في اليوم التالي لاستشارات التأليف الحكومي النيابية والمشفوعة ببعض المشاورات السياسية التي يجريها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي علناً او بعيداً عن الاضواء، برزت مؤشرات على رغبة لدى الجميع بتوليد الحكومة العتيدة قريباً وإذا امكن قبل الذكرى السنوية الاولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب المقبل. وكان من أبرز هذه المؤشرات لقاء ميقاتي الثاني مع رئيس الجمهورية ميشال عون في خلال 24 ساعة، على أن يكون لهما لقاء ثالث بعد ظهر اليوم في ظل تأكيد ميقاتي إمكان “ان نصل الى حكومة في القريب”، مشيراً الى انه قدّم لرئيس الجمهورية لائحة بتوزيع الحقائب الوزارية، وانّ اقتراحاته لاقت بمعظمها قبولاً لدى رئيس الجمهورية، مؤكداً أنه اخذ بالاعتبار “كافة ملاحظات فخامته وهي موضع قبول”.
المناخ السائد منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي يبعث على الاعتقاد بأنّ نفسا سياسيا جديدا سيُقارب تأليف الحكومة.
قد يصح هذا الإعتقاد، وفي ذلك مصلحة للبنان حتماً، لكن تجربة التعطيل التي امتدت على نحو سنة من المماحكات تبعث على الحذر الشديد من ان يكون المناخ السائد حالياً مجرّد نوبة تفاؤل مؤقتة، سرعان ما سينتهي مفعولها عندما يغوص الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي في تفاصيل التشكيلة الحكومية اكثر فأكثر، علماً أنّ بعض الاشارات قد بدأت تتعالى في اجواء اللقاء الثاني الذي عقد بينهما امس، توحي بضابية داكنة، توازَت مع كلام عالي السقف من جانب الفريق الرئاسي يحذر الرئيس المكلف من أن يكون ضحية جديدة من ضحايا الرئيس سعد الحريري.
في هذه الأجواء، زار الرئيس المكلف القصر الجمهوري للمرة الثانية خلال 24 ساعة وبحث مع رئيس الجمهورية في مسودة حكومية من 24 وزيراً. تقاطعت المعلومات حولها بأنّها مشوبة بعقدة كبيرة تتمثّل في مصير وزارة الداخلية، خصوصاً انها مُحاطة برغبة عون في أن تبقى من حصته، فيما يتمسّك الرئيس المكلف بأن تكون من ضمن الحصة السنية.
وعكس الرئيس المكلّف، بعد اللقاء مع عون الذي استمر لنحو نصف ساعة، أجواء غير متشنجة بقوله: “نسعى والرئيس عون إلى تشكيل حكومة بأقصى سرعة، وقدمتُ اقتراحاتي ومعظمها لاقى قبولاً لدى الرئيس عون، وأنا آخذ كل ملاحظات فخامته في الاعتبار، وان شاء الله نصل إلى حكومة قريباً”. وخلص إلى القول: “إسعَ يا عبدي لأسعى معك، وانشالله يكون في حكومة قريباً”.
وفيما افادت مصادر مطلعة انّ عون وميقاتي سيلتقيان اليوم ايضاً من اجل مزيد من النقاش، تحدثت معلومات عن انّ رئيس الجمهورية أبدى ملاحظاته على تصوّر ميقاتي على ان يتوسّع بالملاحظات بعد درسها بما يتناسب والتوجهات المتّفَق عليها. وقالت المصادر: “الموضوع لا يقتصر على حقيبة بل انّ التوزيع العام للحقائب ما زال محط أخذ ورد، وكل عملية التوزيع ما زالت قيد البحث”، معتبرة أنّ حقيبة وزارة الداخلية قد تكون واحدة من العناوين البارزة.
واعلنت رئاسة الجمهورية انّ عون تابعَ مع الرئيس المكلف درس موضوع الحكومة العتيدة، وانّ ميقاتي قدم له لائحة بتوزيع الحقائب الوزارية واطلع عليها تمهيداً لإبداء ملاحظاته عليها ودرسها في العمق بما يتناسب مع التوجهات العامة للحكومة الجديدة، وستستكمل البحث بعد ظهر غد (اليوم).
وفي رواية ثانية كشفت مصادر، اطّلعت على مضمون اللقاء الثاني بين عون وميقاتي، انّ الاخير سلّم رئيس الجمهورية لائحة بتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف وهي تشكيلة من 24 وزيراً، كما تم الاتفاق منذ اللقاء الاول بينهما بعد الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها ميقاتي أمس الأول.
وقالت المصادر لـ”الجمهورية” انّ عون سجل سلسلة من الملاحظات بعد الاطلاع على الهيكلية التي قدمها ميقاتي، خصوصاً انه اقترح إبقاء وزارتي الداخلية والعدل في عهدته ووضعهما في لائحة الوزراء السنة، مع انّ ميقاتي يعرف ان رئيس الجمهورية يطالب بهما.
