جاء في صحيفة “الجمهورية” : بعجلة ولكن بلا استعجال يعمل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على تأليف حكومته موزّعاً تحركه بين اتصالات ولقاءات معلنة وغير معلنة في محتلف الاتجاهات الداخلية والخارجية، وبين لقاءات تشاور واطلاع واستطلاع يواظب على عقدها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي كان منها لقاؤه الثالث معه بعد ظهر امس على ان يلتقيا مجدداً الاثنين المقبل، أللهم الّا اذا طرأ ما يفرض انعقاده قبلاً. وقد بات واضحا ان الحكومة العتيدة ستضم 24 وزيرا، 18 منهم من ذوي الاختصاص في مختلف المجالات، علماً أنّ الستة الآخرين سيكونون وزراء دولة بلا حقائب. ولكن مع الدخول في تفاصيل توزيع الحقائب بدأت تبرز بعض التباينات بين المعنيين، والتي تبعث على الخوف من تأخر إنجاز الاستحقاق الحكومي خلال فترة الشهر التي حددها ميقاتي لنفسه.
اربعة ايام على التكليف وثلاث لقاءات في مشوار التأليف والمناخات يمكن وصفها بالجيدة حتى الآن، فالرئيس المكلف الذي عقد اجتماعاً يُعدّ الأطول هذا الاسبوع مع رئيس الجمهورية تسلّحَ بالمرونة وقلة الكلام. وبحسب قول مصادر مطلعة على الملف الحكومي لـ”الجمهورية” فإن تقدماً كبيراً أحرز خلال البحث في مسودة الحكومة التي سلّمها ميقاتي لعون والخالية من الاسماء، وهذا ما عكسه البيان الذي وزعته رئاسة الجمهورية بعد اللقاء.
وأكدت هذه المصادر ان تقدماً شمل الحقائب غير السيادية التي حصل اتفاق عليها بنسبة 90 % لجهة التوزيع الطائفي وفق الصيغة التي قدمها ميقاتي، اما الحقائب السيادية فلا تزال قيد الدرس والبحث والتشاور كون عون يصرّ على إسناد وزارة الداخلية لمسيحي يسمّيه هو ويوافق عليه ميقاتي، لكنّ الاخير لا يحبذ المداورة الجزئية ويفضل الابقاء على التوزيع الطوائفي التقليدي للحقائب السيادية، اي ترك وزارة الداخلية للطائفة السنية. ولم ينتهِ النقاش في هذا الامر وتم الاتفاق على استكماله الاثنين المقبل.
واكدت المصادر نفسها ان عون وميقاتي متفقان على الانتهاء سريعاً من عملية التأليف تمهيداً لولادة سريعة. ولفتت الى ان ميقاتي لديه المرونة والحنكة للوصول الى تفاهم، ومعروف عنه انّ نفسه طويل مع فارق انه هذه المرة لا يسعفه الوقت وانّ سلة التنازلات ليست من جيبه وملكه وحده. وعليه، فإن الايام الثلاثة الفاصلة عن الاثنين يفترض ان تحدد مسار التعاون بين عون وميقاتي، فإمّا أن يكمل بوتيرة “توربو” وإما تعلق النقاط الخلافية في الشباك السياسية.
وكان اللقاء الثالث بين عون وميقاتي قد انعقد الرابعة بعد ظهر امس في القصر الجمهوري، وعرضا خلاله لمسار تشكيل الحكومة الجديدة. وافادت “الوكالة الوطنية للاعلام” الرسمية انهما “تبادلا الآراء في الصيغ المقترحة لتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف في أجواء إيجابية، تعكس تقدماً في مسار التشاور بينهما لتأمين ولادة سريعة للحكومة العتيدة، وسيلتقيان مجددا الاثنين المقبل لاستكمال البحث”.
وسئل ميقاتي لدى مغادرته القصر الجمهوري عن أجواء اللقاء، فأجاب: “لن أتحدث كل يوم، وان اللقاء المقبل سيكون يوم الاثنين”.
