كتبت باتريسيا جلاد في نداء الوطن : نحو 1200 موظف من أصل 26 ألفاً في القطاع المصرفي صرفوا من عملهم منذ نهاية العام 2019 ولغاية آب 2020. والحبل على الجرّار في ظلّ استمرار التأزّم وعدم وجود أفق لحلّ سريع لمشكلتنا الإقتصادية والمالية، ما يجعل “موظّف البنك” الذي كان يحسد على موقعه ويتباهى به نظراً الى الإمتيازات والتقديمات التي كان يحظى بها، في حالة قلق من تضاؤل عمل المصارف وإقفال بعض الأقسام لديها واستحقاق زيادة البنوك لرؤوس أموالها في الأشهر الأربعة المقبلة. فما هي آلية الصرف التي ستتبعها المصارف، وما هو العدد المرتقب لأن يضاف الى لائحة العاطلين عن العمل؟
عروض مغرية راحت تقدّمها المصارف منذ أشهر، فتحت باب الإستقالات من جهة للموظفين الذين شارفوا على الدخول في سنّ التقاعد من خلال تأمين الطبابة وتسديد نصف معاش لهم لحين بلوغهم الـ64 عاماً، في حين عمدت مصارف أخرى الى منح تعويضات مقطوعة بقيمة 12 شهراً مهما كانت سنوات الخدمة، وسلكت بنوك أخرى طريق عرض تعويض بقيمة شهر ونصف عن كل سنة خدمة مع سقف 18 شهراً، ما يعني أنه اذا أمضى مستخدم فترة 10 سنوات في الخدمة يحصل على تعويض بقيمة 15 شهراً.
بعض الموظفين لم يصمدوا أمام المُغريات المقدّمة لهم، فالمصارف تفضّل تجنّب الدخول في “همروجة” الروتين الإداري للصرف ووجع الرأس الناجم عن تقديم الموظف شكوى أمام وزارة العمل ورفع دعوى صرف تعسّفي على المصرف أمام مجلس العمل التحكيمي…
أما البعض الآخر من المستخدمين والذين هم على دراية أنهم لن يجدوا في الأوضاع الراهنة وظيفة بديلة وخصوصاً الشباب فيفضلون البقاء في عملهم لحين الصرف تعسّفياً. لكن ما هي “المواصفات” التي يجب أن يتحلّى بها العامل ليقع الخيار عليه ويُدرج على لائحة الذين سيتمّ الإستغناء عن عملهم؟
إتحاد الموظفين
رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج وخلال حديثه مع “نداء الوطن” قال “إن المصارف تسعى لزيادة رأسمالها قبل نهاية شباط 2021 بنسبة 20%، التزاماً بتعميم مصرف لبنان الذي سيضع يده على كل مصرف متخلّف. فهناك مصارف ستكون حتماً عاجزة عن الإلتزام بتلك النسبة، وكما حصل في أكثر من مناسبة وللمحافظة على أموال المودعين ستحصل عملية دمج لمصرف واحد أو بنوك عدة”.
ويضيف: “عندما نتكلّم عن دمج يستتبع ذلك حتماً صرف عدد من الموظفين او إنهاء عقودهم”. لافتاً الى أنه “كاتحاد سيدخل في مثل تلك الحالات بمفاوضات مباشرة مع المصرف الدامج بهدف التوصّل الى صيغة ترفع تعويضات المصروفين وتتخطّى قانون الدمج المصرفي، والتي يبلغ حدّها الأدنى 6 أشهر والحد الأقصى 3 سنوات.
