خالد ابوشقرا – نداء الوطن
“تقهقرت” الحملات الشعواء على سياسة مصرف لبنان، ونُسي التدقيق الجنائي، و”رُدمت” فجوة الستين مليار دولار أو أكثر في موازنته.. بمجرد تلويح حاكمه بالمادة 91 التي تلزمه “منح الحكومة القرض المطلوب منها”. إمكانية الإقتراض بالدولار من جديد حفزت “غريزة” البقاء عند النظام. فطلبت السلطة المصابة بمرض “القمار القهري” خلط أوراق الإستدانة بالعملة الصعبة وتوزيعها مرة جديدة مع علمها المسبق بخسارتها المحتّمة.
مهّد بيان مصرف لبنان، تحت عنوان “الإقراض سنداً للمادة 91 من قانون النقد والتسليف”، الطريق أمام تسليف الدولة مرة جديدة بالدولار بحجة “الظروف إستثنائية الخطورة، وحالات الضرورة القصوى”. لكن، أليست هي الظروف نفسها التي فرضت على “المركزي” تمويل الدولة في فترة الفراغ الرئاسي عام 2016 من خلال هندسات كلفت مليارات الدولارات. وألم تشكل هذه الظروف الدافع ذاته للتدخل إبان استقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية؟ والقائمة تطول من تدخلات بانتظار تحقيق الإصلاحات، كانت نتيجتها “تبخّر” القروض، وزيادة ثروات المنظومة السياسية والمصرفية، وإفقار البلد والشعب وفقدان أموال المودعين… باختصار إفلاس البلاد والعباد. واليوم عدنا إلى “النغمة” نفسها مع فرق وحيد، طلب المركزي ضمانات في “حال إصرار الحكومة على الإقتراض”. وأن تعمل على إقرار الإطار القانوني المناسب الذي يسمح لمصرف لبنان باستعمال السيولة في التوظيفات الالزامية، مع التزام الحكومة الصريح باعادة أي أموال مقترضة من مصرف لبنان ضمن المهل المحددة قانوناً في المادة 94 من قانون النقد والتسليف”.
لا ضمانات
بغض النظر عن المبلغ الذي سيحسم مما تبقى من أموال المودعين لأغراض البطاقة التمويلية ودعم المشتقات النفطية والأدوية وتسديد فواتير التجار المستحقة، فإن السؤال المركزي هو: “كيف يضمن مصرف لبنان أن المبلغ الجديد الذي سيقرضه للحكومة سيعاد؟
بكل بساطة لا يوجد أي ضمانات”، يقول الخبير المصرفي نيكولا شيخاني، فـ”الدولة التي تتعثر عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية “يوروبوندز”، وتضغط في خطتها الإنقاذية “لازارد” إلى التعثر عن سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، تعتبر مفلسة ولا يمكن لها تقديم أي ضمانة بأنها ستعيد الأموال”. وبرأي شيخاني فان “الإستدانة من مصرف لبنان ممنوعة، وعلى الأخير تحمل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات الصحيحة رغم الضغوط السياسية ووضع خطة نقدية لوقف تدهور سعر الصرف. وليس من حقه المس بالتوظيفات الإلزامية التي تحمي وتحفظ ما تبقى من حقوق المودعين في المصارف تحت أي سبب أوعذر”.
طريقة الإقراض
آلية الإقراض التي سيلجأ إليها مصرف لبنان ستكون مسنودة على المادة 96 من قانون النقد والتسليف، التي تنص على حق مصرف لبنان “الفرض على المستقرض إصدار وتسليم المصرف سندات مالية قابلة التداول وممكن بيعها من الجمهور”. بمعنى آخر إصدار وزارة المالية سندات “يوروبوندز” واكتتاب مصرف لبنان بها من أموال المودعين، كما في المرات السابقة. أما آجال القرض فقد لمح إليها بيان “المركزي” من خلال إشارته إلى المادة 94، التي تنص على أنه “لا يمكن ان تمنح القروض المشار اليها بالمادتين 91 و92 لمدة اطول من عشر سنوات”.
لا دولارات
عقد النية على الإقراض من جديد، وتدعيم الآلية بقانون النقد والتسليف، وطلب ضمانات حكومية أو تشريعية هي “مزحة من مزحات الحاكم”، برأي المحامي المصرفي أنطوان مرعب، فـ”المركزي لم يعد يملك من ودائع المصارف التي يسميها الإحتياطيات النقدية بالعملة الأجنبية إلا القليل، والقليل جداً. كما أنه لجأ منذ مدة إلى إقراض الدولة بالليرة اللبنانية والعملات الأجنبية من دون أن يسأل أو يرجع لأحد، فلماذا اليوم طلب الضمانات والتغطية القانونية والسياسية! وهو الذي يعلم أنها قد تكون إشكالية جديدة تضاف إلى كل الإشكاليات القديمة. وقد كان الأجدى بالحاكم والسلطة النقدية طلب التغطية القانونية منذ اليوم الأول من “مشوار” تصرفه بأموال المودعين وإقراض الدولة الذي انتهى بتخلفها عن السداد”. وما تعقيد الإجراءات المطلوبة اليوم إلا لانه “فقد الدولارات بعدما تصرف بها على هواه”، يقول مرعب، و”بالتالي يستمر في وضع الحجج التي لا تهدف إلا إلى كسب المزيد من الوقت”.
سياسة السلطات التنفيذية والتشريعية والنقدية والمالية باضاعة الوقت هرباً من تحمل مسؤولية الإصلاحات تؤدي بالبلد إلى الخراب، وليس أدل على خطورة “اللعب بالنار”، إلا تخطي الدولار عتبة الـ16 ألف ليرة، ووصوله قبل ظهر أمس إلى 16500 ليرة. ومع هذا الإرتفاع الجهني تنهار القدرة الشرائية للمواطنين تحت “مزاجية” تسعير التجار على السعر الأعلى، خوفاً من المزيد من الإرتفاع في سعر الصرف.