مشكلة لبنان الكبرى أنّ السلطة القائمة، أو ما تبقّى منها، مصرّة على ابقائه مرميًّا في حقل تجاربها الفاشلة، التي درجت عليها منذ أن تسلّمت زمام قيادة البلد منذ مطلع السنة الحالية، وأكملت من خلالها ”تزليط” البلد من كل عناصر مناعته الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية، وألقت بالمواطن في جحيم الفقر والجوع مكشوفاً بلا مظلّة أمان لا لحاضره ولا لمستقبله.
على أنّ كلّ ذلك يكاد لا يُقاس أمام فقدان المناعة الصحيّة، الذي بلغه حال البلد، مع سلطة يديرها مراهقون لا مثيل لهم في أكثر الدول تخلّفاً واستهتاراً بشعوبها، ويمعنون بقراراتهم الغبيّة في مواجهة فيروس “كورونا”، الذي اصبحت معه الأرجاء اللبنانية موبوءة بكاملها، وأعداد الإصابات اليومية الدقيقة بهذا الوباء، والتي تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما يُعلن عنه من إصابات، باتت تقرّب اللبنانيين أكثر فأكثر من واقع وبائي جهنّمي، تستحيل معه كل العلاجات ومحاولات الاحتواء.
من الأساس، كان على هذه السلطة أن تبادر الى إجراءات احتوائيّة صارمة بحجم الوباء، وهي تمتلك كل الإمكانيات التي تمكّنها من فرضها، ولو أنّها فعلت لكان الأمر مختلفاً ولما دخل الوباء مرحلة التفشّي المجتمعي. وأسوأ ما في الأمر، هو أنّ هذه السلطة ما زالت على المنوال ذاته، ماضية في المنحى ذاته، عبر إجراءاتها الهامشيّة وقراراتها العشوائيّة والاستنسابية؛ بإقفال جزئي لمنطقة، وفتح كامل لمنطقة اخرى، مستجيبة بذلك لمداخلات سياسية من هنا وهناك، فيما الفيروس يتعاظم ويزداد مناعة ويتوسّع انتشاره، بالتوازي مع انهيار كامل للنظام الصحّي والاستشفائي في لبنان، الى حدّ يوشك فيه العثور على حبة مسكّن ان يكون مستحيلاً جراء اللصوصية المستشرية في سوق الدواء.
لقد بات لبنان مصنّفاً من بين أكثر الدول تفشياً للوباء الكوروني، فهل العلاج يكون بإقفالات جزئية، اعترفت السلطة نفسها أنّها لم تكن مجدية، وآخرها اقفال 115 قرية وبلدة؟ فالشطارة ليست في اكتفاء المعنيين بالمعالجة، بإجراءات ترقيعية، وليست بالاكتفاء بتوصيف المشهد اللبناني، بالقول تارة اننا اقتربنا من النموذج الايطالي او الاسباني او لأي دولة منكوبة بالوباء، او بالتباكي تارة اخرى على وضع المستشفيات، بأنّ اسرّة العناية الفائقة صارت مشغولة بالكامل، أو بالإكتفاء تارة ثالثة بدعوة اللبنانيّين الى أن يحضّروا أنفسهم لموجة جديدة من التفشّي المستفحل مع قرب موسم المطر، وما الى ذلك من عبارات تخويفية للناس، بل أنّ الشطارة تكون بأن يحذو هؤلاء المرقّعون، حذو الدول التي تحترم نفسها وشعبها، ويتخذون القرار الصارم والحازم، حتى ولو كان الإقفال التام والشامل وإلزام كلّ الناس، فعلاً لا قولاً، بالتقيّد بإجراءات الوقاية والحماية حتى ولو بالإكراه. فمصير البلد لم يعدْ يحتمل هذا المنحى العبثي وقرارات مستنسخة عن قرارات فاشلة وفارغة.
10 آلاف مصاب يومياً!
