دخل لبنان والعالم في مرحلة «حبس الأنفاس» بانتظار نتائج الانتخابات الاميركية، او «الفوضى» الاميركية، في بيروت، بورصة التشكيل مستمرة صعوداً وهبوطاً، «هبة باردة»، و«هبة ساخنة»، زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بعبدا بالامس «كسرت» الجمود ولكنها لم تذلل العقبات، بدليل عدم صدور مراسيم التشكيل، وفيما تصر الرئاسة الاولى على اشاعة الاجواء الايجابية، وتتحدث عن تقدم وعن تصور حكومي شبه منجز، وعن عقد غير جوهرية، متوقعة ولادة قريبة، اذا ما تم تبادل التنازلات، فان أوساط مطلعة على اجواء «بيت الوسط» تحدثت عن مهلة وضعها الحريري حتى يوم غد الاربعاء للتفاهم، قبل ان يقدم مسودته، فاما تقبل او ترفض، متحدثة عن اعادة الاعتبار لحكومة الـ18 وتثبيت المداورة، باستثناء وزارة المال، فيما الخلاف لا يزال مستمرا على اسماء الوزراء، والخلاف على وزارة الصحة، والاشغال، والطاقة، وبحسب أوساط معنية بالملف، يمكن القول ان الجميع يتهيبون «الفراغ»، ويرغبون في تأليف الحكومة سريعا، لكن يبقى الرهان على «الوقت» وعلى من «يصرخ اولا»، للحصول على تنازلات متبادلة.
في هذا الوقت نصيحة «أممية» للبنان بعدم ربط الاستحقاق الحكومي اللبناني بالانتخابات الاميركية التي قد يطول انتظار نتائجها، على الرغم من اهميتها وانعكاسها على الشرق الاوسط والعالم، وهو ما اختصرته صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية بالقول: «ان فوز جو بايدن سيكون خسارة شخصية لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولقادة السعودية، ومصر، وكذلك تركيا، فهؤلاء، لن يجدوا صديقا في الادارة الاميركية الجديدة، فنحن امام استحقاق انتخابي استثنائي نظرا لتسيد ترامب الأخبار وإثارته أعصاب كل زاوية من العالم بطريقة لم يفعلها أحد في التاريخ الحديث بعد 4 أعوام من السياسة المتقلبة التي نفرت الحلفاء واحتقرت الأعراف».
هل حلّت «عقدة» العدد؟
وفي الانتظار، وبعد «الانتكاسة» الحكومية خلال الساعات القليلة الماضية التقى الرئيس المكلف سعد الحريري الرئيس ميشال عون، لمدة ساعة في قصر بعبدا، وفيما كانت التوقعات تتحدث عن عزمه وضع الرئيس عون أمام خيارات احلاها مر من خلال عرض تشكيلة حكومية من 18 وزيرا، لم يقدم على هذه الخطوة، وتم تأجيلها الى يوم الاربعاء المقبل. وفيما اكتفى بيان رئاسي بالحديث عن استكمال المشاورات في جو من التعاون والتقدم الايجابي، سربت اوساط مقربة من «بيت الوسط معلومات عن تجاوز عقدة حكومة الـ18 ومبدأ المداورة باستثناء وزارة المال، وهي معلومات اذا صحت يكون الحريري قد حقق خرقا واضحا في «جدار» موقف الرئاسة الاولى وموقف «ميرنا الشالوحي»، وهو بالتالي لم يقبل تشكيل حكومة من 20 وزيرا بعدما سعى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بأنه يسعى للحصول على الثلث المعطل في الحكومة من خلال اصراره على تمثيل النائب طلال أرسلان بوزير درزي واضافة وزير الى الحصة الكاثوليكية.
«تبرّؤ» مزدوج
وسبق هذا اللقاء، نفي من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بان يكون لباسيل اي تدخل في تشكيل الحكومة، ولفت الى ان التشاور في شأن تشكيل الحكومة يتم حصرا، ووفقا للدستور، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، ولا يوجد أي طرف ثالث في المشاورات التي لا تزال مستمرة بما تفرضه المصلحة الوطنية العليا، ولم ينس المكتب الاعلامي للرئاسة نفي كل المعلومات المتداولة حول اسماء الوزراء وتوزيع الحقائب. وفي السياق نفسه، اكد المكتب الاعلامي لباسيل ان كل ما يتمّ فبركته وتداوله في الاعلام حول تدخّله في عملية تشكيل الحكومة هو عار عن الصحة، ويهدف الى تحميله مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة لتغطية المعرقلين الفعليين، ولفت الى ان الاستمرار في سياسة الكذب في الاعلام تشوّه الحقائق كما ان التذاكي في عملية تأليف الحكومة يعرقلان ويؤخران تأليفها.
