جاء في صحيفة النهار : أيّ حدث أخطر وأشدّ وقعاً صادماً بل مرعباً بعد، أكثر من البيان الصادم المفجع والمفزع الذي أصدره بعد ظهر أمس المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت مطلقاً إنذاراً حيال خطر الموت الذي يتهدّد مئات المرضى لديه اعتباراً من يوم الاثنين المقبل؟ وأيّ حدث بهذه الخطورة غير المسبوقة، والذي لم يسبق أن شهد لبنان مثيلاً له في عزّ جولات القصف المدفعي والجوّي والتقاتل الأهلي والاجتياحات الخارجية، يمكن أن يجعل ما يسمّى “المسؤول ” المزعوم في لبنان بخجل من فصول المهازل الجارية الفاضحة حول صراعات السّلطة والطموحات وغسل الأيدي من الانهيار والكوارث التي تضرب اللبنانيين وتهدّدهم في حياتهم وقوتهم وعملهم وجنى أعمارهم والآن في مرضهم؟ بل أين بقايا الكرامة والمسؤولية والإنسانية لدى مسؤولين لا يزالون يلهون بالمهازال والفضائح التي تظللهم فيما تصل البلاد إلى هذا المستوى من الأخطار المحدقة بحياة الناس والمرضى؟
حتّى لو أن شركة استيراد للنفط سارعت إلى تقديم كمية من المازوت للمركز الطبي فلا كلام يتقدّم الخطورة العالية التي أتسمّ بها بيان المركز الطبي للجامعة الأميركية الذي فيما كانت مهازل العهد والسّلطة تتمادى على وقع اكتواء اللبنانيين يوماً آخر بنار أزمات المحروقات وانعدام البنزين والمازوت والكهرباء انعداماً شاملاً، صدر هذا البيان الصادم معلناً أنّ المركز “يواجه كارثة وشيكة قد تسبّب الإغلاق القسري المحتمل اعتباراً من صباح يوم غد الاثنين نتيجة انقطاع الوقود. ما يعني أنّ أجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من الأجهزة الطبيّة المنقذة للحياة ستتوقف عن العمل”. وحذّر البيان من خطر موت فوري لأربعين مريضاً بالغاً وخمسة عشر طفلاً يعيشون على أجهزة التنفس وأنّ مئة وثمانين شخصاً يعانون من الفشل الكلوي سيموتون بالتسمّم بعد أيّام قليلة من دون غسيل الكلى وأنّ المئات من مرضى السرطان البالغين منهم والأطفال سيموتون في الأسابيع والأشهر القليلة اللاحقة من دون علاج مناسب.
وإذ وجّه المركز نداءً عاجلاً إلى الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة ووكالاتها لتزويد المركز بالوقود الكافي قبل أن يضطر إلى الإغلاق خلال 48 ساعة. بدا الوضع الكارثي في البلاد كأنّه بلغ مستويات لم تعد تبعد عن الانهيار الشامل المفزع سوى مسافة قصيرة أخيرة بل ثمة من رأى أنّ لبنان توغل بعيداً نحو أخطر مراحل الانفجار الاجتماعي والأمني.
ولم يكن أدل على التوغل نحو الفوضى العارمة من تدخل الجيش وقوى الأمن الداخلي في ظلّ ما شهدته محطات الوقود من تكاثر حوادث الصدامات والاشكالات التي كان يتخلّل بعضها إطلاق نار وسقوط جرحى وأمام الأفران وفي المستشفيات والمحال التجارية والمؤسّسات السياحية، جرّاء شحّ المحروقات، وفي ظلّ مصادرة صهاريج مازوت من قبل المواطنين، وسط عمليات قطع طرق احتجاجاً على الأوضاع المعيشية. وأعلنت قيادة الجيش أنّ وحدات الجيش باشرت عمليات دهم محطات تعبئة الوقود المقفلة وستصادر كلّ كميات البنزين التي يتمّ ضبطها مخزّنة في هذه المحطات على أن يُصار إلى توزيعها مباشرة على المواطن دون بدل. بدورها، قالت قوى الأمن الداخلي إنّها لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ما يعانيه المواطن من جرّاء أزمة المحروقات قبل أن تباشر بعمليات كشف على مخزون المحروقات في المحطات للتأكّد من عدم تخزينها المادة.
أمّا على الصعيد السياسي وفيما بدا واضحاً أنّ العهد مني بنكستين سياسيتين كبيرتين حين فشل أولاً في فرض معالجات معينة من خلال المجلس الأعلى للدفاع ومن ثمّ فشله في عقد جلسة لمجلس الوزراء رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الدعوة إليها لمخالفتها الدستور، فسعى عون أمس إلى التعويض عن النكستين فلجأ إلى الوسيلة الثالثة التي طالما استعملها من دون أن تترك أيّ نتائج حاسمة إذ وجّه رسالة الى مجلس النواب عبر رئيسه نبيه بري طلب فيها “مناقشة الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي استجدت بعد قرار حاكم مصرف لبنان وقف الدعم عن مواد وسلع حياتية وحيوية وما نتج عنه من مضاعفات وذلك لاتّخاذ الموقف أو الإجراء المناسب في شأنها”.
