس ليومين فقط كما حصل. وبالنسبة للمواد الغذائيّة المدعومة من قبل مصرف لبنان، لن يتم خفض أسعارها، بما أنّ سعر صرف الدولار لا يزال يفوق ال3900 ليرة».
وتابع بحصلي: «لا ننكر أن ثمّة بعض الخروقات من قبل بعض المحال ولكن إرتفاع الأسعار لم يُطبق بين ليلة وضحاها بل إرتفع تدريجياً. على سبيل المثال، رفع أسعار المواد الغذائيّة الذّي تمّ منذُ ثلاثة أشهر، أتى بعد ملامسة سعر الصرف عتبة الـ 9000 ليرة لأشهر عديدة».
متى يستقر سعر الصرف؟
يؤكد الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي أنّ «سعر الصرف يتأثر بأربعة عوامل وهي؛ العامل الإقتصادي، العامل النفسي، العامل السياسي وعامل المُضاربة. إنّ العامل الإقتصادي لم يتغيّر لينخفض سعر صرف الدولار. أمّا عامل المُضاربة فهو مرتبط بعاملي السياسي والنفسي. إذ أنّ المُضارب، يخلق إتّجاه إنحداري أو تصاعدي فور وقوع حدث سياسي ما. هذا الحدث يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبّياً، يتصرف المُضارب على أساسه».
ويضيف د.يشوعي «إذا كان الحدث إيجابي، وهذا ما حصل منذُ بضعة أيّام عن تكليف رئيس الحكومة، يعرض المُضاربون كميّة من الدولارات في السوق. هذه الكمية تؤدي إلى إنخفاض سعر صرف الدولار، مما يجعل بعض من المواطنين يصرّفون دولاراتهم، بحجة نفسيّة، خوفاً من إنخفاضه على مدى الطويل. أي يخلق المُضاربون توّجه معيّن عند الناس بهدف تحقيقهم لأرباح بالعملة الصعبة». ويشير د. يشوعي إلى أنّ «في دول العالم، ما يُضعف ويخسّر المُضاربين هو إحتياطي البنك المركزي. ولكن في لبنان، أضعف مضارب هو أقوى من البنك المركزي».
أمّا الإستقرار فيتطلب العامل الإقتصادي؛ أي يتطلب، بحسب د. يشوعي، «تدّفق رساميل على لبنان ما لا يقل عن 20 مليون دولار، من خلال آليّة شفافة بعيدة عن المنافع الشخصية، لإعادة بناء الرأسمال الوطني. وذلك من خلال الشراكة بين القطاع العام والخاص إذ كل ما تملكه الدولة من مرافق عامة، مشاريع بنية تحتية وغيرها، توضع بتصرف شركات». هذا حلّ من بين حلول عدّة يمكن أن يتبعها لبنان لإنقاذ ما تبقى من إقتصاده.
أي أنّ «حدث» تشكيل الحكومة سيحرّك المُضاربين وربما سيستقرّ سعر صرف لفترة مؤقتة بسبب حجم الحدث. ولكن الإستقرار الفعّال بإنخفاض سعر صرف الدولار يكمن عند تنفيذ الحكومة لحلول إقتصاديّة فعّالة.
هل من رقابة؟
في ظلّ عدم خفض الأسعار بإنتظار إستقرار سعر الصرف، مَن يراقب عمليّة تسعير السوبرماركات للمواد الغذائيّة؟ يقول بحصلي أنّ الرقابة هي ذاتيّة أولاً. بما أنّ بات المواطن حريصاً على الأسعار والغلاء بين مختلف السوبرمركات من باب إنخفاض مستواه المعيشي. رقابة التنافس ثانياً، إذ أنّ السوبرماركات تتنافس بالأسعار وستخسر زبائنها إذا رفعت الأسعار بشكل جنوني. ثالثاً، رقابة وزارة الإقتصاد التّي لا تقوم بعمليات تفتيش فوريّة وإنما تتدخل بغلاء الأسعار على مدى المتوسط أو البعيد. بما أنّ لم يمكنها التدخل بنسبة أرباح التاجر وإنّما لا يمكن للتاجر تخطي نسبة معيّنة من نسبة الغلاء.
كلاّ، لا تتوّقعوا إنخفاض فعلّي بأسعار المواد الغذائيّة لحين إستقرار سعر صرف الدولار. ولإستقرار سعر الصرف، يجب تدفق رساميل إلى لبنان ما لا يقل عن 20 مليار دولار. ولحصول ذلك يجب صحو ضمائر المسؤولين، ليختاروا مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصيّة. فالحلّ يكمن بحلول على صعيد السياسة وليس على صعيد المستوردين والسوبرماركات.