السبت, نوفمبر 23
Banner

الجمهورية: لبنان يخسر الزخم الفرنسي.. والحكومة الى ما بعد الثلاثاء الأميركي الكبير

على وَقع اصطدام عملية تأليف الحكومة بمجموعة من التعقيدات التي خيّبت الآمال التي تعاظمت بولادة حكومية وشيكة مطلع هذا الاسبوع، كشفت مصادر ديبلوماسية في باريس لـ”الجمهورية” انّ لبنان خسر فرصة ثمينة بعدم استفادته من زخم المبادرة الفرنسية في الوقت المناسب، وفقد الاولوية في أجندة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اصيب بخيبة أمل من فشل القوى السياسية اللبنانية في التقاط لحظة دولية إقليمية مؤاتية للحصول على مساعدات يحتاج اللبنانيون إليها حاجة ماسة. وأوضحت هذه المصادر انّ اولى أولويّات ماكرون اليوم هي مكافحة الموجة الارهابية التي شغلت الفرنسيين في الآونة الاخيرة، ومعركة مواجهة كورونا اضافة الى الوضع الاقتصادي الفرنسي المتأزّم نتيجة كورونا والتطورات الاخيرة. وبالتالي، لم يعد في الجعبة الفرنسية ما تقدمه من مساعدات للبنان، خصوصاً انّ المسؤولين رفضوا التجاوب مع النصائح الفرنسية والدولية للحصول على الدعم والمساعدة. وكشفت المصادر انّ مدير المخابرات الفرنسية برنار ايميه بات أكثر انشغالاً في قضية مكافحة العمليات الارهابية، فيما يُواجِه رئيس خلية الازمة في الرئاسة الفرنسية ايمانويل بون مشكلات داخلية ادارية، ما انعكس سلباً على لبنان الذي اختار مسؤولوه تركه وحيداً وبلا أي غطاء او مساعدة وهو في طريقه الى السقوط.

إصطدمت دينامية التأليف، التي انطلقت بنحو مُتسارع وغير مسبوق، بالتعقيدات التي واجهت كل الحكومات المتعاقبة، بدءاً من حجم الحكومة، مروراً بحجم القوى المشاركة، وصولاً إلى الحقائب السيادية والخدماتية والثلث المعطّل. ولا يبدو حتى اللحظة انّ إمكانية حلحلة هذه العقد قبل موعد الانتخابات الأميركية غداً متوافرة. وبالتالي، إنّ السرعة، التي كان الهدف منها الخروج بحكومة قبل الانتخابات، أصبحت متعذرة مبدئياً، فيما وقت التأليف ما بعد هذه الانتخابات يصبح مفتوحاً. وهذا لا يعني العودة إلى النقطة الصفر في التأليف، لأنه في اللحظة التي يَنوجِد فيها قرار التأليف تُذَلّل كل التعقيدات كما يحصل دائماً حيث تولد الحكومات بين ليلة وضحاها، خصوصاً انّ القوى المتشاركة في التأليف لها مصلحة بولادة هذه الحكومة، ولكن لم يعرف بعد ما إذا كانت أسباب التأخير تتعلق برغبة البعض في انتظار نتيجة الانتخابات الأميركية، أم انها تتصل بنزاع الحصص والنفوذ المعهودين. ولكن في مطلق الحالات ستتألف الحكومة عاجلاً أم آجلاً، ولا يبدو انها ستكون مختلفة عن الحكومة المستقيلة.

وقالت مصادر مواكبة للملف الحكومي لـ»الجمهورية « انّ زخم التفاؤل بإمكان تشكيل الحكومة مطلع الاسبوع تراجَع بفِعل التعثّر حتى الآن في معالجة عدد من العقد التي كان يُفترض انه تم تجاوزها. وقد تبيّن انّ توزيع الحقائب على الطوائف لم يحسم بعد، وكذلك الأمر بالنسبة الى عدد الوزراء الذي لا يزال موضع أخذ ورد وَسطَ إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبعض القوى السياسية على أن تضم الحكومة 20 وزيراً بحيث تتّسِع لتمثيل رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان، وحماسة الرئيس المكلف سعد الحريري في المقابل لاقتصارها على 18، ما يعني حصر التمثيل الدرزي بوزير واحد يسمّيه «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وهو الأمر الذي يعارضه رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «لكي لا تصبح الميثاقية الدرزية رهينة طرف واحد».

