هيام عيد – الديار
تُطرح تساؤلات كثيرة في الكواليس الديبلوماسية في بيروت حول تأثيرات العقوبات التي أصدرها الإتحاد الأوروبي بالأمس، في المشهد السياسي والحكومي، إذ، وبعد نقاش دام أسابيع حيث تبنّت دول الإتحاد مجتمعة، إطاراً قانونياً لنظام عقوبات، يستهدف أفراداً وكيانات، تتّهمها الدول الأوروبية، بالمسؤولية المباشرة عن تقويض الديموقراطية وسيادة القانون، من خلال عرقلة تأليف حكومة جديدة، وتنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية المهمة. وبرأي أوساط ديبلوماسية مطلعة، فإن هذا الإطار القانوني والذي يُعتبر كمقدمة للضغط الجدي على المسؤولين في لبنان، لا يستهدف فقط عملية تشكيل الحكومة الجارية حالياً من قبل الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، بل تتعدى هذا الملف إلى سلسلة عناوين متّصلة بالإصلاحات ومكافحة الفساد والإجراءات المالية المواكبة لها وصولاً إلى ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والتي سوف تمهّد لمعالجة المأزق المالي الخطر، والذي أدّى إلى انهيار سعر الليرة بشكل دراماتيكي خلال الأشهر الماضية.
ومن شأن هذا الضغط الذي لم يُسفر عن أي نتيجة عملية خلال تولّي الرئيس سعد الحريري عملية تأليف الحكومة، أن يكون من دون أي فاعلية، كما تكشف الأوساط الديبلوماسية، والتي توقّعت أن تؤدي الخطوة الأوروبية إلى إعطاء المزيد من الزخم للرئيس المكلّف اليوم، علماً أن العِقَد التي اصطدمت بها مهمته، تبقى محصورة بالنطاق اللبناني الداخلي، ومن الصعب أن تتأثّر بأي مواقف خارجية، بصرف النظر عن مصدرها وطبيعتها، سواء إذا كانت غربية أو عربية. وبالتالي، فإن الدور الخارجي في الأزمة الحكومية الراهنة يبدو محدوداً، وفق هذه الأوساط، ذلك أن الضغط الغربي وتحديداً الأوروبي، قد لا ينجح في تعديل المعايير المُعتمدة في عملية تأليف الحكومة، أو في تنفيذ أي إصلاحات أو إجراءات مالية هادفة إلى الحدّ من انهيار سعر صرف العملة الوطنية، كون القيّمين على هذه القرارات على الساحة الداخلية، لم يقاربوا بطريقة إيجابية أي أدوار خارجية أو وساطات أو مبادرات أو ضغوطات من خلال التلويح بالعقوبات كما فعلت باريس على سبيل المثال، بل على العكس كانت النتائج تأتي على الدوام مغايرة لكل التوقّعات، بحيث استمرت العِقَد في طريق ولادة الحكومة على مدى عام كامل بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، كما بقيت وتيرة الانهيار الاقتصادي تتسارع وزادت الهوّة والانقسامات بين كل القوى السياسية بعدما انفرطت التحالفات وسقطت التسويات بين هذه القوى.
لكن المفارقة بين الضغط الأوروبي في المرحلة السابقة، والقرار الأوروبي الصادر بالأمس، كما تشير الأوساط الديبلوماسية نفسها، في أنها تتركّز في التوقيت، حيث تتزامن مع حلول ذكرى تفجير مرفأ بيروت أولاً وقبل أيام من انعقاد المؤتمر الإفتراضي الداعم للبنان برعاية فرنسية، لأن تشكيل الحكومة قد يكون شرطاً وضرورة من أجل وصول هذا الدعم المقرّر مبدئياً للبنان. وتستدرك الأوساط، معتبرة أن تعثّر تأليف الحكومة اليوم وعدم حصول لبنان على أي مساعدة من المجتمع الدولي، سيضع لبنان على مفترق طرق وسوف يدفع باتجاه الانهيار على كل المستويات، وليس فقط المستوى الاجتماعي والمالي، وخصوصاً أن تقديم الدعم المالي والمليارات التي يحتاج اليها لبنان، لن يتمّ إلاّ مقابل إصلاحات جذرية.