مفاجآت أميركيّة من العيار الثقيل في اليوم الانتخابي الطويل الذي حبس معه الأميركيون ومعه كل العالم أنفاساً تترقب منذ مدة ما وصفت بأصعب انتخابات رئاسية وأكثرها انفتاحاً على الاحتمالات الخطرة، وصولاً لوصفها بالمفصل التاريخيّ والحاسم أميركياً وعالمياً، المفاجأة الأولى بارتفاع نسبة المقترعين الى نسب قياسيّة قاربت الـ 80% في عدد من الولايات، وثاني المفاجآت كانت بسلاسة العملية الانتخابية بصورة مخالفة للتوقعات التي تحدثت عن مواجهات وأحداث أمنية، وصولاً للمخاوف من محاولات لتعطيل العملية الانتخابية في عدد من أقلام الاقتراع، سواء من قبل مناصري الرئيس دونالد ترامب في ولايات متأرجحة يمكن أن تذهب بتصويتها لصالح المرشح جو بايدن، كحال ويسكنسون او بنسلفانيا أو ميشغن، أو من قبل المجموعات المتطرفة من مناهضي ترامب في بعض الولايات التي يراهن على ترجيح كفته فيها كحال فلوريدا، واليوم السلس كان شاملاً بهدوئه على مدى ساعات الاقتراع ومساحة الولايات الأميركية.
المفاجأة الثالثة كانت في تراجع الرئيس الأميركي، ولو بطريقة مواربة، عن نيّته إعلان فوزه قبل نهاية فرز الأصوات، وعزمه على البقاء في البيت الأبيض مهما كانت النتيجة، متذرّعاً بتوجيه تهم التزوير لخصومه من حكام الولايات المؤيدين للحزب الديمقراطي، فقد ألغى ترامب ما كان مقرراً من بيان إعلان فوزه، وتحدث عن الانتظار للنتائج داعياً لتسريع إصدارها، بالتزامن مع نبرة أكثر هدوءاً من نبرته التي رافقت الحملة الانتخابية، وقد ترافق ذلك مع مؤشرات نقلتها حملة ترامب عن زخم انتخابي لمصلحته في الولايات المتأرجحة يعدل الاختلال الذي بدا أن منافسه قد راكمه على مدى الحملة الانتخابية، حيث تحدّثت حملة ترامب عن تصويت لذوي الأصول الأفريقية والأسبانية في فلوريدا وميشغن لصالح ترامب، خلافاً للتوقعات بمنح تصويتهم لبايدن، وقالت بعض التحليلات إن ترامب وظف تهديدادته بالتمرد لتحفيز البعض على انتخابه تفادياً لأزمة مفتوحة تدخلها أميركا بخسارته للانتخابات. بينما قالت تحليلات جمهورية إن الانتخابات تحوّلت لدى قطاع الشباب الذي يفترض أنه رصيد للمرشح الديمقراطي، إلى تصويت على الإغلاق او فتح البلاد في ظل كورونا، حيث بايدن يدعو للإغلاق وترامب يجاهر برفضه، وحيث الشباب الباحثون عن فرص عمل يخشون الإغلاق بقوة ويمنحون تصويتهم لصالح تنشيط الاقتصاد ولو كان ذلك على حساب الإجراءات الصحية الوقائية.
فرضية فوز ترامب بالتوازي مع فرضية فوز بايدن تسيران بالتوازي جنباً الى جنب، لفتح الطريق نحو انتظار النتائج حتى يوم الجمعة، حيث الفوز الكاسح بالمجمع الانتخابي لأي من المرشحين وارد، كما الفوز الهشّ، لأن الفوارق ستكون ضئيلة بعدد الأصوات بين المرشحين سواء في الولايات التي ستحسم النتائج وتتقدّمها فلوريدا وميشيغن وويسكنسن وبنسلفانيا وأريزونا وتكساس وكارولينا الشمالية وفرجينيا وأيوا، أو حتى على المستوى العام بعدما تحسنت أرقام ترامب خلال الأيام الثلاثة الأخيرة لتقلص الفارق بينه وبين بايدن، وفي ظل فارق ضئيل على المستوى الوطني وفي الولايات الحاسمة لا يعني الفوز بعدد مرتفع من ممثلي المجمع الانتخابي فوزاً كاسحاً لأي من المرشحين، بينما تبدو نتائج الانتخابات لصالح إنتاج أغلبية ديمقراطية في مجلسي الشيوخ والنواب شبه محسومة، ما يعني أنه إذا فاز بايدن فسيكون أمامه فرصة ممارسة الحكم براحة شديدة، مستنداً الى هذه الأغلبية في المجلسين، وإذا فاز ترامب فعليه التساكن مع أغلبية لخصومه تسيطر على مجلس الشيوخ الذين كان يسانده بأغلبية جمهورية.