وفي غضون ذلك كشف النقاب عن قيام الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي بزيارة الرئيس عون في قصر بعبدا بعد ظهر أمس بعيداً من الأضواء، وتابعا البحث في الملف الحكومي. وأفادت المعلومات المسربة عن اللقاء أنّ “الأجواء كانت إيجابية”، وأنّ الرئيس ميقاتي سيستكمل معالجة بعض الطلبات الوزارية المستجدة من أفرقاء آخرين مشاركين في الحكومة وهي طلبات طرأت في اليومين الأخيرين ووصفت بأنّها “تعجيزية”.
وأفادت معلومات أنّ لقاء ليلياً كان جمع الرئيس ميقاتي بالمعاون السياسي للرئيس بري علي حسن خليل أول من أمس، أكّد فيه خليل تمسّك الرئيس بري باسم يوسف خليل وزيراً للمال الذي رفضه الرئيس عون سابقاً. كما أنّ رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط تنازل عن حقيبة الشؤون الاجتماعية لمصلحة عون وطالب بحقيبة وازنة بدلاً منها لا تقل عن الصحة أو الأشغال فيما رفض ” حزب الله” وزارة الطاقة متمسّكاً بحقيبة الأشغال لتكون من حصّته.
واتّخذت ردود فعل سياسية بارزة على موضوع رفع الدعم دلالات بارزة لجهة دعم حاكم مصرف لبنان في ظلّ الهجمة التصعيدية التي يمضي فيها العهد و” التيار الوطني الحر” ضدّ الحاكم. إذ برز في هذا السياق موقف الحزب ” التقدمي الإشتراكي” الذي أكّد أنّ “الدعم وهم زائف، وأنّ رفعه هو المصلحة الوحيدة للناس، فلا تدعوا أحد يخدعكم لأجل مصالح خارج الحدود”. وقال في بيان: “غريب أمر هذه الأزمة المفتعلة في المحروقات كرمى للنظام السوري والمهربين العاملين على خطّ إمداده والشركات المؤلّفة لعصابة كارتيل النفط “. كما أنّ مواقف متعاقبة لنواب في كتلة ” التنمية والتحرير” استهدفت بشكل خاص اتجاهات جبران باسيل رسمت عمق الهوة التي تفصل بين ” أمل” و”التيار الوطني الحر”.
في المقابل، خرج حاكم مصرف لبنان عن صمته وردّ على الحملة التي تتهمّه بـ”التفرّد” في قرار رفع الدعم، شارحاً بالوقائع والأرقام، حقيقة قراره وخلفياته وأسبابه. وجزم أنّ “جميع المعنيين كانوا يعلمون بقرار رفع الدعم عن المحروقات، أيّ الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وبالتالي القرار ليس كما يصوّر له”، معتبراً أنّ “بدل القيام بهذه “المسرحية، اذهبوا إلى مجلس النواب وأقرّوا قانوناً يموّل الاستيراد من الاحتياطي الإلزامي”. وقال في مقابلة إذاعية: منذ سنة راسلنا الحكومة وتابعنا في رسائل عدّة وفي كلّ مرة كنّا ننبّه أنّنا نصل إلى مستويات معيّنة من الانخفاض بموجوداتنا الخارجية لذا عليكم استباق الأمور والقيام بما يقتضي كي لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. ورأى أنّ “من غير المقبول أنّ نستورد 820 مليون دولار للمحروقات ولا نرى لا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء، هذا هو الذل بحدّ ذاته بحقّ اللبنانيين”.
وفي ما خصّ الاحتياطي الإلزامي، قال: نسمع تحليلات وأرقاماً كثيرة ولكن من دون طرح حلول، ونشير إلى أنّ ما زال لدينا 14 مليار دولار من الاحتياطي إضافة إلى 20 مليار دولار كموجودات خارجية. ورداً على كلام النائب جبران باسيل، قال سلامة: “أنا حاكم المصرف المركزي ولكن رئيس (التيار الوطني الحر) جبران باسيل حاكم البلد”. وتمنّى تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، مؤكّداً أنّ “تأخير تشكيل الحكومة لم يأت من نزعة انقلابية لدى الحاكم بل من الوضع السياسي في البلد”.
وردّ باسيل على سلامة عبر “تويتر” قائلاً: “لو صحيح أنا حاكم لبنان، ما كنت تركتَك من زمان”.