وقالت المصادر انّ عون سجل ملاحظات على حقائب اخرى من الحصة المسيحية، ولم توفّر الهيكلية الجديدة له ما أراده من توزيعتها. وبينم لم تَشأ المصادر الاشارة الى الحقائب التي خضعت لملاحظات عون، قالت ان حقيبة وزارة الطاقة ليست من بينها ولا حقيبة الشؤون الاجتماعية.
واكدت المصادر القريبة من بعبدا انّ المناقشات كانت جدية، ونقلت عن ميقاتي قوله انه سيتشاور مع مَن سمّاهم حلفاءه قبل العودة اليوم الى بعبدا.
وعلمت “الجمهورية” انه في نهاية اللقاء اتفق الرئيسان على العودة الى لقاء يعقد اليوم بينهما لاستكمال البحث في عملية توزيعة الحقائب بعدما اعتبرت بعض ملاحظات الرئيس حول الحقائب غير الامنية والعدلية قابلة للنقاش، ما يعني انّ باب المفاوضات لم يقفل كما حصل من قبل بين عون والحريري.
في المدار الايجابي
وفي رواية ثالثة، اكدت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ ملف تشكيل الحكومة لا يزال في المدار الايجابي. واضافت انّ التفاوض لا يزال في الـ positive zone ونفس الايجابية يطغى على المفاوضات بين عون وميقاتي طالما لا يزال البحث في الاطار العام، ولم يشهر أي طرف بعد سلاح الشروط والمطالب الاساسية في انتظار الانتقال الى العمق. وكشفت المصادر انّ عون لم يعترض على التوزيعة الطائفية للحقائب السيادية التي قدمها ميقاتي وهي التوزيعة التقليدية ولم تشملها المداورة، واكتفى بوضع الملاحظات على نقاط تتعلق بتوزيعة الحقائب الاخرى، كما انه لم يبدِ تمسكاً بوزارة الطاقة. ورأت المصادر انّ المناخ السائد حالياً يسمح بالقول ان التأليف يمكن ان يتجاوز بعض الالغام، لكنّ العبرة تكون عند الدخول في الاسماء وإسقاطها على الحقائب والتوزيعة النهائية لها، وصولاً الى الثلث المعطل الذي سيبرز حتماً عند إسقاط الاسماء وتوزيع الحصص.
ميقاتي
وفي موقف لافت، حذر ميقاتي، عبر وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، من “تداعيات انهيار لبنان”، قائلاً: “إذا وصل لبنان إلى انهيار كامل، فإنّ ذلك سيكون قنبلة تصدم الشرق الأوسط بكامله”. ولفت إلى أنه “لن يستطيع إخماد الحريق”، وقال: “لكنني سأمنع انتشاره وآمل فعل ذلك في أول 100 يوم في المنصب”.
وفي تأكيد لتصريحاته السابقة، أكد ميقاتي أنه “يحظى بالدعم الدولي اللازم من جانب الاتحاد الأوروبي، لا سيما منه فرنسا”. وقال: “أنا واثق من أن الولايات المتحدة ستكون منفتحة لتقديم الدعم أيضاً”، وذلك إلى جانب المساعدات الأميركية للجيش، كما لفتت الوكالة. وردا على سؤال، قال: “يتعيّن على وزير المال العتيد أن يكون قادراً على التواصل مع صندوق النقد الدولي والشركاء المحتملين في الخارج والتعامل مع المصرف المركزي”، مشيراً إلى “نيته الاضطلاع بدور رئيسي على مستوى صناعة القرارات المالية”، متحدثاً عن “خبرته في عالم المال والأعمال”، وقال: “سأبدي رأيي بكل القرارات المتعلقة بالشؤون المالية والاقتصادية”.
باسيل
ولفت في السياق الحكومي، موقف لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، حيث قال: “اذا كان لا بد من نصيحة أعطيها للرئيس ميقاتي فهي الا يتحوّل ضحية خامسة لسعد الحريري بعد محمد الصفدي وسمير الخطيب، وبهيج طبارة ومصطفى اديب، وصَفّى نفسه”.
واشار باسيل إلى “اننا نحن وحدنا الذين سمّينا وزراء غير منتمين الينا سياسياً في حكومة حسان دياب و3 من بينهم لم أكن اعرفهم، واليوم نقول: أعطونا إصلاحات وخذوا ثقة. صيغة الثلاث ثمانات لم تولد اصلاً، ولم نكن لنسمح بولادتها لأنها نوع من انواع المثالثة”. وقال: “لن نمنح الحكومة الثقة اذا تمّ تثبيت وزارة المال للشيعة، وجرى تدوير الحقائب المتبقية”.
قاسم
وقال نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم: “اذا تم تخطّي الخلاف الذي كان قائماً مع الرئيس الحريري، فنحن امام فرصة ثمينة لانتشال البلد وتشكيل حكومة”.
قلق روسي
وكانت الخارجية الروسية قد اصدرت بيانا لافتا في مضمونه أعلنت فيه “في 26 تموز 2021 بناء لنتائج الاستشارات النيابية الملزمة كلّف فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون السياسي نجيب ميقاتي، الذي كان قد شغل منصب رئيس الوزراء مرتين، بتشكيل مجلس الوزراء”.
