خلال ثلاثة أيام كان متوقعاً أن تشهد تكثيفاً للتواصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، لم يسجل أيّ تواصل بين الرئيسين، مع تراجع مناخات التفاؤل بفرص ولادة قريبة للحكومة الجديدة، وسط تحليلات تعيد ربط الملف الحكومي بمناخات إقليميّة وحسابات الانتظار للانتخابات الرئاسية الأميركية.
على الشاشة السياسية الداخلية لم تظهر صلة للتعقيدات التي واجهت الصيغة الحكومية بمتغيرات خارجية، بقدر ما ظهر دخول مساعي الجمع بين حكومة مصغّرة ومشروع المداورة في طريق مسدود ودوران محاولات تدوير الزوايا في حلقة مفرغة، فكلما جرت السيطرة على مشكلة تثيرها المداورة ظهرت بنتيجتها مشكلة ناتجة عن تصغير العدد، وكلما تم التعامل مع مشكلات العدد ظهرت مشاكل جديدة في الحقائب في ظل المداورة.
مصادر على صلة بملف المفاوضات لتشكيل الحكومة قالت إن الحلقة المفرغة التي تواجه الحكومة الجديدة موضوعية ناجمة عن مجافاة صيغة الحكومة المصغّرة والبعيدة عن السياسة، وفي الشكل، لجوهر اتفاق الطائف الذي صار دستور البلاد، حيث الحكومة هي رأس السلطة الإجرائية، في توقيت يشهد مفاوضات ترسيم الحدود بما لها من تأثير على الملفات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وتوقيت سيشهد مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومفاوضات تتصل بالخصخصة، ما يجعل الحكومة سياسية بامتياز تحرص كل القوى على فحص توازناتها المختبئة بين تفاصيل أسماء «الاختصاصيين». وبالتوازي فإن هذه الحكومة التي قيل عنها إنها حكومة مهمة إصلاحية حصرية لا يمكن حصرها بها، بسبب المسؤولية الدستورية المفتوحة للحكومة، قيل عنها إنها حكومة مهلة معينة تمتدّ بين ستة وثمانية شهور، لا يمكن حصر عمرها بمهلة وفقاً للدستور من جهة، وللمعطيات السياسية التي تقول بصعوبة البحث بحكومة غيرها بعد شهور، ما يعني بقاء هذه الحكومة لموعد الانتخابات النيابية، وربما نهاية العهد الذي أنهى أربع سنوات وينتظر سنتين يسعى أن تكون الحكومة خلالهما تشبه ما يرغب بتحقيقه.
العودة لحكومة من 20-24 وزيراً باتت شبه مؤكدة، وفقاً للمصادر، وإعادة النظر بالمداورة كصيغة لتوزيع الحقائب إذا بقيت التعقيدات قائمة في فشل تحقيق البدائل المعروضة على الكتل النيابية للحقائب التي تولتها تقليدياً بنيل رضاها كحال عرض وزارة التربية على المردة.
في حكومة الـ 24 وزيراً يكون التمثيل الأفضل قياساً بما رسمه اتفاق الطائف من توازنات، حيث يتمثل الدروز بوزيرين مقابل خمسة وزراء لكل من السنة والشيعة، وهو التوازن الأقرب للتمثيل بين المسلمين، بينما يتمثل كل من الكاثوليك والأرمن بوزيرين مقابل خمسة موارنة وثلاثة أرثوذكس وهو التوازن الأكثر نيلاً للرضى بين الطوائف المسيحية، هذا إضافة إلى أن حكومة الـ 24 وزيراً تضمن إسناد حقيبة لكل وزير بـ 22 حقيبة لـ 22 وزيراً، ونائب رئيس حكومة ورئيس حكومة من دون حقائب.