وأبلغت المصادر نفسها الى «الجمهورية» انه اذا كان الحريري يعارض توسيع الحكومة الى 20 وزيراً خشيةً من أن يمتلك عون وحلفاؤه الثلث المعطّل، فإنّ هذا التخوّف ليس في محله، لأنّ الوزراء المسيحيين لن يكونوا جميعهم محسوبين على عون و»التيار الوطني الحر»، بينما لدى الحريري القدرة على إسقاط الحكومة لوحده بمجرد ان يستقيل.

وعلمت «الجمهورية» انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يتدخل مباشرة في تفاصيل مفاوضات التأليف، وهو ينتظر ما سيعرضه الحريري على «الثنائي الشيعي» حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.

توقّف الحركة المكوكية

وفي رواية أخرى، قالت مصادر مواكبة للاتصالات انه في الوقت الذي أوحَت حركة الحريري المكوكية بين «بيت الوسط» وقصر بعبدا، في الأيام الخمسة الأولى التي أعقبت التكليف، أنها قرّبت موعد الولادة الحكومية قبل حلول اسبوع على الاستشارات النيابية بشِقّيها المُلزمة وغير الملزمة، كانت المفاجأة انها توقفت بنحو غير معلن ومستغرب في آن.

وعندما تجمّدت وتفرملت اللقاءات والزيارات قبل يومين من عطلة نهاية الأسبوع، وانسحب الجمود على يومي العطلة، غابت المشاورات الخاصة بالتشكيلة الحكومية، وتراجعت السيناريوهات التي وزّعت الحقائب بداية على الطوائف والاحزاب السياسية في ظل حديث خجول عن بعض الأسماء التي تنتظر دخول «الجنة الحكومية»، منذ النهاية المأسوية لتجربة تكليف السفير مصطفى أديب قبل اعتذاره في نهاية أيلول الماضي.

الصمت المشترك

وتزامناً مع غياب اي حديث عن مصير التشكيلة الحكومية في بعبدا، فقد تقاسمت مصادرها الحديث عن الصمت مع «بيت الوسط» الذي قالت اوساطه لـ»الجمهورية» انّ الحريري لم يتوقف عن القيام بما هو مقرر من اتصالات ولقاءات من دون الاعلان عنها نهائياً ولا عن هوية أطرافها.

أسباب متشابكة ومتعددة

وقالت اوساط عليمة على صِلة بحركة التشكيل الحكومي لـ«الجمهورية» انّ العوائق التي برزت امام ولادة الحكومة متعددة الوجوه، بما يوحي أنّ الخلافات التي أخفاها الصمت لم تعد سراً في جوانب محدودة منها. وانّ الخلاف الذي نشأ عند تنفيذ مبدأ المداورة ما بين الحقائب التي استثنت وزارة المال وشملت كل من وزارات الخارجية والداخلية والأشغال والطاقة والعدل والصحة قد بلغ الذروة، ما أعادَ كرة التأليف الى المربّع الأول، ذلك انّ رئيس «التيار الوطني الحر» أحيا نظرية انّ استثناء وزارة المال يُحفّز على استثناء وزارة الطاقة، خصوصاً بعدما طالبَ بها تيار «المردة»، ولا يُخفى على أحد الرفض او التحذير الدولي الذي نَمَا الى المسؤولين الكبار من انّ إبقاء وزارة المال لدى حركة «أمل» ووضع وزارة الأشغال في عهدة «حزب الله» قد أحيا نظرية تناقض مضمون العقوبات الأميركية التي طاوَلت وزيري الحقيبتين السابقين، هذا عدا عن التوغّل السياسي في تشكيل حكومة قيل إنها ستأتي بوزراء حياديين من خارج الوسط الحزبي، وهو ما لن يشجّع على استعادة ما وعد به لبنان من مساعدات.

«تَهشيل» الوسيط الفرنسي

وانتهت المصادر الى القول انّ مجمل الخلافات استدرجَت التشكيلة الحكومية الى لعبة «دومينو» نسفت جزءاً كبيراً ممّا بُني في الأيام الماضية، والخوف من فقدان اي وسيط او اي طرف داخلي لتوفير المخرج بات على الأبواب في ظل انشغال الوسيط الفرنسي الذي «هَشّله» فريق من اللبنانيين فبل ان ينشغل بالشؤون الداخلية.

الراعي

وفي المواقف، وَصّف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حال لبنان بأنها «استغناء عن الله وكلامه، بَلبلة في المصالح الشخصية والولاءات الخارجية، غياب في السلطة الإجرائية، وفوضى إدارية وأمنية من جرّاء السلاح غير الشرعي والمتفلّت والسرقات والاعتداءات، التهريب خارج البلاد وعلى حسابها، تَسييس القضاء. وبكلمة: سلطة غائبة وضعيفة وفوضى».

