السبت, نوفمبر 23
Banner

الأخبار : آخر “إبداعات” سلامة: ثلث الودائع من الدولار إلى الليرة؟

جاء في صحيفة ” الأخبار ” : لن يخرج رياض سلامة من مكتبه قبل أن يُشعل النار في ما تبقّى من ‏اقتصاد لبناني وقدرات معيشية للسكّان. يستمر في استغلال سلطاته ‏الواسعة، مُستخدماً أموال المودعين لإطفاء خسائر مصرف لبنان ‏والمصارف، مقابل الاقتطاع من قيمة الودائع. تأثير سياسته لن يقتصر على ‏زبائن المصارف، بل يصيب بالدرجة الأولى كلّ السكان، لأنّ خطته ‏التخلّص من الودائع وتحويلها إلى الليرة ستزيد الضغوط على العملة وترفع ‏نسبة التضخم وتنسف ما تبقى من القدرات المعيشية

كلّ يوم إضافي يُمضيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مركزه، يدفع ثمنه الناس من مالهم وقدراتهم المعيشية ‏ومستقبلهم، ويعَطّل أي إمكانية لفرملة الانهيار وإيجاد حلّ. الحاكم – المُشتبه فيه دولياً ولبنانياً بجرائم اختلاس الأموال ‏وتبييضها والإثراء غير المشروع – يخوض في السنتين المُتبقيتين من ولايته معركة تنظيف أخطائه في مصرف لبنان ‏وتغطية المخالفات التي ارتكبها مع العدد الأكبر من المصارف، مُعتبراً أنّ استخدام كلّ الأسلحة مشروعٌ له… ومنها ما ‏ناقشه في الأسابيع الماضية مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير، ومسؤولين اقتصاديين وماليين، حول نيّته تحويل ‏ثلث الودائع بالدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية، و”تحفيز” المودعين على سحب أموالهم وفق سعر صرف 3900 ‏ليرة لكلّ دولار، أو سعر آخر يبتدعه لهم. ويتحدّث الحاكم عن أمكان تحديد سعر جديد لـ”منصة المصارف” هو ‏‏6200 ليرة للدولار الواحد (بدل الـ3900)، وهو غير سعر “منصة صيرفة” المحدد بـ12 ألف ليرة للدولار الواحد. ولا ‏بد من الإشارة إلى أن سلامة يسعى إلى “إقناع” وزارة المالية ومجلس النواب باعتماد رقم 3900 ليرة لكل دولار ‏كسعر صرفٍ جديد يحلّ مكان الـ1507.5، ويُستخدم لوضع الميزانية العامة الجديدة‎.‎

المطروح ليس جزءاً من خطة متكاملة، أساسها إعادة هيكلة المصارف وإطلاق القطاع وِفق أُسس سليمة، بل ‏استكمال سلامة لسياسة تدفيع كلّ المودعين – ولا سيّما أصحاب الحسابات الصغيرة والمتوسطة – ثمن محو جزء ‏من الخسائر في ميزانيته وميزانية المصارف. التخلّص من الودائع بالعملة الأجنبية اعتراف غير مباشر من ‏سلامة بأنّ “خبرية” الاقتصاد الحرّ وسهولة تبديل العملات داخل المصارف وتقديم فوائد وهمية بغير العملة ‏الوطنية، سياسات خاطئة وقد قرّر اليوم نَسفُها بنفسه. ولكنّ الطريقة التي سيعتمدها تقود إلى خسارة المودعين قيمة ‏ودائعهم، وانهيار إضافي في سعر الصرف، وزيادة معدّلات التضخم. مرّة جديدة، يُراد تقديم المجتمع اللبناني ‏كـ”أضحية” على مذبح القطاع المالي‎.

تقول مصادر مصرفية إنّ سلامة “أجرى دراسة أظهرت أنّ حوالى ثلث الودائع في المصارف اللبنانية بالدولار ‏هي عبارة عن أموال مُحوّلة من الليرة إلى الدولار داخل القطاع المصرفي. وبالتالي، هي، والفوائد عليها، ليست ‏دولارات حقيقية”. وقسم كبير من المبالغ “حُوّل إلى الدولار بعد تشرين الأول 2019″، ما يعتبره سلامة مُبرّراً ‏له حتى “يستعيد” هذه الدولارات الوهمية. ينبغي التذكير هنا بأنّ المصارف هي التي فتحت المجال للمودعين ‏بتحويل أموالهم إلى الدولار مقابل تجميد الوديعة لفترة زمنية مُعينة وتسجيل فائدة مُنخفضة عليها. وقامت بزيادة ‏كتلة دولار “التقليد” عبر اختراع تسجيل كلّ وديعة بالدولار بأكثر من 3 مرات من قيمتها. حصل ذلك بمعرفة من ‏مصرف لبنان، وبإدراكه لزيادة الدولرة في القطاع المصرفي، من دون أن يتدخّل هو أو لجنة الرقابة على ‏المصارف لردعها، بل تآمرا لمساعدتها. صمت مصرف لبنان كان مُباركة لنهب المودعين، وما تخطيطه اليوم ‏لتحويل الودائع من الدولار إلى الليرة إلّا نهباً جديداً لهؤلاء، ارتداداته ستُصيب كلّ السكّان‎.‎