وأضاف البيان: “مع الأخذ في الاعتبار الواقع اللبناني، سيواجه الرئيس نجيب ميقاتي مهمة صعبة. ومع ذلك، فإننا نأمل في التشكيل السريع لحكومة ذات كفاءة تتمتع بدعم القوى السياسية الأساسية اللبنانية ويلبي ذلك المصالح الوطنية الحقيقية للجمهورية اللبنانية التي تربط روسيا بها العلاقات الودية التقليدية. ونعتبر أن الأداء الفعّال لمؤسسات الدولة هو المفتاح لضمان سيادة لبنان ووحدة أراضيه”.
ووفق البيان: “ندعو ممثلي جميع الأوساط الاجتماعية والسياسية والطائفية اللبنانية إلى إبداء نهج مسؤول والاستعداد للحوار البناء ولإيجاد الحلول التوافقية مراعاةً للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها لبنان”.
إستعجال بريطاني
في السياق نفسه أكد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جيمس كليفيرلي أنّ “الشعب اللبناني يحتاج إلى حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الموعودة منذ فترة طويلة، ولا ينبغي لقادة لبنان أن يضيعوا مزيداً من الوقت”. وأشار في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنّ “المجتمع الدولي على استعداد للمساعدة ولكن يجب أن يتحركوا الآن”.
حذر سياسي
الى ذلك، قال مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”: ان لا مجال للتفاؤل وسط هذا الغموض، ولنكن صريحين، لا أحد يستطيع ذلك لأن تفاءلنا في السابق فأخفقنا، ودعونا لا نفشل من جديد، ولنتفاءل عندما نرى الحكومة وقد تشكّلت”.
ولفت المرجع الى “ان لا أحد ممّن لهم علاقة بالملف الحكومي يملك ادنى معلومة عما اذا كانت الاسباب التي عطلت تشكيل الحكومة لنحو سنة قد انتفت ام انها ما زالت موجودة. انا من جهتي اشعر انه لم يتبدل شيء حتى الآن، واخشى ان نصطدم بالحائط مجدداً”. وقال: “انا اسعى الى جواب عن سؤال من شقين ولا اجده، الشق الاول ماذا لو ان اسباب التعطيل السابقة ما زالت موجودة، هل ثمة مجال لتفاهم الرئيسين على حكومة؟ والشق الثاني، ماذا لو ان هذه الاسباب قد زالت بالفعل، فعلى اي أسس جديدة سيبنيان هذا التعاون؟”. واستدرك قائلاً: “انا مِمّن يستبعدون الاحتمال الثاني بأن اسباب الخلاف السابقة قد زالت، ولذلك، ما احذّر منه هو ان التفاهم يجب ان يكون سريعاً بين عون وميقاتي، وان يكون التعاون بينهما على قاعدة وحيدة هي مصلحة البلد، وليس مصلحة السقوف التي ارتفعت وعطّلت تأليف الحكومة في السابق وجرّت البلاد الى الخراب”.
وخلص الى القول: “ان عدم التفاهم، والمراوحة في الجدل العقيم، وتكرار زيارات للرئيس المكلف من دون ان تصل الى الهدف المنشود، معناه هذه المرة انّ حلبة التأليف ستفتح على جولات جديدة من نزاع الشروط والمعايير والصلاحيات، وهذا معناه كسر كل إمكانيات الانفراج، واعادة إشعال توترات وحريق سياسي ينحدر فيه حال البلد الى وضع مستحيل ان يُحتوى في صعوبته”.
الحريري نادم
من جهة ثانية، قال الحريري: “إنني نادم على التسوية التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية”. ولفت عبر “سكاي نيوز” الى أن “من مصلحة لبنان أن ينجح الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي في مهمته”، مؤكداً “اننا ندعمه بقوة”. واشار من جهة أخرى، الى “أننا ضد تغيير اتفاق الطائف لكن مواقف بعض الأحزاب تسعى لتثبيت الفراغ”.
السيسي والجيش
وفي تطوّر بارز، لبّى قائد الجيش العماد جوزف عون دعوة نظيره رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمد فريد لزيارة مصر، بهدف البحث في سبل استمرار دعم الجيش وتعزيز العلاقة بين الجيشين.
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العماد عون، وأكّد اعتزازه بعمق “العلاقات الوطيدة بين مصر ولبنان على المستويين الرسمي والشعبي، وحرص مصر على سلامة لبنان وأمنه واستقراره ومصلحته الوطنية”. وثمّن السيسي “الدور الأساسي الذي يقوم به الجيش اللبناني للحفاظ على الاستقرار والتوازن في لبنان، وذلك في إطار ما تمثّله الجيوش الوطنية كعمود فقري ضامن لتماسك الدول واستقرارها”.
بدوره، اكد قائد الجيش حرص لبنان على تعزيز العلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط الدولتين الشقيقتين، والتي تقوم على أسس من التضامن والأخوة، مع الإعراب عن تقدير بلاده للجهد المصري في دعم لبنان والجيش اللبناني في كل المجالات، امتداداً لدور مصر المحوري في حفظ الاستقرار في المنطقة العربية بأسرها”.
الجمهورية