الى ذلك، قال وزير الصحة حمد حسن: “الإقفال الجزئي لم يأتِ بالنتائج المرجوة، وهناك تطورات من ناحية عدد الإصابات وهي خطيرة ولا نحملها، ونطالب بإقفال عام في البلد لمدة اربعة اسابيع مع اجراءات صارمة”.
واشار حسن الى أنّ “عدد الاصابات بفيروس كورونا وصلت الى مرحلة خطيرة لم يعد بإستطاعة المستشفيات تحمّله، لاسيما انّ عدد الاسرّة التي يتمّ تجهيزها بالكاد تكفي للحالات المصابة”، منبّهاً من أنّ “أي تقصير في عديد التجهيزات للأسرّة سيكون له تداعيات على عدد الوفيات، ما سيؤدي الى ارتفاعه، والاخطر اليوم هو تسجيل عدد وفيات بفئات عمرية شابة”.
ولفت الى أنّ “تسجيل 1500 او 1700 اصابة يومياً، يعني انّ العدد يجب مضاعفته 5 مرات، ما يعني انّ هناك 10 آلاف مصاب يومياً، ومنهم من هم مع عوارض، وعددهم هو الذي يُسجّل يومياً، اما الباقون فهم دون عوارض وهم الأخطر”.
تشاطر سياسي
سياسيًّا، بات ملف التأليف أشبه بأحجية معقّدة؛ فالسلبيّات، ومن دون أيّ مقدّمات، طافت فجأة على السطح، لتمحو ايجابيات الأسبوع الأول الذي تلا تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، والتي صوّرت أنّ المسافة الفاصلة عن صدور مراسيم الحكومة هي مجرّد أيام معدودة. وعزّزت هذا المنحى، الأجواء التفاهمية التي جرى ضخّها من القصر الجمهوري في أعقاب كلّ لقاء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري. وهو ما تكرّر بعد اللقاء السادس امس بين الرئيسين، حيث اكتفت المعلومات الرسمية الموزعة عن اللقاء، بالإشارة الى انّ رئيس الجمهورية التقى الرئيس المكلّف وتابع معه درس ملف تشكيل الحكومة الجديدة، في جوّ من التعاون والتقدّم الإيجابي.
وفيما يوحي طرفا التأليف بأنّ الأمور لم تعد إلى نقطة الصفر، الّا انّ الاجواء العامة توحي بأنّ رقعة التباينات واسعة بين طرفي التأليف، خصوصاً مع الاجواء المتشنجة لدى كليهما، التي تتوالى مع تبادل كرة المسؤولية حيال تأخير ولادة الحكومة، بين من يحمّل هذه المسؤولية للحريري وبين من يحمّلها لفريق رئيس الجمهورية وتحديداً رئيس ”التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وبرز في هذا السياق، بيان لمكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية، أوضح “انّ التشاور في شأن تشكيل الحكومة يتمّ حصراً، ووفقاً للدستور، بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، ولا يوجد أي طرف ثالث في المشاورات، ولا سيما النائب باسيل، علماً انّ هذه المشاورات لا تزال مستمرة بما تفرضه المصلحة الوطنية العليا”.
ايجابية اضافية!
واذا كان لقاء الأمس بين عون والحريري قد ضخّ ايجابية اضافية على مسار التأليف، الّا انّ غياب اي اشارة حول نقاط الالتقاء والاختلاف بينهما، ابقى هذا الملف في دائرة الاحتمالات، خصوصاً وانّ اجواء الطرفين لا تملك معطيات تتيح لها تحديد موعد ولو تقريبي لولادة الحكومة، بل انّ هذه الاجواء تكتفي بالإشارة الى انّ الايجابيات تتراكم على خط التأليف، والامر الطبيعي في هذه الاجواء الّا تكون ولادة الحكومة متأخّرة.
ومن خارج ما قاله البيان الرسمي، كشفت مصادر مطلعة لـ ”الجمهورية”، انّ اللقاء امتد لساعة ونيف، وعُقد في الجناح العائلي من القصر، فدخل وخرج الحريري من بوابته الخاصة دون ان يرصده احد.
