دوللي بشعلاني – الديار
يصف البعض في الداخل هذا التوقيت بالذات بـ«بداية مرحلة الإعتذار»، فيما يجدها البعض الآخر الفرصة الأخيرة ربّما لتشكيل الرئيس المكلّف سعد الحريري الحكومة الجديدة، سيما أنّه زار امس قصر بعبدا بعد عودته مباشرة من زيارة القاهرة ولقاء الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي. هذه التشكيلة التي قال عنها الحريري بعد اجتماعه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنّها «تضمّ 24 وزيراً من الاختصاصيين بحسب المبادرة الفرنسية ومبادرة الرئيس نبيه برّي. وبالنسبة لي، فإنّ هذه الحكومة بإمكانها النهوض بالبلد والبدء بالعمل جديّاً لوقف الإنهيار». وإذ تمنّى جواباً من الرئيس عون غداً (اليوم)، لكي يبني على الشيء مقتضاه، ألمح الى أنّ «وقت الحقيقة جاء الآن»، ما يعني أنّ الجميع سيعلم اليوم من هو الذي يُعطّل تشكيل الحكومة في حال لم يُوافق عليها الرئيس عون. فهل إذا كان جوابه سلبياً سيعود الحريري الى استخدام ورقة الاعتذار، وهل سيكون البديل عنه موجوداً وموافقاً عليه من قبل جميع الأطراف السياسية في الداخل والخارج؟!
مصادر سياسية مواكبة أكّدت أنّ التشكيلة التي قدّمها الحريري ويدرسها الرئيس عون ليقدّم ملاحظاته عليها اليوم الخميس، لا ثلث معطّل فيها، وهي تشكيلة من 24 وزيراً من الاختصاصيين، وقد أتت وفق المبادرة الفرنسية ومبادرة برّي القائمة على ثلاث ثمانات (8+8+8)، كما أعلن الحريري. وذكرت انه راعى في تشكيلته الجديدة التي انطلق فيها من القديمة، وحدة المعايير والمقاييس من وجهة نظره. فقد حافظ على 18 اسماً وزارياً من تشكيلته السابقة، وأضاف إليها ستة أسماء جدد: 3 للمسلمين (وزير شيعي، وزير سنّي، ووزير درزي) و3 للمسيحيين (على أن يكون أحدهم من حصّة الرئيس عون، ووزير كاثوليكي من حصّة الحريري، ووزير أرثوذكسي من حصّة القومي).
وتقول المصادر إنه إذا كانت التشكيلة الحكومية الجديدة أو «المعدّلة» معقولة وقابلة للنقاش من قبل الرئيس عون، فإنّ الأمور ستوضع على السكّة المبدئية لإنقاذ لبنان من خلال ولادة الحكومة سريعاً، وإن لم تكن الحكومة «الإنقاذية» الموعودة، وإنّما القادرة على تحقيق بعض الإصلاحات المطلوبة وإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها والتي من شأنها إحداث التغيير المنشود. أمّا في حال رفضها عون بشكل مطلق، من دون إفساح المجال لأي نقاش بشأنها، فإنّ هذا الأمر سيُعيد البلاد الى نقطة الصفر أي الى تسعة أشهر الى الوراء،لا سيما إذا ما قابل الحريري رفض عون لتشكيلته باستخدام ورقة الاعتذار، هذه الورقة التي لوّح بها خلال الأشهر الماضية، غير أنّه أبقاها في جيبه الى جانب ورقة التكليف للوقت المناسب.
وبرأي المصادر، إنّ الحريري ذهب خلال الأشهر الماضية في اتجاهات خاطئة بعد تعثّره في تأليف الحكومة، خصوصاً في الزيارات التي قام بها لبعض دول المنطقة مثل الإمارات العربية وتركيا، بهدف أن تتوسّط له لدى السعودية للحصول منها على الضوء الأخضر لترؤس الحكومة ولتشكيلها. وقد اختار اللجوء الى الإمارات التي تسلك اليوم مسلكاً مغايراً للسعودية، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على الضغط عليها أو الطلب منها رفع «الفيتو» عن الحريري. فالعلاقة بين الإمارات والسعودية لم تعد ممتازة، كما كانت في السابق، ويبدو جليّاً التنافس القائم بينهما على ملفات عديدة في المنطقة. فقد كانت الإمارات من أولى الدول العربية التي أعادت سفارتها الى دمشق، فيما تعمل السعودية حالياً على التقارب مع إيران من دون أن ينتج أي أمر ملموس على هذا الصعيد، كما افتتحت الإمارات بالأمس سفارة لها في تلّ أبيب بعد أن طبّعت العلاقات مع العدو الإسرائيلي منذ أقلّ من سنة. أمّا تركيا التي توجّه إليها الحريري مرتين والتقى برئيسها رجب طيب أردوغان، فلم تتمكّن من استخدام أي ورقة ضغط على السعودية، بل اكتفت بنصحه أن يتمسّك بورقة التكليف.