يوم الجمعة أيضاً يبدو مهماً في مسار الحكومة اللبنانية التي ستتبلور تشكيلتها اليوم، مع حسم أمر وزارتي الطاقة والعدل، في اللقاء المرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، بعدما حسم عدد الوزراء بـ 18 وزيراً، كما تقول مصادر تابعت اجتماع الرئيسين أول أمس، وكما تؤكد البيانات الصادرة من القوى المعنية بزيادة العدد الى الـ 20 وزيراً وهي القوى المعنية بالتمثيل الدرزي، التي بدا حسم الأمر في خلفية مواقف صدرت عن الحزب الديمقراطي وتصريحات لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، بينما يشكل حسم وزارتي الطاقة والعدل تأسيساً لتفاهم بين الرئيسين يتيح توقع نجاح لقاء الجمعة المتوقع بينهما بالبتّ بسائر الأسماء والحقائب في التشكيلة الحكومية.
واستعادت المشاورات والاتصالات الحكومية زخمها عقب الزيارة الأخيرة للرئيس المكلف سعد الحريري إلى بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث طغت موجة جديدة من الأجواء الايجابية أمس، بعد تسجيل تقدم على صعيد حجم الحكومة وتوزيع الحقائب. لكن سرعان ما تبدّدت الأجواء الإيجابية مساء وسط معلومات متناقضة عن ولادة قريبة للحكومة.
وقد رصدت اتصالات أمس، على خط بعبدا – بيت الوسط مهدت الطريق لزيارة سادسة للحريري الى بعبدا اليوم بحسب ما علمت «البناء» لاطلاع رئيس الجمهورية على صيغة حكومية نهائية من 18 وزيراً مع توزيع للحقائب على الطوائف. وأشارت المعلومات الى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي استقبل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أمس، دخل على خط المفاوضات لتذليل بعض العقد لا سيما بما يتصل بالعقدة الدرزيّة.
وأفادت معلومات أخرى أن أجواء تأليف الحكومة إيجابية جداً وقد تُبصر الحكومة النور قبل مساء الخميس المقبل، مشيرة الى أن البحث يجري على أسماء الوزراء وليس على الحقائب وأنه تم التوافق على أن تكون الحكومة من 18 وزيراً، ولن تكون هناك مشكلة بالأسماء نظراً لتعدد الخيارات وطرح أكثر من اسم لكل حقيبة. لكن مصادر أخرى لفتت لـ«البناء» الى أن العقد الحكومية لا زالت كثيرة لا يمكن تذليلها بأيام قليلة ما يعني أن ولادة الحكومة قد تحتاج الى مزيد من الوقت.
وبحسب المعلومات، فإن اتجاهاً لدى رئيس الجمهورية للموافقة على صيغة الـ 18 وزيراً التي يتمسك بها الرئيس المكلف مقابل إبقاء حقيبة الطاقة مع فريق التيار الوطني الحر وربما يجري إيداعها لدى شخصية مقربة من حزب الطاشناق كحل وسط بين التيار والحريري. وتلفت المعلومات الى أن مبدأ المداورة من الأسباب الرئيسية لعرقلة ولادة الحكومة لا سيما أن التيار الوطني الحرّ يتحفظ على هذا المبدأ لاعتبار أنه يهدف الى انتزاع الطاقة منه في ما يُبقي على المالية لحركة أمل يبدي تيار المستقبل اعتراضه على تنازل الحريري عن الداخلية، كما أن اعتراضات برزت على حصر الحقائب الأمنية والعسكرية والقضائية بيد رئيس الجمهورية كالعدل والداخلية والدفاع، وقد عاد الحديث في الكواليس حول التفاوض على التخلي عن المداورة والعودة الى التوزيع التقليديّ، لكن لا شيء محسوماً حتى الآن بانتظار الصيغة الاولى التي سيتقدم بها الحريري الى عون اليوم.