وحول ما انتهت اليه الزيارة قالت المصادر بكلمات معدودة: “هناك على ما يبدو تطورات ايجابية” ولم تزد بـ “كلمة واحدة”.
وفي المقابل، حافظت اجواء بيت الوسط على تكتمها ولم تزد اي عبارة على التوصيف الذي قدّمه مكتب الاعلام في قصر بعبدا عن اللقاء. ونقل احد زوار الحريري عنه قبيل الزيارة لـ “الجمهورية”: انّ هناك تفاهماً على موعد يوم الاربعاء المقبل (غداً)، ولكنه كان يفكر في خرق المسافة الفاصلة بين اللحظة والموعد، فأمسك هاتفه وتحدث الى الرئيس عون مباشرة وانتقل الى قصر بعبدا منعاً لتفاقم السيناريوهات والروايات التي تسيء الى المسعى الجاري لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن”.
ولمح الزائر الى انّ هذا اللقاء لن يلغي الموعد المقبل. دون ان يستبعد حصول زيارة أخرى قبل الاربعاء.
طريقة “الدكنجي”!
كيف كانت الاجواء ما قبل لقاء عون والحريري امس؟
مصادر واسعة الاطلاع اكّدت لـ”الجمهورية”، انّ “المعطّل لمسار التأليف هو سيادة منطق المحاصصة، والتأليف على “طريقة الدكنجي”، من حيث احتساب كمّ من المكاسب والمقاعد الوزارية التي سيحصل عليها هذا الطرف او ذاك، متجاوزين بذلك وضع البلد الذي انحدر الى المستوى الأسوأ في تاريخه”. وعرضت المصادر الخلاصات الآتية حول لقاءات عون والحريري:
- في اللقاءات الأولى بين عون والحريري، حكمت مقاربتهما لملف التأليف روح التعاون والتوافق على التعجيل بتوليد الحكومة، في مهلة لا تتجاوز نهاية الاسبوع الذي تلا تكليف الحريري، وذلك بعد التفاهم بينهما على الحقائب وأسماء الوزراء. لكنّ نظرة كلّ منهما الى حجم الحكومة لم تكن موحّدة، ذلك أنّ الحريري كان راغباً بحكومة مصغّرة من 18 وزيرا كحدٍ أقصى، فيما رئيس الجمهوريّة كان واضحاً في تأكيده على حكومة موسّعة ( 20 وزيراً فما فوق) يتولّى فيها كل وزير حقيبة، وليس أن تُسند الى الوزير أكثر من حقيبة، ما يؤدي الى ارباك وضعف في الانتاجية.
- في اللقاءات التالية، لم يتمكّن الرئيسان من التفاهم على حجم الحكومة، وهذه كانت أولى العِقد، وسرعان ما أُضيفت إليها عِقَد متتالية، تُرك الباب مفتوحاً لإعادة البحث فيها، ومن هنا جاءت الإشارة اللافتة إلى “التأني”، في أحد البيانات الصادرة عن المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية. وهذه العِقَد كما حدّدتها المصادر تكمن:
اولاً، حول موضوع المداورة، التي اصرّ رئيس الجمهورية على أن تكون شاملة كل الوزارات بما فيها وزارة المالية.
ثانياً، حول مصير الوزارات السيادية، فرئيس الجمهورية لم يمانع في الحصول على وزارة الداخلية الى جانب وزارة الدفاع، فيما الرئيس الحريري، الذي سلّم بإسناد الماليّة إلى الطائفة الشيعية، لم يمانع في أن تصبح الخارجية من حصّة السنّة، وثمة معلومات تردّدت من دون ان يؤكّدها أحد، من أنّه كان يسعى لإسناد وزارة الدفاع الى شخصية ارثوذكسية يسمّيها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وعلى ذمّة المعلومات غير المؤكّدة، فإنّ عون لم يقبل بذلك.
ثالثاً، حول حجم تمثيل تيار المردة، حيث يتحفّظ عون على تخصيصه بوزيرين مسيحيين.