بدء الصمت
وبعد هذا اللقاء الثالث الذي عدّ الأطول بين الرجلين منذ ان دأب ميقاتي على زيارة القصر الجمهوري يومياً منذ الانتهاء من استشاراته النيابية غير الملزمة الثلاثاء الماضي، بدأت مظاهر الخلافات حول توزيعة الحقائب بالظهور في إشارة توحي الى ان مرحلة الحديث عن تفاهمات بدأت تتقلص. ولو لم تكن هناك نية لإستمرار الاتصالات، لقيل ان العملية عادت إلى حيث انتهت مهمة الحريري في 15 تموز الجاري.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انه في مقابل اقفال اي نقاش لعدم احتفاظ الثنائي الشيعي بوزارة المال، برز إصرار عون وميقاتي على الاحتفاظ بحقيبتي وزارتي الداخلية والعدل، وهو ما بدأ يترجم في مفاوضات معقدة بينهما لم تأت بجديد. ومن اولى مؤشرات الخلاف في وجهات النظر حول مصير هاتين الحقيبتين توقف ميقاتي عن التصريح اليومي بعد كل لقاء. وفي إشارته على هامش مغادرته بعبدا من دون ان يعتلي المنصة الاعلامية بأنه سيعود للقاء عون الاثنين المقبل، جاءت الإشارة الثانية التي ترجمتها المهلة الطويلة الفاصلة بين اللقاءين الثالث بينهما والرابع المنتظر، فمسافة الايام الاربعة الفاصلة عن اللقاءين لا توحي بأنّ حلحلة ما يمكن ان تتحقق وان هناك تشكيكا في إمكان معالجة الخلافات التي على ما يبدو انها تحتاج الى مثل هذه الفترة الطويلة لتذليلها في ظل غياب اي وسيط محلي او خارجي.
إعادة توزيع للحقائب العادية
وكشفت مصادر اطلعت على نتائج اللقاء لـ”الجمهورية” ان عون وميقاتي أنجزا إعادة نظر في الحقائب العادية، وجرت عمليات تبادل بين البعض منها توافقياً، ما يُعد إنجازا محدودا بعدما سوّيت بعض الإشكالات في انتظار التفاهم على مصير الحقائب السيادية التي تركت الى اجتماع الإثنين المقبل.
الرعاية الدولية
وعلى رغم اجواء التشاؤم، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية” ان الرعاية الاوروبية لمهمة ميقاتي ما زالت قائمة، ويمكن إضافة الجهود الروسية والبريطانية والاميركية اليها من خلال المراقبة الدقيقة والمتابعة اليومية لمراحل المفاوضات.
موقف روسي
وفي هذا الإطار أعلنت الخارجية الروسية في بيان انه “في 29 تموز (أمس) بناء لاتفاق مسبق تمّ اتصال بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الاوسط وبلدان افريقيا نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، واثناء الحديث اكد الطرف الروسي ترحيبه بقرار رئيس جمهورية لبنان ميشال عون بعد الاستشارات النيابية الملزمة مع الكتل النيابية، بتكليف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة اللبنانية، متمنّين له الاسراع في تنفيذ مهمة تشكيل حكومة مهمة قادرة على ان تحصل على دعم قوى سياسية وطائفية اساسية في لبنان. وتم التطرق ايضاً الى بعض المواضيع الملحة وضرورة تطوير علاقات الصداقة التاريخية الروسية – اللبنانية، بما فيها تعميق الحوار السياسي وتطوير التعاون الهادف لتخفيف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يوجهها المجتمع اللبناني”.
ميقاتي والثقة بالدولة
وكانت مصادر الرئيس المكلف قد اشارت قبل لقائه مع عون إلى “انّ استعادة الثقة الخارجية بالدولة ومؤسساتها تحتاج الى حكومة تحوز على ثقة الاطراف كافة وتضم اختصاصيين مستقلين بعيدين عن الأجواء الحزبية، لتتمكن من انجاز الاصلاحات المطلوبة بعيداً من اي اصطفاف داخلي بات متحكّماً بكثير من المواقف واستحالة التلاقي عند نقاط ومفاصل مشتركة.
“لست أسير الرقم”
ولفت ميقاتي في برنامج “صار الوقت” للزميل مارسيل غانم الى ان “لا حكومة قبل 4 آب”. وقال: “اتمنى ان تكون الحكومة غداً، ولكننا سنبدأ الكلام عن الاسماء اعتباراً من الاثنين”. واضاف: “نتحدث عن حكومة من 24 اسماً ولكنني لست أسير الرقم”. واضاف: “في تركيبة الحكومة لدي همّ في بعض الحقائب أن يكون الشخص الذي يتولاها لديه الخبرة والقيمة العلمية، وان يكون مستقلاً”. وقال: “لا نقدر على ان تكون وزارتا الداخلية والعدل ملك فريق معيّن”.
ولفت الى ان “الحقائب الاساسية للمرحلة المقبلة هي: الاقتصاد والمال، الداخلية والعدل، ووزارة الطاقة ويجب ان تكون مستقلة وان تعمل وطنياً، ووزارة الاتصالات هي بترول لبنان ويجب ان تبقى كذلك”.