متى «الولادة» الحكومية؟
ووفقا لمصادر مطلعة، تبقى الحكومة معلقة على «شجرة» الخلافات التحاصصية الضيقة، وفي مقدمها وزارة «الطاقة»، دون اهمال معركة اخرى يعتبر الكثيرون انها تتجاوز مسألة تشكيل حكومة مهمة لستة اشهر، والا، ما الذي يدفع الرئيس المكلف سعد الحريري الى «التذاكي» كما يتهمه التيار الوطني الحر، وما الذي يدفع في المقابل «ميرنا الشالوحي» الى «التعطيل» طمعا بالحصول على حصة «الاسد»، كما تتحدث اوساط «بيت الوسط»، وفي هذا السياق تشير تلك الاوساط الى ان «الولادة» اما تتم قبل نهاية الاسبوع الحالي او سنكون امام رحلة طويلة من عملية التأليف التي ستمتد اشهرا على وقع فوضى انتخابية اميركية منتظرة بفعل تعقيدات المشهد في الولايات المتحدة.
المهلة تنتهي غدا؟
ووفقا للمعلومات، وضع الرئيس الحريري يوم غد الاربعاء «سقفا» لعملية التفاوض، والمح الى انه سيضطر بعد هذا التاريخ الى تقديم تشكيلته الحكومية وعندها ليتحمل رئيس الجمهورية مسؤولية رفضها او قبولها، ولذلك فان الساعات المقبلة ستكون حاسمة بعدما عاد تفعيل الاتصالات بين الرئاستين، وينتظر الحريري من الرئيس عون اجوبة محددة اليوم على الكثير من المسائل العالقة، «ليبنى على الشيء مقتضاه»، فاذا لم تذلل العقبات سيحمل تشكيلته «ولن يمشي» حتى في حال رفضها الرئيس، «فورقة» التشكيل ستبقى في «جيبه» ولن يتخلى عنها، كما تقول اوساط «المستقبل» التي تحمل المعرقلين ما ستؤول اليه الامور في البلاد، فيما تشير اوساط «التيار» الى ان رئيس الجمهورية لن يوقع على اي حكومة «امر واقع»، ولهذا ثمة تعويل على الاتصالات الجارية لتأمين «ولادة طبيعية للحكومة»!
تحفظات باسيل
وكان الحريري قد تبلغ سلسلة من «التحفظات» الباسيلية التي نسفت اتفاقاته مع عون بعدما رفض اقتراح تعيين كارول عياط المديرة في بنك عودة لتولي حقيبة الطاقة واقترح اسم بيار خوري، كما اقترح تعيين مدير الصندوق المركزي للمهجرين العميد نقولا الهبر وزيرا للداخلية بعدما أدى التفاهم بين عون والحريري إلى مبادلة الداخلية بالخارجية التي يفترض ان تتولاها مستشارة الحريري سابقا المندوبة الحالية للبنان لدى الأمم المتحدة آمال مدللي، او السفير هاني شميطلي… فهل يمكن تجاوز هذه العقبات خلال الساعات المقبلة؟
«الخلافات» الدرزية؟
وفيما لا يزال الحزب التقدمي الاشتراكي متمسك بالحقيبتين الدرزيتين في حال كانت الحكومة من 20 وزيراً داعية ارسلان الى التمثل بوزير مسيحي، اكدت مصادر الوزير طلال ارسلان ان تمثيل الحزب الديموقراطي بوزير درزي هو حق مكتسب ولا يمكن لأي فريق تحديد غير ذلك، ومن تستّر بالرئيس المكلّف لاحتكار المقاعد عليه اللجوء له لحل مشكلته بدل خلق معارك وهميّة أصبحت من الماضي.
«استياء اسرائيلي» عبر كوبيتش؟
وفي سياق متصل، بالضغوط الدولية المتصاعدة على لبنان في ما خص عملية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، زار ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وابلغه «استياء» الاسرائيليين من موقف المفاوضين اللبنانيين في جولة المفاوضات الاخيرة بعد عرض الخرائط على «طاولة» المفاوضات، ولفت الى ان «الوسيط» الاميركي حال دون انسحاب الاسرائيليين احتجاجا على ما وصفوه مبالغة لبنانية في رفع سقف التفاوض. وعلم في هذا السياق ان الاميركيين يعملون من خلال سفيرتهم في بيروت دورثي شيا على محاولة خفض «سقف» المطالب اللبنانية وقد طالبت خلال لقائها رئيس الجمهورية ميشال عون بضرورة تقديم مبادرات «حسن نية» للمساهمة في التسريع بعملية التفاوض.
«الفوضى» الاميركية!
من جهة ثانية، نصح كوبيتش الرئيس بري بعدم ربط المسار الحكومي بالانتخابات الاميركية التي قد يطول حسم نتائجها، مشيراً الى ان لبنان لا يمكنه ان يتحمل مواكبة «الفوضى» الاميركية، وقد اكد له رئيس المجلس انه قدم كل التسهيلات الممكنة لتكون «الولادة» سريعة.