رابعاً، حول تمثيل طلال ارسلان، حيث برز رفض شديد من قِبل الحريري على توزير شخصية محسوبة عليه، فلا هو شارك في استشارات التكليف، ولا هو شارك في الاستشارات غير الملزمة التي اجراها الحريري في مجلس النواب. قابله رفض في المقابل لحصر التمثيل الدرزي في الحكومة بوليد جنبلاط فقط.
خامساً، حول الثلث المعطل في الحكومة، الذي كان الحريري يسعى جاهداً لعدم توفيره لأي طرف في الحكومة، بما يجعلها عرضة للتهديد والتلويح به، امام اي قرار يمكن ان تتخذه، حتى ولو كان متعلقاً بشراء قرطاسية. فيما لم يبرز في المقابل اي حديث عن ثلث معطل، لكن برز اصرار على أن يكون غالبية الوزراء المسيحيين من حصّة رئيس الجمهورية وفريقه، اي 5 وزراء على الاقل، يُضاف اليهم الوزير الارمني، ومع الوزير الدرزي اذا ما تمّ توزير شخص محسوب على ارسلان، يصبح العدد 7 وزراء، ما يعني الثلث المعطل سواء بحكومة من 18 وزيراً او حكومة من 20 وزيراً.
سادساً، حول الحقائب الاساسية وكيفيّة توزيعها، وبرز في هذا السياق توجّه واضح لدى الرئيس المكلّف ليخرجها من يد “التيار الوطني الحر”، في مقابل رفض للتخلّي عنها، اسوة بوزارة المالية التي ثُبّتت من حصًّة الثنائي الشيعي وتحديداً من حصّة الرئيس نبيه بري، وبالتالي فلتُعامل الطاقة كما عوملت المالية، وإلاّ فلتكن مداورة شاملة تشمل كل الوزارات.
سابعا، كان ثمّة توافق مبدئي، على أن يتشاور الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية بأسماء الوزراء المسيحيين، ويتفقان على من سيتمّ توزيره، ولكن جاء في الأيام الأخيرة طرح مفاجئ يفيد بأنّ “غيرنا ليسوا احسن منا، فكما هم يسمّون وزراءهم، نحن (رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر) سنسمّي وزراءنا، ووزارة الطاقة من حصّتنا، ونحن سنسمّي وزيرها”.
ثامناً، والأهم، وهو انّ الاعتبار الشخصي هو الحاضر الأول والأكبر في كل هذه المباحثات، وعلى ما تؤكّد المصادر المطلعة، فإنّ الإعتبار الشخصي من كلا الجانبين، هو الذي يتحكّم بمسار الأمور من أوّلها الى آخرها.
عقدتان جديدتان
واضح مما تقدّم، أنّ هذه العِقد ليست سهلة الحل، وبلوغ قواسم مشتركة حولها يتطلب وقتاً وجهداً واستعداداً مشتركاً للحل، لكن في موازاة تلك العِقد، تبرز عقدتان كانتا كامنتين في موازاة اللقاءات المتتالية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف:
- العقدة الأولى، توزير شخصية مسيحية تسمّيها كتلة الحزب القومي، المؤلفة من ثلاثة نواب مسيحيين، وسمّت الحريري في استشارات التكليف، وكما تردّد فإنّ الكتلة تلقت وعداً من الحريري في توزير شخصية تسمّيها في الحكومة. ومعلومات المصادر تفيد بأنّ الحريري متحمّس لهذا التوزير، الّا انّ هذا التوزير إن حصل، سيأخذ وزيراً من حصّة رئيس الجمهوريّة والتيار الوطني الحر، يضاف الى وزير مسيحي سيسمّيه الحريري، وهذان الوزيران يُضافان الى وزيري المردة، فيصبح العدد اربعة وزراء، ما يحرم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر الثلث المعطل، بحيث تصبح حصّته 5 وزراء بحكومة من 18 وزيراً، و6 وزراء بحكومة من 20 وزيراً.