وتساءل الراعي في عظة الأحد أمس: «إلى متى يتمادى المعنيون، من مسؤولين وسياسيين ونافذين وأحزاب، وبأيّ حق، في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة؟ ألا يخجلون من الله والناس وذواتهم وهم يعرقلون، لا حماية للمبادئ الدستورية والثوابت الوطنية، بل تمسّكاً بمحاصصتهم، والحقائب الطائفية، فيما نصف الشعب اللبناني لا يجد حصّة طعام ليأكل ويوَضّب حقائبه ليهاجر؟ يا للجريمة بحق الوطن والمواطنين! فليوقف جميع الأطراف ضغوطهم على الرئيس المكلف، لكي يبادر بالتعاون مع رئيس الجمهورية إلى إعلان حكومة في مستوى التحديات. لكن ما رَشَح عن نوعية الحكومة العتيدة لا يشير إلى الاطمئنان». وقال: «أمّا ما يختَصّ بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فيجب أن تشمل الحدود البرية أيضاً بما يحفظ حقوق لبنان، بل وأن تثَبّتها. فحدود لبنان الدولية مُرَسّمة وثابتة منذ إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، ونرفض المَس بها. لذلك، حَريّ بالدولة اللبنانية أن تنطلق في مفاوضاتها من خط تلك الحدود التي أعيد تثبيتها في اتفاقية الهدنة سنة 1949 وليس من أي اتفاقية أخرى. وإذ نشدد على ذلك فلأننا نتمسّك بوحدة لبنان وكيانه، فلا نريد أن يعبث بالدستور هنا وبالحدود هناك». وشدّد على «ضرورة عودة اللبنانيين جميع اللبنانيين إلى كنف الدولة، وضرورة عودة الدولة إلى كنف الدستور. ففي المراحل المصيرية تبقى وحدة الشعب، معطوفة على اتّباع نظام الحياد الناشط، أفضل شبكة حماية لبقاء لبنان في منأى عن عدوى النزاعات التي تهدد منطقة الشرق الأوسط».

العبسي وحقوق الكاثوليك

من جهته، استغرب بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، في بيان لمكتبه الاعلامي، «العودة للحديث عن حكومة مصغّرة تتمثّل فيها طائفة الملكيين الكاثوليك بوزير واحد» . وناشَد عون والحريري «عدم ظلم أي طائفة، ولا سيما طائفتنا، وهي واحدة من الطوائف الست الرئيسة المؤسسة للكيان اللبناني، وهي تملك طاقات كبيرة بين أبنائها». وأكد أنه «لن يرضى بأي حكومة لا يتمثّل فيها الروم الملكيون الكاثوليك خير تمثيل في ظل النظام القائم في البلد».

جردة اقتصادية للعهد

من جهة ثانية، طرحت أوساط مالية في السنة الرابعة للعهد، التي مرّت السبت الماضي، سلسلة أسئلة اقتصادية:

1- أين قطع الحسابات في المالية العامة التي كان مصرّاً عليها قبل استكمال سلسلة الموازنات التي تعكس أرقاماً متوقعة وليس أرقاماً فعلية؟

2- أين المحاسبة في ملف سلسلة الرتب والرواتب والأخطاء الفادحة في احتسابها والعجوزات المالية الكارثية التي نَتجت عنها، وساهمَت في تسريع انفجار الازمة بشهادة مَن ساهموا بها بأنفسهم وبتسريعها قبل الانتخابات النيابية في العام 2018؟

3- أين المحاسبة بعد تقرير التفتيش المركزي حول 5300 موظف إضافي بعد قرار وقف التوظيف؟

4- أين المحاسبة تجاه قرار زيادة 22 نوع ضريبة ورسوم في موازنة 2017 التي أعطت مفعولاً معاكساً بزيادة العجز وخنقت الاقتصاد لأنها أقرّت في فترة الانكماش trop d›impôts tuent l›impôt؟

5- أين سياسة دعم القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية طالما انهم كانوا ينتقدون السياسة الإقتصادية المعتمدة منذ العام 1992 على الخدمات السياحية والمصرفية حصراً، في حين شهدت الزراعة والصناعة في السنوات الأخيرة أصعب أيامهما مع إغراق السوق بالمنتجات المماثلة والمهربة والأكثر قدرة تنافسية لجهة انخفاض الأسعار وعدم مطابقتها مواصفات النوعية بالحد الاقصى؟