وفي ما يتعلّق بتوجّه الحريري نحو مصر التي زارها الأربعاء والتقى رئيسها عبد الفتّاح السيسي وعرض عليه تشكيلته الحكومية، قبل تقديمها للرئيس عون، على ما أفادت المعلومات، فأعطته جرعة دعم معنوي. وقد طالبه الرئيس السيسي بعدم الإعتذار، وأن يستمرّ رئيساً مكلّفاً ويقدّم التشكيلة الحكومية التي يجدها مناسبة، ريثما تعقد مصر اجتماعات تنسيقية مع بعض الدول العربية الأخرى لحلّ الأزمة في لبنان، من دون أن تعده بحلّ مسألة تأزم علاقته مع السعودية كونها لا يُمكنها الحلّ والربط فيها.
وأشارت المصادر الى أنّ السعودية التي وضعت «الفيتو» أمام ترؤسه الحكومة الجديدة منذ ما قبل تكليفه، قد توصّلت أخيراً الى نزع موافقة حليفتيها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على هذا الأمر، خصوصاً إذا كان إيجاد بديل عنه سيؤدّي في نهاية المطاف الى ولادة حكومة تقوم ببعض الإنجازات الإصلاحية الموعودة، وتُجري الإنتخابات النيابية في موعدها تحت إشراف المراقبين الأوروبيين والدوليين…
ولفتت المصادر ذاتها، الى أنّ فرنسا سبق وأن أعطت الحريري فرصة دامت تسعة أشهر لتشكيل حكومة إنقاذية وضعت خارطة الطريق لها، فيما لم يتمكّن من تنفيذ ما وعدها به، غير أنّ تشكيلته الجديدة التي أكّد أنّها تأتي وفق المبادرة الفرنسية، فتُشكّل بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بارقة أمل في ولادة الحكومة سريعاً وتنفيذ مندرجات مبادرته. علماً بأنّ فرنسا قد بدّلت موقفها أخيراً عندما وجدت أنّ الحريري وضع ورقة التكليف في جيبه، ولم يسعَ بشكل جدّي الى تشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلّين على ما وعد، فوافقت السعودية على تشكيل حكومة من دون الحريري في حال اعتذر بنفسه عن تأليفها.
أمّا اعتذار الحريري «المنتظر» من قبل البعض وكأنّه الحلّ السحري للأزمة الإقتصادية برمّتها، فتؤكّد المصادر عينها أنّه جرى استبعاده أمس بعد أن حصل الحريري على جرعة من الدعم المصري بعد اجتماعه في القاهرة مع الرئيس السيسي، غير أنّ ورقة الاعتذار يبقيها في جيبه، على أن يستخدمها في الوقت المناسب. وتقول المصادر إنه بعد الحركة الثلاثية من قبل أميركا وفرنسا والسعودية، لتسريع تشكيل الحكومة مع أو بدون الحريري، دفعت الحريري الى التحرّك الجدّي قبل أن يجري استبعاده بالقوّة، علما ًبأنّ هذا الأمر لا يُمكن أن يحصل، كما أنّ اعتذاره لن يكون خبراً مُفرحاً، وخصوصاً أنّ أشهراً عديدة ضاعت من عمر الوطن، كما من عهد الرئيس عون، سدى، منذ ما بعد انتفاضة 17 تشرين وحتى اليوم، ومن الصعب اليوم العودة الى المربع الأول للتكليف.
في المقابل، أشارت المصادر الى أنّ البديل عن الحريري ليس جاهزاً وموافقاً عليه بعد من قبل الأطراف السياسية، وإن كانت الطائفة السنيّة لا تخلو من الأسماء القادرة على ترؤس الحكومة، وثمّة فرضية تفرض نفسها على مشهد الاعتذار، في حال حصل لاحقاً في أي وقت، وهو معارضة الطائفة السنيّة لهذا الأمر، كونها تعتبر الحريري هو الأكثر تمثيلاً لها، وخصوصاً دار الفتوى، ما قد يدفع النوّاب السنّة من «تيّار المستقبل» الى مقاطعة الإستشارات النيابية المُلزمة التي يُفترض أن يقوم بها الرئيس عون، فيما لو اعتذر الحريري.
وبرأي المصادر إنّ التوافق على الاسم البديل عن الحريري سيتطلّب وقتاً، لا يقلّ عن 20 يوماً أو شهر على الأكثر، فيما العنوان الأساسي الذي ستتخذه الحكومة بعد ذلك، هو «حكومة الإنتخابات»، وإن كانت ستجري بعد نحو 10 أشهر من الآن، وتحديداً في آذار المقبل أي قبل 60 يوماً من انتهاء عمر المجلس النيابي الحالي. علماً بأنّ الشعب لا يسعه انتظار كلّ هذه المدّة لتحسين الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي في البلد، ويُطالب بأن تقوم الحكومة باتخاذ القرارات الناجعة وبالإصلاحات فوراً. ولعلّ هذا الأمر يجعل بقاء الحريري رئيساً مكلّفاً بعد الدعم الذي حصل عليه من الرئيس السيسي، على أن يُبدي مرونة تجاه الرئيس عون للتوافق معاً على تشكيل الحكومة المنتظرة، هو الخيار الأفضل حالياً بدلاً من الاعتذار بعد أشهر طويلة ضاعت هباء وأوصلت الوضع الاقتصادي في البلد الى ما تحت الصفر.