طرد أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة من القطاع المصرفي له هدفان: إنقاذ المصارف من الإفلاس ورساميل ‏أصحابها، لأنّ الحلّ الآخر يقتضي أن يدفع المُساهمون الثمن عبر الضخّ من أرباحهم، الأمر الذي يرفضونه. أما ‏الهدف الثاني، فهو سدّ جزء من الفجوة في حسابات مصرف لبنان والإيحاء بأنّه لا خسائر في ميزانيته. يقول ‏الأمين العام لـ”مواطنون ومواطنات في دولة”، شربل نحاس إنّ إجراءات مصرف لبنان منذ سنة ونصف سنة ‏تصبّ في خانة “إرغام المودعين على تحويل دولاراتهم إلى الليرة”. يشرح العملية ببساطة: “في العادة، ولتحويل ‏وديعة دولار إلى الليرة، يأتي مصرف تجاري بالدولارات من حساباته في الخارج ويُبادلها بالليرة مع مصرف ‏لبنان. لم تعد المصارف تملك دولارات في حساباتها لدى المصارف المراسلة خارج لبنان، بعد أن وظّفت أغلبية ‏الودائع في مصرف لبنان. لذلك حالياً، حين تُريد تحويل وديعة من الدولار إلى الليرة، سيقتطع مصرف لبنان ‏المبلغ من حساب المطلوبات عليه للمصارف، أي يُخفّف من خسائره بالدولار”. ما يقوم به مصرف لبنان يُساعده ‏لسدّ العجز في فجوته، المُقدّرة بأكثر من 55 مليار دولار، “من خلال تحميلها للمودعين. والمصارف أيضاً تمحو ‏الخسائر المتراكمة في دكاكينها على حساب المودعين. هذه السياسة لم تتوقّف منذ اليوم الأول للانهيار، ولذلك ‏يوجد أسعار صرف مختلفة. الجميع خسر مقابل شطب خسائر البنك المركزي والمصارف‎”.

في نهاية سنة 2019، عُقد اجتماع في قصر بعبدا مع رياض سلامة طُرح فيه تحويل ما بين الـ10% والـ20% ‏من ودائع الأفراد التي تفوق الـ100 ألف دولار إلى الليرة اللبنانية، تُودع في حساب لدى مصرف لبنان لمدّة خمس ‏سنوات تُعاد بعدها إلى أصحابها، وتُخصّص لإعطاء قروض إنتاجية تُعيد تحريك الاقتصاد. كانت الفكرة جزءاً ‏من خطة إصلاحية لإعادة هيكلة القطاع المالي، وتستهدف أولاً وقف الاستنزاف في حسابات “المركزي” ‏بالعملات الأجنبية، لا بل زيادتها. يومها عارض سلامة الاقتراح، ليبدأ بعدها بتطبيقه تعسفياً عبر اختراع أسعار ‏صرف وإصدار تعاميم تزيد الكلفة من دون أن تحلّ المشكلة، لأنّه يُصرّ على عدم إجراء هيكلة شاملة للقطاع ‏المصرفي. يتناسى سلامة وجود “معضلة حقيقية، وهي أنّ أكثرية حسابات العملات الأجنبية لدى المصارف هي ‏بالدولار اللبناني. لا يُمكن التفكير في تحويل حسابات إلى الليرة أو غيره، قبل الموازنة بين الدولار الحقيقي ‏والدولار الوهمي”، يقول أحد الخبراء الاقتصاديين. ولتصحيح السعر “لا مفرّ من إجراء قصّ شعر على الودائع ‏الكبيرة أو استعادة فوائد غير مُستحقة، وإيجاد معادلة لتحديد سعر الدولار الوهمي، من ضمن تسوية شاملة‎”.

التسوية الشاملة تعني خطّة مالية وإعادة هيكلة المصارف، لتحديد أيّ منها يجب تصفيته نهائياً، وأيّ تستملكه ‏الدولة عبر مصرف لبنان، ومن وضعه يسمح له بالعمل بعد تنفيذ إجراءات لها علاقة بالرسملة. أما إصرار ‏رياض سلامة على إنقاذ كلّ المصارف، فيعني أنّ كلّ المودعين في كلّ المصارف سيدفعون ثمن إفلاس أي ‏مصرف، لأنّ هذه السياسة تُطيل أمد الأزمة وتزيد من الكلفة التي سيتكبدها المجتمع والاقتصاد‎

Leave A Reply