6- أين السياسة الصحية الشاملة التي كان الحديث عنها شبه يومي قبل الوصول إلى السلطة والوعود بالتغطية الصحية الشاملة والرعاية الاجتماعية وقانون «ضمان الشيخوخة» الشهير؟

7- أين السياسة الإنمائية التي هي من مسؤولية الدولة وليس مصرف لبنان المركزي الذي حمل وزرها في فترة غياب الموازنات، وكان من الطبيعي أن يتوقف عنها بعد عودة العمل المؤسساتي والموازنات عام 2017، فتمّ الاكتفاء في بداية عام 2017 بالإعلان عن قروض بفوائد مخفضة عبر بنك الاسكان، ولكن أين الدولة وسياستها الإنمائية خصوصاً بعد إقرارها قانون الإيجارات الذي لم يعرف حتى الآن كيف يتم تطبيقه وما مصير صندوق العائلات العاجزة عن الدفع وفق الإيجار الجديد؟

8- أين السياسة التربوية الحديثة التي يحملها القطاع الخاص على اكتشافه مناضلاً لتأمين المنح المدرسية، ولا سيما منها الجامعية، للطلاب العاجزين عن الدفع في حين لم تطوّر الدولة التعليم الرسمي لهم، والبرهان انّ معظم العائلات تفضّل بيع أملاكها لتعليم أولادها في القطاع الخاص، في حين لا يتم تجديد البرامج ولا حتى الاتفاق على كتاب التاريخ، ولا تأمين الوسائل الإلكترونية للتعليم عن بُعد… فتبيّن انهم لا يزالون على «القلم والطبشورة» في عصر الـipad لصفوف الحضانة في الخارج؟

9 – أين سياسة النقل الموعودة، والتي كانت لتشكّل الدعامة عند رفع الدعم عن المحروقات، لا بل أين هي سياسة النقل ونحن لا نحسن ضبط سيارات الاجرة التي يضارب بها غير اللبنانيين على السائقين اللبنانيين من دون رادع، هذا عدا عن مشكلات اصحاب الشاحنات، فضلاً عن النقل البري غير المضبوط عبر الحدود؟

10- أين السياسة البيئية وخطة الحماية من الحرائق وموضوع الطوافات وخطة النفايات العالقة وخطة ضبط التلوث الهوائي والمائي؟

11- إنّ الكهرباء والاتصالات والمياه وحدها تحتاج الى ملفات خاصة بها بفِعل أثرها على كل القطاعات الإنتاجية التي ترفع تكاليفها، ولا تؤمّن لها النوعية المطلوبة فتضعف إمكانية منافسة المنتج اللبناني في الاسواق داخلياً وخارجياً…

وتطول اللائحة كثيراً… لكنّ الأوساط اكتفت بما كان يرفع «التيار الوطني الحر» من عناوين قبل القدوم إلى السلطة، ولم تتطرّق الى ما هو أصلاً مطلوب ولم يكونوا يذكرونه…

كورونا

على الصعيد الصحي، ومع اقتراب موجة كورونا الثانية، حذّر وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، خلال تفقّده مركز دير الأحمر الطبي، من «اننا أمام منعطف خطير جداً وقارَبنا المشهد الكارثي». وقال: «رفعنا توصية منذ شهر، كلجنة علمية في وزارة الصحة العامة، بالإقفال لمدة أسبوعين، وتبيّن أننا عاجزون كحكومة وكدولة، وخصوصاً بعد انفجار المرفأ، عن تطبيقه والنتائج كانت كارثية. يجب أن يؤخَذ موضوع الإقفال، إن كان جزئيّاً أو عاماً، خلال 24 ساعة، هناك اجتماع صباح غد (اليوم) للجنة العلمية، ولجنة كورونا ستجتمع ظهراً (اليوم)، لرفع التوصيات للجنة الوطنية الوزارية التي بدورها سترفع التوصية لاتخاذ القرار، نحن علينا أن نرفع الصوت للأمان المطلق، والقرار يتخذه مجلس الوزراء».

بالتزامن، أصدر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي القرار الرقم 1358 يتعلق باستمرار إقفال بعض القرى والبلدات بسبب ارتفاع إصابات كورونا فيها، وشمل القرار 115 بلدة وقرية. وقد تم تعديل توقيت حظر التجول، إذ أعلن قرار الداخلية أنه يمنع الخروج والولوج الى الشوارع والطرق ما بين التاسعة مساء وحتى الخامسة صباحاً من كل يوم في المناطق اللبنانية كافة المشمولة وغير المشمولة بقرار الاقفال.

Comments are closed.