عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
يُراوح ملف تأليف الحكومة مكانه. الجهود التي ما برح “حزب الله” يعمل على إنضاج ظروفها، طيّرتها بيانات متفلّتة من عقالها نشأت بين الحلفاء وكأنه فعل مقصود تلا خطاب السيد حسن نصرالله بساعات قليلة، يُضاف إلى ذلك غياب رغبة التأليف والحماسة لدى المعني الأول، رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري.
بخلاف كل ما يُروّج عن لقاءات وجلسات على صلة بتأليف الحكومة، فإن الأسبوع المنصرم وما تلاه من ساعات، أقفل على جمود تام خرقته أحياناً “طلعات” هاتفية غير مستقرّة. خلال الساعات الماضية لوحظَ أن المصريين مارسوا “حركات إحماء” عبر سفيرهم في بيروت ياسر علوي، في سبيل إعادة تنشيط ملف تأليف الحكومة. تزامن ذلك و “محاولة استنهاض” للمبادرة الفرنسية من باريس بدعم أميركي تجلّى بلقاء وزيري خارجية البلدين. خلاصة موقف المصريين أنهم لا يتوافقون والإماراتيين على تقديم سعد الحريري لاعتذاره. وللمصريين قراءتهم الخاصة المتصلة بالوضع الداخلي اللبناني، ورغبتهم في عدم تنازل سعد الحريري أو كسره، وقد نصحوا الخليجيين سابقاً بالتخفيف عن رئيس تيار “المستقبل” قليلاً، وهذا إنما يأتي كخطوة بمثابة إنذار، حتى لا يرتمي الحريري في أحضان أنقرة..
لكن، ومع الإقتراب من تواريخ الإستحقاق الأساسية واضمحلال إمكانية “سلوك” درب “حكومة مهمّة”، حتى ولو تألفت، لكون الجو الحالي “جو انتخابات”، يتنامى الشعور بأن تقطيع الوقت يفيد الإنتخابات والعناصر السياسية والحزبية التي قد لا تجد مصلحة لها في تأليف حكومة الآن. يتقاطع ذلك مع تولّد شعور مقابل، بأن البدء التدريجي بترشيد الدعم، ولو على نحوٍ غير رسمي، قد ينفع في تأمين ظروف تأليف حكومة، بمعنى أن ما كان الحريري يتخوّف منه سابقاً، ويدعو أن تقوم الحكومة الحالية (تصريف الأعمال) بتنفيذه، سلكَ طريقه نحو التنفيذ عملياً، كما أن موجة الغضب عليه بدأت تتفاعل. وعملاً بالمبادئ اللبنانية العامة، فإن فورة الغضب سرعان ما ستضمحل حين يحلّ زمن الإنتخابات! بهذا المعنى، لهي أفضل فرصة للحريري أن يؤلف حكومته.
مع ذلك، الرجل في مكانٍ آخر، تماماً كما الوضعية السياسية الحالية. ثمة اعتقاد بالغ وقد وجد طريقه نحو الإقرار، مفاده أنه، وطالما أن التوازنات السياسية الحالية ما زالت ثابتة، فإنها ستبقى سبباً للإخلال بتأليف الحكومة، لذا، فمن الأفضل بدء التنقيب عن تعديل في هذه التوازنات، تسمح بتخفيض سقوف وتعزيز سقوف أو تهذيب سقوف، وهذا إنما يحصل عبر الإنتخابات. وفي الواقع، هذه قاعدة يستسيغها كل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، وثمة من بدأ يقول أن “تجميد” الشروع بتأليف الحكومة، هنا مكمن علّته.
