صار بإمكان وزير الداخلية محمد فهمي أن يضمّ إلى “مآثر بطولاته” تحت إمرة العماد ميشال عون “السحل بعد القتل”… ولربما استذكر مجدداً “علاقته الوجدانية” مع رئيس الجمهورية حين أوعز أمس للقوى الأمنية بسحل أهالي شهداء المرفأ أمام منزله، مستعيداً صدى صوت عون يهمس في أذنه تلك العبارة التي قالها له في العام 1981 حين قتل شخصين: “ليك يا محمد طول ما فيّي نفس ما حدا بيدقّك بشوكة”!
بالضرب والقمع والقنابل المسيّلة للدموع، تصدى فهمي أمس لأهالي الشهداء، بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن كل أركان المنظومة، آخذاً على عاتقه مهمة حماية سلطة باتت “فارّة” من وجه العدالة بعدما رفضت تسليم مطلوبين للتحقيق العدلي في جريمة 4 آب، فتوارى معها خلف خندق “الحصانة” في مواجهة انتفاضة “توابيت” الشهداء التي جابت الشوارع من محيط مجلس النواب وصولاً إلى قريطم، حيث اجتاحت باحة مسكن وزير الداخلية تنديداً برفضه منح الإذن الإداري لاستجواب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
وعلى عهدهم بتحصيل حق أبنائهم وعدم القبول بأن تذهب دماؤهم هدراً… تداعى أهالي الشهداء إلى تنفيذ غارة مباغتة جديدة على منزل فهمي بعدما خرجوا من لقائهم الأخير معه من دون أي نتيجة، وفشل في إقناعهم بمسببات رفضه التجاوب مع طلبات المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، فعاودوا حمل “نعوش” شهدائهم مرة جديدة على أكّفهم أمس علّها تحرّك ضمير المسؤولين، لكنها لم تحرّك فيهم سوى جحافل “مكافحة الشغب” تأكيداً على استمرار السلطة في رفض رفع الغطاء عن المدعى عليهم في الجريمة من مسؤولين سياسيين وأمنيين.
وبعد حالات كرّ وفرّ بين عناصر الأمن وأهالي الشهداء بلغت المدخل الرئيسي المؤدي إلى منزل وزير الداخلية، انضمّت مجموعات ثورية إلى تحرك الأهالي فصدرت ليلاً التعليمات السياسية والعسكرية والأمنية بقمعهم بالقوة ودحرهم عن المكان، ما أسفر عن سقوط إصابات وحالات اختناق في صفوف المحتجين جرى نقلهم على إثرها في سيارات الإسعاف للمعالجة. في وقت سارعت الأجهزة إلى الإيحاء بوجود مندسين بين صفوف أهالي الشهداء لتبرير قمعهم، ورُصدت توزاياً حركة دراجات نارية لمناصري بعض أحزاب السلطة تجوب المكان بجولات تهويلية، تأكيداً على “الجهوزية البلطجية” للتصدي للمحتجين إذا لزم الأمر.
وفي المقابل، بقي المحقق العدلي على موقفه الرافض لإفشاء سرية التحقيق والرضوخ للضغوط السياسية والنيابية التي مارستها عليه “الهيئة المشتركة” في المجلس النيابي، لدفعه إلى تسليم ملف تحقيقاته إلى المجلس، فآثر إيداع بعض المستندات إلى القاضي غسان خوري للبت في طلب فسخ قرار وزير الداخلية رفض إعطاء الإذن لملاحقة المدير العام للأمن العام، الأمر الذي لا يشكل أي خرق لمبدأ سرية التحقيق باعتبار تسليم المستندات المتعلقة بملف انفجار المرفأ إلى القاضي خوري، أبقاها ضمن دائرة النيابة العامة العدلية، سيما وأنّ الأخير كان قد تولى إحاطة مجلس النواب عبر وزارة العدل بجواب القاضي بيطار رفض تزويد المجلس أي مستندات إضافية تتعلق بالتحقيقات التي يجريها، وقام بتسطير ادعاءاته استناداً إليها.
أما حكومياً، فتتجه الأنظار إلى حركة الرئيس المكلف سعد الحريري المكوكية اليوم بين قصري الاتحادية وبعبدا، حيث يستهل نهاره في القاهرة بلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويختتمه في بيروت بلقاء الرئيس ميشال عون، وفق ما أشارت مصادر مواكبة للملف الحكومي، من دون أن تنزع من حساباتها “أي مستجد قد يطرأ على المشهد فيعدّل في مجرياته”، وأردفت: “الأكيد الوحيد أنّ الأمور متجهة في جميع الأحوال نحو الحسم خلال الساعات المقبلة، سواء بتشكيلة جديدة أو من دونها”.
وإذ شددت على أنّ أحداً لا يملك توقع مشهد “النهاية” لمسلسل التكليف والتأليف الطويل، اعتبرت المصادر أنّ “أحداث اليوم سترسم الكثير من معالم المشهد لا سيما في ضوء المنحى الذي سيسلكه اللقاء الموعود بين الرئيسين عون والحريري”، على أن تمهّد الأجواء التي ستتمخض عنه الأرضية اللازمة لبلورة خواتيمه، فتصبح حينها الاتجاهات سالكة في اتجاهات واضحة “بين الأبيض والأسود”… وصولاً إلى الإطلالة المتلفزة غداً للرئيس المكلف عبر قناة ”الجديد” والتي من المرجّح أن تحمل معها “الخبر اليقين“.
نداء الوطن