لكن الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب هاغوب بقرادونيان حسم الجدال حول الى من ستؤول الطاقة، حيث كشف امس أنه لم يفاتحه أحد لا رئيس الجمهورية ولا الرئيس المكلف ولا أي مسؤول آخر بموضوع وزارة الطاقة، وقال: «نحن لا نحبّذها بل نحبّذ الشؤون الاجتماعية».
واعتقد بقرادونيان في حديثٍ للـ»او تي في» أن المداورة بالحقائب السيادية تم البتّ بها، وأشار إلى أن النقاش الآن حول الحقائب الخدميّة، وأضاف: «اذا اتفقنا داخلياً فقد نكون أمام حكومة خلال 3 او 4 ايام».
ولفت بقرادونيان إلى أنه لمس أجواء تفاؤلية خلال زيارته الأخيرة الى رئيس الجمهورية، وأعلن أن الرئيس عون قال له إن هناك إمكانية لتأليف الحكومة قريباً. وتابع: «حتى مساء امس (الاثتين) لم يكن عدد الوزراء قد حسم لكن اليوم (الثلاثاء) هناك أجواء باتجاه الحسم بـ18 وزيراً».
وأشار تكتل لبنان القوي بعد اجتماعه الدوري الكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل أن «رئيس التكتل التزم الصمت ولم يشارك في عملية التشاور إطلاقاً حتى الآن رغبة منه في تسهيل عملية التشكيل وإعطاء الفرصة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف للاتفاق على حكومة تراعي وحدة المعايير وتضم وزراء قادرين على تنفيذ المهمة الإصلاحية».
وشدد على ان «التكتل ومن موقعه الدستوري والتمثيلي مصممٌ على مواصلة التعاطي بإيجابية الا ان ذلك لا يفقده حقه في التشاور والتحاور واتخاذ الموقف الذي يراه هو مناسباً في موضوع تشكيل الحكومة او المشاركة فيها، وفي جميع الأحوال لن يتراجع عن حقوق ومبادئ التمثيل والميثاقية التي لا تتناقض إطلاقاً مع معايير الاختصاص والكفاءة والنزاهة».
وفيما لفتت مصادر «البناء» الى أن العقدة الدرزية لم تُحلّ حتى الساعة، أشار المجلس السياسي في الحزب «الديمقراطي اللبناني» في بيان بعد اجتماعه الدوري برئاسة النائب طلال أرسلان في خلدة، الى «خطورة ما يحصل في كواليس التأليف، حيث تظهر النيات الخبيثة لدى معظم الأفرقاء، ويتم التأليف على قاعدة المحاصصة والكيدية والجشع، وكأن شيئاً لم يحصل ولا قيمة لصوت الناس التي انتفضت منذ سنة لغاية اليوم». وأكد المجلس موقفه «الرافض لإقصاء الدروز عبر خفض نسبة تمثيلهم وإصرار البعض على الإجحاف بحق طائفة مؤسسة للكيان اللبناني فقط لإرضاء فريق على حساب آخر، وعدم الاكتراث للتلاعب الحاصل في التوازنات الدرزية الداخلية، والذي نعتبره تآمراً على تاريخها ومستقبلها، وفي التوازنات الوطنية، بخاصة في ظل التطورات الإقليمية والدولية المستجدة وإمكان انعكاسها على الداخل من خلال عقود سياسيّة جديدة».
في المقابل غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط على تويتر قائلاً: «من عجائب المسرح الوزاري أن الذين لم يسمّوا سعد الحريري باستثناء القوات هم اليوم الذين يتقاسمون المقاعد ويتحضّرون للاستيلاء الكامل للسلطة بكل فروعها الأمنية والقضائية في مخطط الإلغاء والعزل والانتقام. لذا يا شيخ سعد ومن موقع الحرص على الطائف انتبه لغدرهم وحقدهم التاريخي».
