الثلاثاء, نوفمبر 26
Banner

بيان صادر عن قيادة حركة فتح – الساحة اللبنانية

صدر عن قيادة حركة فتح-الساحة اللبنانية البيان التالي:

في الثاني من تشرين الثاني في العام 1917 اتضحت أبعاد المؤامرة المرسومة والمخطط لها منذ العام 1897 في مؤتمر بازل الصهيوني بوجود القيادة الصهيونية العالمية. لقد جاء وعد بلفور بعد أن تمَّ حسم نتائج الحرب العالمية الأولى بزعامة بريطانيا وفرنسا وهزيمة تركيا وألمانيا. وفي هذا الوعد وُضع حجر الأساس الفعلي في إقامة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية التاريخية، واستخدام كل أشكال التآمر، والتحضير العملي من خلال تدريب العصابات الصهيونية، التي تمَّ تجميعها من دول العالم في الأراضي الفلسطينية، وتدريبها، وتسليحها وتعبئتها لتمارسَ القتلَ والإجرام والعنفَ بكل أشكاله، بما في ذلك المجازر في مختلف القرى، والتي طالت النساء، والأطفال، والرجال المسنين دون رحمة. والهدف الأول كان دفع من تبقى من الأهالي في قراهم ومدنهم إلى الهجرة خارج الأراضي الفلسطينية، حتى يتم إقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، واحتلال الأرض، والسيطرة الأمنية والعسكرية على الأراضي التي يعتبرونها زوراً وبهتاناً أرض الميعاد أي الأرض التي سيعود الصهاينة إليها لإقامة دولتهم.

إن هذا الأمر لم يكن ليحصل لولا التواطؤ الدولي مع الحركة الصهيونية، ولولا التخاذل العربي، حيث تُرك شعبنا يواجه قدره بنفسه، بعد أن حُرِم من السلاح والذخيرة والسند العسكري العربي – إلاَّ من رحم ربي-، ولكنَّ المؤامرة كانت مكتملة ومدروسة جيداً. فوعد بلفور البريطاني للحركة الصهيونية وجد حاضنته الفعلية في قرار الانتداب البريطاني الذي شمل الأراضي الفلسطينية، حتى تتمكن بريطانيا خلال فترة الانتداب من التحكُّم والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، واستقبال مئات الآلاف من العصابات الصهيونية، وتدريبهم، وتسليحهم، وتوحيد ثقافتهم ولغتهم العبرية، حتى يكونوا على أتم الاستعداد للسيطرة العسكرية بعد المجازر، وتأسيس كيان غريب على هذه الأرض العربية الإسلامية المقدسة والمباركة.

إنَّ وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا الذي وجهه إلى البارون المليونير روتشيلد اليهودي البريطاني، اكد له ” أنَّ حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وسوف لا يُسمح بإجراء شيء يُلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن، أو بالحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى، وبمركزهم السياسي فيها”.

وللأسف فإن هذه المخططات الصهيونية كانت تُترجم على أرض الواقع وبشكل دقيق، علماً أنَّ الشعب الفلسطيني كافح وجاهد وضحَّى بكل ما يملك، وهذا واضح في مختلف المحطات التاريخية، فرغم الانتداب الجائر الذي خرجَ عن مفهومه السياسي كقرار دولي، ليصبح إستعماراً يعمل في خدمة المشروع الصهيوني، الرامي إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني، وتأسيس الكيان الصهيوني على هذه الأرض المقدسة والمباركة، التي سكنها الكنعانيون واليبوسيون والعرب الفلسطينيون منذ اكثر من خمسة الآف سنة قبل الميلاد.

لقد كان شعبنا الفلسطيني الحارس الأمين على أرضه ومقدساته، ولكنَّ المؤامرة عليه وعلى وجوده كانت عالمية، وتحمَّل وحده الأعباء المدمِّرة التي استهدفته وعملت على تشريده في شتات الارض. لكنَّ التاريخ يشهد أنَّ الروح الوطنية في شعبنا جعتله يواصل التحدي منذ وعد بلفور، وثورة البراق، وثورة العام 1936، والصدامات المتواصلة حتى كانت معركة القسطل، والمجازر التي ارتكبت في مختلف الأراضي الفلسطينية، والتنكيل بالأهالي، وتشريدهم من أرضهم لصالح العصابات الصهيونية المسلَّحة، والاستعمار الدولي الذي مارس كل أنواع وأشكال الإجرام ضد شعبنا، في ظل صمتٍ عربي ودولي مرعب، وبات هذا الخطر لا يهدد فقط الشعب الفلسطيني خاصة بعد الصمت على قرار التقسيم رقم 181 العام 1947.

واليوم بعد أن وصلنا إلى المحطة الأبرز وهي صفقة القرن التي تبناها الرئيس الأميركي الصهيوني الأنكليكاني بالتحالف مع نتنياهو، لاستكمال تنفيذ الشعار الصهيوني المعتمد منذ ما قبل وعد بلفور وهو (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، وكل ما يجري اليوم من إجراءات، وتعديلات، وتغييرات جوهرية على الأرض يصبُّ في هذه الخانة.

ولا شك أن تبعات هذه الصفقة الصهيونية ألقت بثقلها على الشعب الفلسطيني وكيانه السياسي منظمة التحرير الفلسطينية، وحاولت تمزيق واضعاف هذه المنظمة عبر تكريس الانقسام منذ أربعة عشر عاماً وحتى الآن، كما أنها مزَّقت وأضعفت الأمة العربية، وأنهكتها اقتصاديا، وأربكتها أمنياً، وحاصرتها عسكرياً، وفرضت عليها ضرورة التطبيع علناً وليس سراً، وأصبح الصهاينة الغزاة يسرحون ويمرحون دون حسيب أو رقيب.

كل هذا يجري لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، وضرب القضية الفلسطينية في ظل الصمت العربي وتواطؤ البعض الآخر، أما المجتمع الدولي فيقف عاجزاً، أو متواطئاً، أو متفرجاً.

أمام كل هذه التحولات الخطيرة فإنَّ شعبنا الفلسطيني سيظل متمسكاً بحقوقه الوطنية والسياسية والمشروعة، وسيواصل كفاحه الوطني مهما كانت التكلفة باهظة، فالوطن المقدس هو أغلى شيء في وجودنا، ولن نساوم.

نحن ندرك أبعاد المشروع الصهيوني الحالي، لكننا نسعى باستمرار لحفظ الأمانة التي تركها لنا الرمز ياسر عرفات، وهي نفسها التي يتمسك بها الرئيس أبو مازن، ونحن سنبقى على العهد متمسكين بثوابتنا في الداخل وفي الشتات، وسنعمل جاهدين على تجسيد الوحدة الوطنية، والحفاظ على الأرض الفلسطينية موحَّدةً، وعاصمتها القدس، من أجل تأدية الأمانة التي عاهدنا شهداءنا عليها، ونحن لسنا الشعب الذي يساوم على حقوقه، ولا نحن الشعب الذي يبيع ويشتري في القضايا الوطنية، ولا نحن الشعب الذي يخون الأمانة مهما دارت علينا الدائرة، ففلسطين دائماً قبلتنا.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

والعزة والحرية لأسرانا البواسل.

والشفاءُ للجرحى.

وانها لثورة حتى النصر.

Comments are closed.