وقال: “حتى الآن هناك تفاهم وتعاون كامل بيني وبين رئيس الجمهورية ومهمتنا إنقاذ لبنان، ونحن على توافق على المعايير وابقاء النقاط الخلافية جانباً، ويجب ان نطرح أسماء مقبولة لدى الناس وتعطي أملاً وطموحاً في امكان اجراء الاصلاح في البلد”. وأضاف: “لا أقبل أن يفرض عليّ أحد وزيراً، ولكن في المقابل أنا لا أختار أي وزير استفزازي وسأحاول تشكيل فريق عمل متجانس لقيادة البلد في الفترة المقبلة”. وأكّد انه ليس في وارد تولي وزارة الداخلية الى جانب رئاسة الحكومة. واضاف ان “هناك أملا في تجنب الانزلاق الكبير والارتطام وإذا كان في إمكاني وقفه فأتحمّل المسؤولية، وأنا أذهب قي اتجاه الحريق لتخفيف تمدده ولكن لوحدي لا أستطيع إنما أحتاج لمساعدة الجميع”. واضاف: “نحتاج الى بعض المهل للخروج من الحفرة التي نحن فيها ولذلك فلنخفف من السلبية”. وقال: “أدائي وممارستي في الأشهر المقبلة هي التي تقرّر ما اذا كنت على قدر الطموح أم لا، وكنت أول القائلين بوجوب الاستماع الى الناس بعد 17 تشرين”.
ورداً على نصيحة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أن لا يكون الضحية الخامسة للحريري، قال ميقاتي: “إذا كان ذلك من أجل لبنان فمستعد لأن اكون الضحية”. وأضاف: “أنا وسعد الحريري واحد لكن لي أدائي وصورتي، والسقف الذي وضعناه معاً كرؤساء حكومات سابقين هو سقف وطني لا شخصي للحفاظ على أداء دستوري كامل”. وختم: “أنا كنت ضد اعتذار الحريري، ولكن هل نستسلم ونقاطع كل شيء؟ ولكي نظهر أننا ايجابيون ارتأى رؤساء الحكومات السابقين أن أتحمّل هذه المسؤولية”.
تقديراً للحاجة
وفي غضون ذلك، قال النائب علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري في حديث لقناة “الميادين”: “لا يمكن لحكومة من لون سياسي واحد أن تقوم بما هو مطلوب نتيجة حجم المشكلات على كل الصعد”، مضيفاً أن تسمية ميقاتي تأتي “تقديراً لحاجة البلد إلى مشاركة كل مكونات لبنان في عملية الإنقاذ الضرورية”. وأكد ضرورة “قيام إدارة حكومية قادرة على وقف انهيار البلد، فالواقع الداخلي اللبناني “لم يعد يحتمل عدم وجود حكومة وعلينا تذليل العوائق الداخلية”. وقال: “نريد تسهيل مهمة الرئيس المكلف لتأليف الحكومة ولا مشكلة لدينا في المداورة”، وأشار إلى أن قواعد مبادرة بري “ما زالت صالحة للانطلاق نحو حكومة للبلد”.
بري ورفع الحصانات
من جهة ثانية أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال لقائه وفداً من كتلة “المستقبل” برئاسة النائب بهية الحريري، أن “أولوية المجلس النيابي كانت وستبقى التعاون التام مع القضاء من أجل معرفة الحقيقة كاملة، وهي (أي الحقيقة) لا تحتمل الزيادة ولا النقصان، ولا تحتمل تجهيل الفاعل وتضييع البوصلة. فكما قلنا وكررنا مراراً نؤكد اليوم أن الحصانة فقط هي لدماء الشهداء وللقانون والدستور والعدالة، والمجلس النيابي في هذه القضية مع القانون من الألف الى الياء وكفى تحريفاً وحرفاً للوقائع”.
واكد أن “المجلس النيابي وضمناً كتلة التنمية والتحرير على أتم الاستعداد لرفع الحصانات عن الجميع من دون إستثناء، بما في ذلك عن القضاء الذي وضع يده على قضية النيترات منذ لحظة رسوّ الباخرة المشؤومة إلى لحظة حدوث الإنفجار. نعم نحن مع تعليق كل الحصانات تماشياً مع الإقتراح الذي تقدمت به كتلة المستقبل”، لافتاً إلى أن “أصابع الاتهام لا تُوجّه إلى من تعاون وسيتعاون إلى أقصى الحدود مع القضاء، أصابع الإتهام يجب أن تُوجّه إلى من يحاول الإستثمار على الدماء لأغراض باتت مكشوفة”.
كورونا
وفي المجال الصحي أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 1104 إصابة جديدة (1095 محلية و9 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 559473. كذلك سجلت 3 حالات وفاة ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 7900.