لكن السؤال: هل يوافق “حزب الله”، الذي يدرك هشاشة وضع حلفائه إنتخابياً، على الذهاب نحو استحقاق إنتخابي “مبكّر” يترافق وتأليف حكومة “عاجلة” يحدّد زمان ولادتها عند انقضاء الصيف أو في نقطة أوضح، عند بدايات الخريف، في ظل ما يتراكم لديه من علامات استفهام حول صعوبة المحافظة على الغالبية النيابية؟
قبل بدء التنقيب في تلك الإحتمالات، نما اعتقاد يقول بضرورة تقريب المهل بحيث تصبح الإنتخابات النيابية في الخريف وليس الربيع، (الإعتقاد هنا يقوم على فكرة مقايضة اعتذار الحريري بتقريب موعد الإنتخابات)، عملاً بفكرة كان الرئيس نبيه بري أول من تطرّق إليها، حين تحدّث عن الأشهر القليلة المقبلة من زاوية أن لبنان لا يحتمل التأخير في تأليف حكومة، ولا يحتمل انتظار انتخابات نيابية ولو مُبكرة، لأنها لا يمكن أن تحصل قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، والبلد قد يشهد انهياراً كاملاً خلالها، فهل يمكن “فرملة” الإنهيار عبر علاجات “جراحية” كتلك؟
ما يعزّز هذا الموقف، إعتقاد تنامى لدى “حزب الله” حيال الحريري، ومفاده أنه مقبل على الإعتذار عند حلول الخريف، ما ولّد مؤشرات تقود إلى بدء تسويق احتمال حصول الإنتخابات “المبكرة” بناءً على تفاهمات مسبقة. من هنا، لا مانع من الإتيان بحكومة انتخابات، قد يتولاّها مصطفى أديب أو سواه، ويمكن بعدها تقديم مكافأة سياسية للإنتحاري المقبل، لما لا تكون وزارة الخارجية في حكومة المهمة المقبلة؟
لكن، ثمة معضلة أساسية لها أن تقطع الطريق على الإحتمال المذكور. فتقريب موعد الإنتخابات النيابية إلى حدود شهر أيلول المقبل (أو ت1) يصطدم ببنود قانون الإنتخاب. وقانونياً، يجب دعوة الهيئات الناخبة قبل 3 أشهر من موعد الإستحقاق، وفي ظل وضعنا الراهن ودخولنا في شهر تموز وسط غياب القدرة على تأليف الحكومة، ورفض حكومة تصريف الأعمال تفويض نفسها لأجل أمر مماثل، تُصبح فرضية إجراء الإستحقاق في الخريف ساقطة نسبياً.
مع ذلك، أصحاب مبدأ “التبكير” لا ينفكّون ينتجون حلولاً. هناك من يطرح فرضية ً أخرى مبنية على احتمال اعتذار الحريري خلال الشهرين المقبلين. من الآن وحتى ذلك الوقت، تُطرح إمكانية التفاهم مع رئيس تيار “المستقبل” على شخصية أخرى للتأليف، مما يُسهم في تسريع عملية التأليف ما دام أن القاعدة أصبحت واضحة: “تأليف حكومة إنتخابات”. على هذا الأساس، وفي حال تشكلت حكومة في بدايات شهر آب مثلاً، فيصبح عندئذٍ معقولاً إنجاز الإستحقاق في شهر تشرين الثاني (طبعاً إذا توفرت النية السياسية والمسائل التقنية)، أي قبل 6 أشهر من الموعد المفترض في أيار، مما يخفّف من وتيرة النزف السياسي الحاصل.
هذا كله، يُؤشر إلى صيف ساخن وساخن جداً، وستتعاظم سخونته كلّما ارتفعت حركة الشارع المتفلت، والذي قد يصبح متفلتاً أكثر كلما اقتربنا من موعد الإنتخابات، أو عملياً، كلما سعت الأحزاب إلى تعزيز حضورها على متن صهوة الشارع قبل موعد الإنتخابات، وما أدلى به الرئيس نبيه برّي حول “مخاوف أمنيّة”، يتكرّر على لسان أكثر من مسؤول يبرز خشيته من الفوضى.
وأساساً، لا إصلاح في هذا البلد وفق “المعالجات الغربية”، الفرنسية وغيرها، قبل تأليف حكومة يوافق عليها أولاً وأخيراً صندوق النقد الدولي ورعاته، المحليون، لذا فإن البعض يدفع صوب معيار سياسي مفاده أن أفضل خطوة الآن، لكبح الإنهيار أو استباق حصول ما هو أكبر منه، يكمن في اختصار المهل! فكرة، يشاطرها الفرنسيون على قاعدة إنتاج “حكومة مهمّة إنتخابات مصغرة” ولو وحدة وطنية لا يهمّ، طالما أنها خطوة نحو الحلّ.