على صعيد آخر يزداد الخلاف السياسي على ملف التدقيق الجنائي عشية انتهاء مهلة تقديم الأوراق والمستندات من قبل مصرف لبنان لشركة الفاريز اند مارشل.
وفي السياق، أفادت المعلومات أن فريق مدققي Alvarez and Marsal يصل اليوم إلى بيروت، ويعقد اجتماعاً مع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال للبحث في مضمون العقد الموقع بين الشركة والدولة، وذلك بعدما اعتبرت الشركة أن المستندات التي تسلمتها من مصرف لبنان غير كافية للاستمرار في مهامها بالتدقيق الجنائي.
وإذ لفتت مصادر «البناء» الى ان بعض الجهات السياسية والمالية والمصرفية يعرقل موضوع التدقيق المالي لأسباب متعددة لتمرير الوقت وتأجيل الملف ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة لتحدد مقاربتها منه. حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من محاولة إطاحة التدقيق الجنائي لمنع اللبنانيين من معرفة حقيقة خلفيات اختفاء ودائعهم، وأسباب الانهيار المالي والتلاعب المدروس بسعر العملة الوطنية. وأكد في بيان «أنه أجرى اتصالات لمتابعة ملف التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، كما وجّه كتاباً إلى وزير المالية للطلب من مصرف لبنان العمل بموجب رأي هيئة التشريع والاستشارات، وذلك لبدء شركة «ألفاريز» عملها استناداً إلى العقد الموقع بينها وبين الدولة اللبنانية، والذي ينصّ على تسليم مصرف لبنان للشركة المستندات والمعلومات التي طلبتها لإطلاق ورشة التدقيق الجنائي، حيث إن المصرف المركزي لم يسلّم الشركة سوى 42 % من هذه الملفات فقط، معلّلاً ذلك بقانون السرية المصرفية».
ورداً على الكتاب الذي توجّهت به وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم إلى رئيس الحكومة، طالبة منه «الاطلاع وإجراء ما ترونه مناسباً ليصار الى تزويد شركة التدقيق الجنائي بالمعلومات والمستندات اللازمة من قبل المصرف المركزي بواسطة وزارة المالية وفقاً لبنود العقد، أوضح مصدر في مصرف لبنان أنّ المجلس المركزي سيجتمع اليوم ويناقش الآراء المختلفة حوله، كما الطروحات»، مذكّراً بأنّ «المركزي» سلّم حساباته كافّةً إلى شركة التدقيق الجنائي عن طريق وزارة الماليّة».
وعلى مقلب آخر واصل عداد الإصابات بوباء كورونا ارتفاعه وسط خلافات بين اعضاء اللجنة الوزارية لمتابعة الوباء وبين اللجنة ولجنة الصحة النيابية التي اجتمعت أمس، ورفعت الصوت محذرة من تفشي المرض في المجتمع بشكل كبير ومطالبة الحكومة باتخاذ القرار بالإقفال الكلي لا الجزئي فيما لفتت مصادر رسمية صحية لـ«البناء» الى ان لا توجه للإقفال الكلي لأن دونه تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة لا يتحملها المجتمع والتوجه للاستعاضة عن ذلك بالإقفال الجزئي مع اجراءات وتدابير صحية وأمنية صارمة للحد من انتشار الوباء. وهذا التوجه الحكومي الذي يحرص على الموازنة بين الضرورات الصحية والحاجة الاقتصادية.
وأعلن رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي أن «نقاش كورونا كان بناءً، البعض كان مع الإقفال والبعض الاخر كان ضد، لكن الأكثرية كانت مع الإقفال لمدة اسبوعين.» وقال «طالبنا كلجنة صحة بإقفال عام على الأقل لأسبوعين لنريح القطاع التمريضي والطبي الذي أصيب بكورونا». وأضاف عراجي ان «خلال الـ 14 يوماً يجب أن تتحضّر أسرة كورونا في المستشفيات الخاصة والحكومية للموجة الثانية من كورونا». ورأى أن «على الدولة أن تصرف مساعدات اجتماعية للأشخاص الذين يعملون يومياً والذين سيبقون في بيوتهم خلال الإقفال».