خضر حسان – المدن
كانت المعضلة الأبرز في العلاقة بين شركتيّ الخليوي تاتش وألفا ووزارة الاتصالات من جهة، والمشتركين من جهة أخرى، هي ارتفاع كلفة الاتصالات والانترنت مقارنة مع باقي دول العالم، مقابل خدمات رديئة جدًا وبلا عروضات كالتي تشهدها أفقر الدول. اليوم تبدّلت الأحوال، وأصبح جلّ المطالب هو استمرار تأمين خدمة الاتصالات والانترنت، وإن بنوعية متردّية. فالكحل أفضل من العَمى، وضعف الشبكات أفضل من انقطاعها كليًا.
من الجيّد إن بقي الوضع على ما هو عليه في ظل تغيُّرٍ مستمر نحو الأسوأ يعمّ البلاد ويصيب كامل قطاعاتها. على أن المؤشرات التي يقدّمها الواقع، تقول الكثير.
أزمة مرشّحة للازدياد
لم يترنّح قطاع الاتصالات بعد، وهو الذي جذب كامل الأضواء نحوه منذ 17 تشرين الأول 2019، بفضل حجم الفساد فيه.
استمرَّ الفساد، لكن خَفَتَ التركيز عليه بعد أن بات للمواطنين ما يشغل بالهم أكثر. إلى أن عاد للواجهة مع تهديد أزمة المازوت بانقطاع الاتصالات والانترنت، ليصبح القطاع أمام أزمة مرشّحة للازدياد في المستقبل القريب.
الشركتان المشغّلتان للقطاع بحكم الأمر الواقع، بدأتا بالتماس الضعف المتقطّع في شبكاتهما نتيجة انفصال بعض محطات الارسال أو تراجع قوّتها بحكم نقص مادة المازوت. والحال مشتركٌ بين تاتش وألفا. إذ يشير موظّفون في الشركتين خلال حديث لـ”المدن”، إلى أن “بعض محطات الارسال تشهد تراجعًا في قدراتها بسبب نقص المازوت، وأخرى لم تعد تعمل بعد نفاد الخزانات، وليس هناك امكانية لاعادة تعبئتها، إما بسبب البُعد الجغرافي أو بسبب قلّة الكميات المتوفّرة، حيث تصبح الأولوية للمحطات المركزية وليس الفرعية، فالمركزية تغذّي نطاقًا واسعًا من المناطق، فيما الفرعية مخصصة لتقوية الارسال أو تغذية إحدى القرى”.
ما زال الوضع مستقرًا نوعًا ما “لكن لا أحد يضمن الاستقرار. والشركات لا يمكنها تحمّل أكلاف إضافية مثل شراء المازوت من السوق السوداء أو إصلاح الأعطال فيما عائداتها لا تكفي”.
تأمين المازوت ما زال ممكنًا في الوقت الراهن، ووزارة الاتصالات تحاول مع وزارة الطاقة احتواء الأزمة. لكن ماذا عن الاستمرارية، وإلى أي حدّ يمكن للوزارتين أخذ الملف على عاتقهما فيما هو يتّصل بمعضلة كبرى تعيشها البلاد؟ ولا يتوقّف انعكاس الأزمة على المازوت، فالشركتان تبحثان في الاستغناء عن الكثير من موظفيها وأجرائها، وهو ما يُبحَث تحت الأضواء. والموظّفون الذين يستشعرون الخطر، يأبون رفع الصوت راهنًا، أملًا بتجاوز الأزمة وإبقائهم في مراكزهم. لكن ضعف استجابة العاملين في مراكز خدمة الزبائن، يؤشّر إلى شيء ما يُحاك، وخاصة في شركة ألفا. غير أن مصادر في الشركة تنفي لـ”المدن” الاستغناء عن الموظفين، وتعزو أسباب ضعف الخدمة وسرعة الاستجابة إلى “الضغط على الشبكات”، من دون أن تنفي مطلقًا “احتمال سعي الإدارة لتقليص عدد الموظفين مستقبلًا”.
أوجيرو أفضل حالًا
تتأثر خطوط الشبكات الأرضية كما الهوائية. لكن هيئة أوجيرو مطمئنّة إلى تزويدها بالكميات الكافية من المازوت لتفادي انقطاع الاتصالات والانترنت. ويؤكّد مديرها العام عماد كريدية أن “لا خوف من إنقطاع الإنترنت بشكل عام في لبنان، طالما المؤسسة قادرة على تأمين المازوت، ولكن في بعض المناطق هناك صعوبة في إيصاله، والبعض الآخر نضطر إلى إراحة المولدات”. تتباهى أوجيرو بوضعها وتطمئن، ويعود سبب الاطمئنان إلى موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي اعتبر أن “إستجرار الإنترنت من الخارج خط أحمر، ولا يمكن وقف الدفع، الذي يكلف 4 مليون دولار”. والأفضلية التي تنعم بها أوجيرو لا تعني ابتعادها عن الأزمة، فبعض المناطق تشهد ضعفًا في الخدمات، ومَرَدَّ ذلك لضعف الشبكات، حيث لم تصل بعد شبكات الفيبر أوبتيك.
الانترنت الخاص
تزويد المناطق بالانترنت من خلال الشركات الخاصة، يستحوذ على القسم الأكبر من علامات الاستفهام حول امكانية استمراره. فالوسطاء يخضعون لسلطة تأمين الكهرباء من المولّدات الخاصة في ظل شبه انقطاع دائم لكهرباء الدولة، حيث يصل التقنين في بعض المناطق إلى 20 ساعة، وأخرى تشهد انقطاعًا نهائيًا، الأمر الذي يترك المولّدات الخاصة بمثابة الشريان الأوحد للحياة.
والمولّدات الخاصة بدورها تعاني من شح المازوت أو ارتفاع أسعاره، ما يضطرها لأخذ استراحة أو لرفع كلفة الاشتراك، أي بالتالي رفع كلفة اشتراك الانترنت الذي يشهد بدوره ضعفًا في الأداء. وهذا الواقع لا يمكن له أن يستمر في ظل احتمالات التعثّر في أي لحظة.
وإلى حين حصول الأسوأ، لن ينقطع الانترنت كليًا، لكن بعض المشتركين سيتخلّون عنه مستقبلًا في حال ارتفاع الأسعار بما يفوق طاقتهم، فهناك أولويات لدى الناس وعلى رأسها تأمين الغذاء والدواء والملابس. وتأمين وزارتي الطاقة والاتصالات للمازوت في ظل ارتفاع حجم الاستهلاك “ثلاثة أضعاف” كما يقول وزير الاتصالات طلال حواط، لا يشمل حل مشكلة مشتركي الشركات الخاصة ووسطائهم. ما يعني أن قطاع الاتصالات والانترنت ليس بمنأى عن الانهيار الذي لن يكون مفاجئًا، بل هو احتمال وارد.