وتلفت اوساط ديبلوماسية بارزة في بيروت الى ان القلق الاممي من «الفوضى» الاميركية يعود الى كلام منقول عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه يعتزم إعلان النصر في السباق الرئاسي في ليلة الانتخابات، قبل الفرز النهائي لصناديق الاقتراع، على الرغم من أن عدد الأصوات غير المحسوبة قد تؤدي إلى خسارته، ووفقا للمعلومات فهو ابلغ الدائرة المقربة منه انه يعتزم القيام بذلك إذا كانت الأرقام المبكرة في صالحه، وقد ناقش تفاصيل خطته مع مساعديه، مما دفع المرشح الديموقراطي جو بايدن الى الرد بحسم على هذه المعلومات بالقول انه لن يسمح لترامب «بسرقة» الانتخابات… ومن المتوقع ان يستمر فرز الاصوات لعدة ايام بسبب الحجم الهائل من بطاقات الاقتراع عبر البريد فيما يستعد فريق ترامب لرفض جميع بطاقات الاقتراع التي يتم فرزها بالبريد بعد يوم الثلثاء، ويصفها بأنها غير شرعية. وقد أشارت معظم الاستطلاعات إلى أن التصويت الشخصي في يوم الانتخابات سيكون لصالح ترامب، بينما التصويت عبر البريد لصالح بايدن.
تخبط «كوروني»؟
صحيا، سجلت بالامس 1080 اصابة جديدة بفيروس كورونا، و9حالات وفاة، فيما لا يزال الارباك على حاله حكوميا لمواجهة التفشي الكبير لجائحة كورونا، وبعد ساعات على اعلان وزير الداخلية محمد فهمي عن عجزه تطبيق قرارات الاقفال الجزئي والعام، بفعل التدخلات السياسية، كرر خلال اللقاء في السراي الحكومي امام لجنة مكافحة الوباء رفضه لاعلان الاقفال التام في البلاد دون تقديم حوافز مادية للمواطنين، ودون تقديم ضمانات بعدم حصول تدخلات لايجاد استثناءات كما حصل في السابق. ولذلك لم تتبلور بعد خطة موحدة للتصدي للانهيار الصحي المرتقب بفعل الانتشار السريع «للوباء»، وقد اقر وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أن «الإقفال الجزئي لم يأتِ بالنتائج المرجوة»، وقال «هناك تطورات من ناحية عدد الإصابات وهي خطيرة ولا نحملها، ونطالب بإقفال عام في البلد لمدة اربعة اسابيع مع اجراءات صارمة». وأشار حسن إلى أن «عدد اصابات كورونا وصلت الى مرحلة خطيرة لم يعد باستطاعة المستشفيات تحملها سيما ان عدد الاسرة التي يتم تجهيزها بالكاد تكفي للحالات المصابة، منبها من أن «أي تقصير في عديد التجهيزات للأسرة ستكون له تداعيات على عدد الوفيات ما سيؤدي الى ارتفاعه، والاخطر اليوم هو تسجيل عدد وفيات بفئات عمرية شابة». ومساء اعلن حسن من السراي الحكومي انه «رغم الجهوزية والمتابعة في المستشفيات الحكومية لا يمكننا تلبية الحالات الحرجة التي تحتاج لعناية فائقة، وعممنا اليوم الزامية استعداد المستشفيات الخاصة بكل الاراضي اللبنانية وتخصيصها أسرة للعناية الفائقة لمرضى كورونا»، معلنا التوافق بين دياب ونقابة المستشفيات على ذلك، وقال «أجرينا سلسلة اتصالات للمساعدة بدعم المستشفيات الخاصة ونعمل على رفع الجهوزية لفتح المستشفيات أمام المرضى بكل المحافظات»، وأضاف «ان دياب دخل على الخط للتسريع في المعاملات ولتحصل المستشفيات على حقوقها».
الهيئات «تنتفض»
وفيما لم تحسم الجهات المختصة مسألة الاقفال، اعلنت الهيئات الاقتصادية رفضها المطلق «لأي قرار ممكن أن تتّخذه الحكومة بإقفال البلد بشكل تام، محذّرة من انعكاسات سلبية هائلة لاقفال القطاع الخاص لا يمكن احتواؤها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. واعتبرت في بيان أن «توجّه الحكومة لاتخاذ قرار بإقفال البلد لفترة أربعة اسابيع لاحتواء الوباء، هو خطوة متسرّعة وبمثابة عملية هروب الى الأمام، خصوصاً بعدما فشلت في تطبيق الاجراءات التي اتخذتها على مدى أسابيع». وإذ أكدت أن «صحة المواطن اللبناني وسلامته تبقى لها الأولوية القصوى»، شددت الهيئات في الوقت نفسه على ضرورة القيام بدراسة متأنية للإجراءات التي سيتم اتخاذها لمواجهة الوباء خصوصاً في ظل الظروف القاسية التي يمرّ بها لبنان واقتصاده الوطني»، محذّرة من أن «أي قرار غير متوازن ستكون له تداعيات خطرة لا تحمد عقباها.