وانطلاقاً من هنا، يميّز الحاج بين عمليات الصرف المرتقبة بعد استحقاق شباط حيث يمكن للمصرف المركزي أن يُقدم على إجراء دمج قسري للمصارف المقاعسة تحت مظلته، وبين حالات الصرف التي تتكرّر بسبب تدني حجم أعمال البنوك منذ بداية الثورة وإقفال أقسام لديها مثل منح القروض المنزلية والسيارات…
وفي ما يتعلق بالنقطة الأخيرة، يعتبر أن “تدني حجم أعمال المصارف أكان لناحية عدم تفعيل مديريات في المصرف او تراجع أرباحه ينعكس سلباً على استمرارية عدد كبير من الموظفين في مراكزهم.
عدد المصروفين
وحول العدد المرتقب المنوي صرفه يشير الحاج الى أنه، “من الصعب تحديده لأنه يجب أولاً معرفة المصارف التي ستكون عاجزة عن زيادة رأسمالها. وسنتعامل مع الموضوع من دون فرضيات، سننتظر لغاية بداية العام حيث تتّضح الصورة أمامنا فندرك من هي المصارف التي عقدت جمعياتها العمومية وزادت رأسمالها ومن هي المصارف التي تجد صعوبة في هذا الإنجاز. من هنا سنحاول أن نأخذ احتياطاتنا والتواصل مع المصارف والإستعداد لمرحلة ما بعد شباط. فحركة الرساميل كما يرصدها الإتحاد في القطاع المصرفي ليست مشجّعة، لأن العدد الذي رفع رأسماله لغاية اليوم قليل”.
وفي ما يتعلق بتدنّي حجم الأعمال في المصارف وانعكاسه على عدد العاملين والذي نشهده مع بداية الثورة، يقول، إن “أداء القطاع المصرفي تغيّر، فهناك مديريات توقّفت عن تقديم بعض الأعمال فتراجعت أرباحها، ما أثّر على استمرارية عدد كبير من الموظفين في عملهم”.
أما عن اعتماد سياسة تقليص عدد الفروع، فيوضح أنه “يوجد عدد كبير من المصارف يحجّم إنتشار عدد فروعه، في تلك الحالة إما أن تنقل العاملين لديها الى فروع أخرى أو تحاول أن تجد لهم مراكز في الإدارة العامة”.
معيار الصرف من العمل
وهناك معايير تعتمدها البنوك عند إعداد لائحة الفروع التي ستقفل ولائحة الذين ستصرفهم من العمل. بالنسبة الى الفروع، اذا كان المبنى مستأجراً، أو متواجداً في وسط بيروت أو الأماكن التي تحصل فيها إعتصامات وإضرابات ولحقت بها أضرار فسيتم إقفالها، وكذلك إذا كانت هناك تخمة في عدد الفروع في منطقة واحدة، فيُتخذ قرار بإقفال إثنين من أربعة فروع على سبيل المثال.
وفي هذا السياق يقول الحاج إن “مجلس الإدارة في كل مصرف يقرّر خطّة عمله للعامين 2021 و 2022 فإذا كان يعتمد على قروض التجزئة والتسليفات التجارية التي باتت شبه متوقفة، فإنه يقرّر تحجيم عمله، عندها سيصرف موظفين ويخفض من كتلة أجوره وبالتالي المصاريف المترتبة عليه، أو توسيعه عندها يبقي على مستخدميه”. ويعتبر الحاج أن “عمليات الصرف يجب أن تشمل كل المراكز التي باتت غير فعالة، من دون حصرها بصغار الموظفين فقط أو الكبار في السن والذين تحتاج المصارف الى خبرتهم وكفاءتهم…
بعد ثورة تشرين الأول، وانعدام الثقة في القطاع المصرفي، تحوّلت البنوك الى مؤسسات مالية تحتجز أموال المودعين، بعدما كانت العمود الفقري للإقتصاد اللبناني، بسبب أداء الحكومات المتعاقبة وتراكم الدين وعجز الكهرباء… علماً أنها كانت شريكاً مع الدولة في تغطية تلك الأعباء. وها هو القطاع اليوم يقاتل للصمود، أمام استحقاقي شباط 2021 وإعادة الهيكلة… أما غلبة البقاء، فستكون للأقوى”.