العقدة الثانية، توزير شخصية سنيّة يسمّيها “اللقاء التشاوري”، الذي سمّى نائبان منه الحريري ( قاسم هاشم وعدنان طرابلسي) اضافة الى النائب جهاد الصمد. وبحسب المعلومات، فإنّ اللقاء التشاوري سيطالب علناً بتوزير شخصية يسمّيها، على قاعدة عدم حصر التمثيل السنّي في الحكومة بالرئيس الحريري وبالرئيس نجيب ميقاتي فقط، وكذلك على قاعدة رفض تجاوز اللقاء الذي سمّى نصف نوابه الحريري، وتمييز كتلة نيابية مركّبة لطلال ارسلان هي في الاساس جزء من “تكتل لبنان القوي”، ولم تسمِّ الحريري في استشارات التكليف، فعلى اساس اي معيار يتمّ تمييز كتلة معيّنة وتمثيلها، واقصاء كتلة اخرى عن التمثيل؟
فتش عن جبران!
وفيما لاذ الرئيس المكلّف بالصمت حيال هذه التطورّات التي فرملت مسار التأليف، كان بعض المقرّبين منه يلقون مسؤولية الفرملة على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وقال احدهم ما حرفيّته: ”كانت الأمور ماشية، ولكن فتش عن جبران”.
ورداً على سؤال قال هؤلاء المقرّبون: “لقد عكفت بعض المنصّات على التشويش بالترويج عن أنّ الرئيس المكلّف سيبادر الى الاعتذار عن التأليف، فالرئيس الحريري بترشّحه لرئاسة الحكومة أخذ قراراً كبيراً ولن يتراجع عنه قيد انملة، فضلاً عن أنّ وضع البلد لا يسمح له بأن يتراجع، فهو جاء الى رئاسة الحكومة بمشروع وحيد ومعلن عنوانه الفرصة الاخيرة وتطبيق المندرجات الاصلاحيّة والانقاذية للمبادرة الفرنسية، واذا كان هناك من يريد ان يفشّل هذا المشروع فليتحمّل مسؤوليّته وحده”.
وقالت مصادر “تكتل لبنان القوي” لـ”الجمهورية”: “من الاساس عبّرنا عن موقفنا بأننا سنكون مسهّلين لتأليف الحكومة، وانما وفق معايير واضحة ومتساوية وعادلة للجميع. الّا انّ ما نراه هو محاولة تأليف للحكومة بمعايير خارج سياق المبادرة الفرنسية”.
ورداً على سؤال حول التمسّك بوزارة الطاقة، اكّدت المصادر على ذلك، وقالت: “لقد كان بيان الهيئة السياسية للتيار الوطني الحر واضحاً ولا لبس فيه، لجهة التأكيد على حكومة مؤلفة على قاعدة المساواة والتساوي بين اللبنانيين، وكذلك على حق كل طائفة أو مكوّن او فريق سياسي بالحصول على أي حقيبة وزارية، من دون التسليم بوجود موانع، هي أصلاً غير دستورية، هذا هو موقفنا ولن نتراجع عنه”.
لا معايير
وسط هذه الاجواء، يؤكّد قطب نيابي لـ”الجمهورية”، ان “ما يبرز من تعقيدات مردّه الى المساحة الواسعة من التباينات بين طرفي التأليف، والى عدم وضع معايير جدّية للتأليف، كان يفترض حسمها في اللقاء الأول بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. حيث لا معايير في توزيع الوزارات على الطوائف، ولا حول التوزير واي كتل سياسية او نيابية ستسمّي الوزراء، كذلك لا معايير حول المداورة او كيف ستُعتمد، مع التأكيد أنّ هذه المداورة تبدو حتى الآن عنواناً كبيراً غير قابل للتطبيق، ولا يجب الّا نتجاوز أنّ موضوع اسناد وزارة المالية الى الشيعة، ولشخصية يُسمّيها الرئيس بري، ما زالت محلّ تحفّظ بالغ لدى رئيس الجمهوريّة وفريقه”.
راحت اسابيع!