المصادر قالت إنه ما لم يشهد اليوم تقدماً يكسر الجمود على المسار الحكومي فسيكون الوقت المطلوب لولادة الحكومة طويلاً خلافاً لما كان متوقعاً مع الاندفاعات الأولى ما بعد التكليف، والتوقعات المتفائلة بولادة تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وبينما كان يفترض أن يزور الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري قصر بعبدا يوم غد ليسلّم رئيس الجمهورية تشكيلته الحكومية، بيد أن ترجيحات وتوقعات الحريري لم تُصِب، ومرد ذلك بحسب مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» ان التيار الوطني سارع الى وضع العصي في دواليب التأليف من خلال رفضه استثناء وزارة المال من المداورة التي قد تطال وزارة الطاقة والمياه التي يرفض باسيل التنازل عنها، ورأت المصادر ان باسيل بدأ يعمل في الكواليس لعرقلة تأليف حكومة لا يحظى خلالها بالثلث بالمعطل في إشارة الى 7 وزراء في حكومة من 20 وزيراً. ومع ذلك شددت مصادر المستقبل على ان الحريري يفضل حكومة من 18 وزيراً وهو لن يتراجع عن التأليف رغم كل العقبات التي يضعها النائب باسيل، فرهانات الأخير لن تصل الى ما يرجوه، وتعمده إبعاد التأليف الى ما بعد 3 تشرين الثاني لن يكون في مصلحته، مشددة على ان ما يقوم به باسيل يضرب العهد قبل أي أحد آخر، مع تلميح مصادر المستقبل الى ان رئيس الجمهورية يريد وزارات العدل والداخلية والدفاع وابلغ الرئيس الحريري بذلك.
وليس بعيداً أكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» ان الحقائب الأخرى فمشاكلها قابلة للحل، في اشارة الى الصحة التي يطالب بها الحزب التقدمي الاشتراكي، والاتصالات التي يرغب تيار المردة ان تؤول اليه، والاشغال التي يريدها حزب الله بدلاً من الصحة، بيد ان الحريري يخشى من التشدّد الاميركي في التعاطي مع الحكومة في حال ذهبت الاشغال الى وزير يسمّيه حزب الله، وبالتالي فان المشاورات مستمرة لإيجاد تفاهم ما لا يعطل التأليف السريع لا سيما ان حزب الله ابلغ الحريري انه سيكون مساهماً في الحل ومنفتحاً على الاقتراحات، علماً ان وزارة التربية فإنها ستكون من حصة المستقبل.
واعتبرت المصادر أن الأزمات التي يمر بها لبنان تفرض الاستعجال في تأليف حكومة مهمة إنقاذية وعلى بعض المكونات السياسية ان تتّعض من تجارب الماضي وفرضها الشروط لا سيما أن ما كانت تقوم به أوصل البلد الى ما وصل اليه من مناكفات ومحاصصات أفضت الى استقالة أكثر من رئيس حكومة.
في المقابل، شددت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» على ضرورة ان يعتمد الرئيس المكلف منهجية جديدة بعيدة عن الكيدية في التعاطي مع تسمية الوزراء المسيحيين الذين يجب ان يختارهم التكتل بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، وهما سوف يختاران أشخاصاً من اصحاب الاختصاص والكفاءة والنزاهة، مشيرة الى ان النائب جبران باسيل اسوة بالرئيس عون يدعوان إلى تأليف حكومة فاعلة ومنتجة تقوم بالإصلاحات المطلوبة وعلى رأسها التدقيق الجنائي المالي من أجل الحصول على ثقة المجتمع الدولي، وأن يكون لكل حقيبة وزير مع تمسكنا بالمداورة الشاملة الكاملة، لافتة إلى ان أي تواصل لم يحصل بيننا وبين الرئيس المكلف منذ الاستشارات النيابية الملزمة، املة ان تنجح المفاوضات الجارية على خط بعبدا – بيت الوسط والمعنيين الاخرين للإسراع في تشكيل الحكومة، لكن لم يرشح أي شيء بعد حيال المفاوضات الجارية. ورفضت المصادر ما يشاع إن اللقاء الأخير بين الرئيس عون والرئيس المكلف كان سلبياً من جراء تدخل باسيل واعاد الأمور إلى نقطة الصفر، جازمة أن على الرئيس المكلف أن يأخذ بعين الاعتبار الميثاقية وحقوق الطوائف.