الّا أنّ مصادر معنيّة مباشرة بملف التأليف اكّدت لـ”الجمهوريّة”، انّه ”على الرغم من أنّ الأجواء تبدو مقفلة حالياً على خط التأليف، الّا انّ الباب ليس مقفلا بالكامل امام تحقيق خرق ايجابي في أي لحظة”.
وقالت المصادر: “مسار التأليف حالياً، هو في ربع الساعة الاخير، وخلال هذا الربع سيتحدّد ما إذا كانت الإيجابيات ستغلب السلبيات او العكس، والجهود منصبّة حالياً لتغليب الإيجابيات، في ظل قناعة يفترض أنّها موجودة لدى الجميع، بأنّه إن لم تتشكّل الحكومة في خلال الاسبوع الجاري، وفي غضون يومين او ثلاثة أيام على الأكثر، معناه اننا سندخل في مشكلة، وراحت الحكومة أسابيع من التعطيل، ويدخل مسار التأليف خلالها في لعبة “دومينو” خطيرة تفتح فيها الشهيات وتتدحرج فيها الطلبات التعجيزية من هنا وهناك، تضيع معها كل ابواب المخارج”.
ولفتت المصادر، الى انّ حل الخلاف على حجم الحكومة، سيؤدي فوراً الى أن “تكرج” الحلول حول كل الامور الاخرى، علماً انّ الخلاف على أن تكون من 18 وزيراً او من 20 وزيراً، مبالغ فيه، فلا حكومة الـ18 تؤذي عون وفريقه، ولا حكومة الـ20 تزعج الحريري، فكلاهما لا يؤدّيان الى ثلث معطل.
ما علاقة الانتخابات؟
يبرز في هذا السياق، موقف لمرجع مسؤول، حيث اكّد لـ”الجمهورية”: ”المطلوب حكومة بالامس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، وأستغرب ما يذهب اليه البعض في تحليلاتهم الى ربط الحكومة في لبنان نفسياً بالانتخابات الرئاسية الاميركية، ويصورها كجزء من الحملة الانتخابية لدونالد ترامب وجو بايدن، فدعونا نتواضع قليلاً، ما علاقتنا بهذه الانتخابات، بل اين نحن من هذه الانتخابات، الاميركيون “مش شايفينا”.
واذ لفت المرجع الى “اننا كنا نأمل أن تؤلّف الحكومة قبل الانتخابات الاميركية، ولكن اما وانّ الوقت قد سبقنا، فما زال الوقت متاحاً لأن تولد قبل نهاية الاسبوع الجاري”. الّا أنّ ما يخشى منه المرجع المسؤول، هو ان تكون في خلفيّة البعض ان ينتظر أيّ إدارة أميركية ستأتي مع الانتخابات، ممنِّيا نفسه بأنّها قد تحمل معها ما قد يفرض تغييرات نوعية في مشهد المنطقة، ومن ضمنها لبنان. فإذا كان ثمة من يفكر بذلك، فهذا معناه تعطيلاً طويلاً وفراغاً حكومياً وبلداً ينهار اكثر، وتكون في يدنا فرصة انقاذية وقد اعدمناها نهائياً.
وسأل المرجع: “إنْ اعدمنا هذه الفرصة المتاحة امامنا لتشكيل حكومة ولو بحدٍ معقول من الشراكة في عملية الانقاذ الذي يتطلبها البلد سريعاً، فمن سيأتي لنجدتنا؟ الفرنسيون منهمكون بوضعهم الداخلي وهيهات ليخرجوا منه، والادارة الاميركية بعد انتخابات، لا احد يعرف هويتها، فإن عاد ترامب، فالسياسة الاميركية هي ذاتها حيال لبنان ولن تتغيّر، واما اذا جاء بايدن، فسيتسلم زمام الحكم في شباط، وحتى تتشكّل ادارته تحتاج الى ثلاثة او اربعة اشهر وربما اكثر، وهنا نسأل من يراهن على انتظار متغيّرات يعتقد انّها قد تفيده: هل يستطيع لبنان ان ينتظر مزيداً من الوقت المهدور، وأي حال سيكون عليه لبنان إن بقي بلا حكومة حتى ذلك الوقت؟”.