وليس بعيداً استغرب بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي «العودة للحديث عن حكومة مصغرة تتمثل فيها طائفة الملكيين الكاثوليك بوزير واحد». وقال: «لن نرضى بأية حكومة لا يتمثل فيها الروم الملكيون الكاثوليك خير تمثيل في ظل النظام القائم في البلد».
في المقابل تساءل البطريرك الراعي مار بشارة بطري الراعي في عظة الأحد من بكركي: «الى متى يتمادى المعنيّون، من مسؤولين وسياسيّين ونافذين وأحزاب، وبأيّ حقّ، في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة؟ فيما نصف الشعب اللبنانيّ لا يجد «حصّة» طعام ليأكل ويوضّب «حقائبه» ليهاجر. وقال الراعي: «فليوقف جميع الأطراف ضغوطهم على الرئيسِ المكلَّف، لكي يُبادرَ بالتعاونِ مع رئيسِ الجمهوريّةِ إلى تشرين الثاني الى إعلانِ حكومةٍ بمستوى التحديات. لكنَّ ما رَشَح عن نوعيّةِ الحكومةِ العتيدةِ لا يُشير إلى الاطمئنان».
وبانتظار الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان و«إسرائيل» في تاريخ الحادي عشر من الشهر الحالي، برز أمس موقف للبطريرك الماروني بشارة الراعي في ما يختصّ بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان و«إسرائيل»، فرأى أنه «يجب أن تشمل الحدود البريّة أيضًا بما يحفظ حقوق لبنان، بل وأن تثبّتها. فحدود لبنان الدوليّة مُرسَّمةٌ وثابتةٌ منذ إعلانِ دولةِ لبنان الكبير سنة 1920، ونَرفض المسَّ بها، لذلك حريٌّ بالدولةِ اللبنانيّةِ أن تَنطلق في مفاوضاتِها من خطِّ تلك الحدودِ التي أُعيد تَثبيتُها في اتفاقيّةِ الهُدنةِ سنة 1949 وليس من أي اتفاقيّةٍ أخرى.
وبينما بدأت العديد من دول العالم التي تتمتع بأفضل الأنظمة الصحية فرض قيود ضمن إجراءات الوقاية للحد من انتشار فيروس كورونا، ووصلت في بعض الدول إلى الإغلاق التام، فإن لبنان الذي يعاني من نظام صحي متهالك وضعيف قرر جرياً على عادته في معالجة كل الازمات والملفات الاكتفاء بعزل بعض المناطق لغاية في نفس المعنيين. فأصدر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي القرار رقم 1358 يتعلق باستمرار إقفال بعض القرى والبلدات بسبب ارتفاع إصابات الكورونا فيها، في حين ارتفع النداء مرة أخرى بضرورة الإقفال التام والشامل بعد تزايد عدد الإصابات بكورونا ومع اقتراب وصول الموجة الثانية مع حلول الشتاء.
وأعلنت وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي، تسجيل 1389 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، ليرتفع العدد التراكمي للإصابات منذ 21 شباط الماضي إلى 82617 حالة. كما أفادت الوزارة عن تسجيل 6 حالات وفاة جديدة خلال الساعات الـ24 الماضية، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 643، مشيرةً إلى أنّ «عدد حالات الاستشفاء خلال الـ24 ساعة الماضية بلغ 790، من بينها 270 في العناية المركّزة»، لافتةً إلى أنّ «عدد الفحوصات المخبريّة المحليّة الّتي أُجريت وصل إلى 8766 فحصًا، فيما أُجري 1153 فحصًا في المطار».