السبت, نوفمبر 23
Banner

صدمة رفع الدعم تهدف إلى تصويب طريقة إدارة الأزمة الاقتصادية في لبنان

علي زين الدين – الشرق الأوسط

أحدث احتدام الخلاف على رفع الدعم عن المحروقات، بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وحاكم البنك المركزي المؤيد من فريق داخلي ومن الجهاز المصرفي، صدمة قوية و«مرغوبة» يؤمل، بحسب مصادر مواكبة، أن تفضي إلى إعادة تصويب المقاربات المتصلة بالأزمة النقدية، عوضاً عن سياسات استسهال الإنفاق من بقايا الاحتياط في مصرف لبنان.

فرغم التداعيات الفورية لقرار المجلس المركزي لمصرف لبنان بوقف بيع الدولار لمستوردي المحروقات بسعر مدعوم يبلغ 3900 ليرة للدولار، أي نحو 20 في المائة من السعر الفعلي الرائج في السوق والذي يتعدى 20 ألف ليرة لكل دولار، قال مسؤول معني فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط» أن الأجدى من إثارة اعتراضات «شعبوية» على قرار السلطة النقدية برفع الدعم التمويلي عن المحروقات، هو مساءلة الحاكم والمجلس المركزي لمصرف لبنان عن تبديد ما لا يقل عن 250 مليون دولار شهرياً، وبإجمالي قارب 5 مليارات دولار من بدء الأزمة قبل 22 شهراً، فالكل مدرك، سواء جاهر بذلك أو تجاهل، أن «الحصة» الأكبر من المحروقات المدعومة تعبر الحدود يومياً بصهاريج التهريب بعلم الدولة وأمام أعين الناس والإعلام، فيما يتحكّم التجار المحليون بالكميات في السوق المحلية التي تدنت تباعاً لتصل إلى ما دون نصف الكميات المستوردة.

وفي رده على هذه المساءلة، أقر حاكم البنك المركزي رياض سلامة بأن الأزمة الحالية كانت متوقعة منذ عام 2015، مستدركاً: «إذا أخطأنا كمصرف مركزي فلأننا صدقنا أن هناك إصلاحات ستنفذ، ولم نكن الوحيدين، فالبنك الدولي كذلك والصناديق العربية والمؤسسات الأجنبية التي أقبلت على اليوروبوند وكان هناك تقارير عن لبنان شبه يومية في الإعلام الدولي». وأوضح «في ذلك الوقت أبدت كل الدول رغبتها بتمويل لبنان، أي أنه كان هناك إمكانية ورؤية في لبنان ولكن كان هناك فريق يسعى دائماً لتكسير النظام المصرفي وتهديمه لصناعة اليأس في لبنان».

ويوضح المسؤول «أن التهويل بارتفاع أسعار البنزين من نحو 80 ألفاً إلى نحو 300 ألف ليرة، وبالتماثل ارتفاع أسعار المازوت والغاز عقب قرار وقف التمويل، لا يعكس كامل المشهد في سوق الاستهلاك. فالواقع أن هذه السلع نادرة لدى الأقلية القليلة من محطات المحروقات العاملة، وتسبّب إذلالاً يومياً في صفوف طويلة من السيارات. بينما هي متوافرة لدى تجار الأزمات والباعة المتجولين في السوق السوداء، إنما بأسعار تفوق المستويات المرتقبة بعد الاحتكام إلى سعر الدولار الحقيقي».

ويتطابق هذا التوصيف مع توضيحات سلامة أمس، التي أكد فيها أنه «من غير المقبول أن نستورد 820 مليون دولار للمحروقات (خلال أقل من شهر) ولا نرى لا مازوت ولا بنزيناً ولا كهرباء، هذا هو الذل بحد ذاته بحق اللبنانيين وليست المواقف المتخذة من قبلنا». وأضاف «كنا نعتقد أن ما مولناه بـ 820 مليون دولار من المحروقات سيكفي لثلاثة أشهر لكن التجار هم المسؤولون على صرف البضائع بشكل غير منطقي ولم تكف إلا لشهر وهذا غير مقبول».

ويؤكد المسؤول المالي أن المخرج يكمن في الإفراج عن تأليف حكومة جديدة والاستجابة لمتطلبات المعونات الخارجية واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بما يمهّد لاحتواء الفوضى النقدية، ويعكس اتجاه سعر صرف الليرة من الانحدار إلى الصعود المتدرج ربطاً بالمسار الداخلي وتحريك وعود المجتمع الدولي والمبادرة الفرنسية. فسعر الصرف هو أساس الأزمة، أما الدعم فهو أسوأ الخيارات لتصحيح الخلل، ولا يمكن اعتماده إلى أمد غير معلوم، ولا سيما بعد نفاد كامل الاحتياطات الحرة لدى البنك المركزي.

بذلك، فإن رفع الدعم الذي ستضطر أي حكومة جديدة لإقراره كشرط للحصول على برنامج معونة من صندوق النقد، سينتج، وفقاً للمسؤول، مجموعة فوائد يحتاجها البلد واقتصاده، ولا سيما حفظ ما تبقى من احتياطات بالعملات الصعبة وإعادة تنظيم سوق الاستهلاك وتحسن سعر صرف الليرة، بالتوازي مع وضع خطة البطاقة التمويلية للمستحقين موضع التنفيذ بدعم من الاحتياطات، وضمن معادلة تكافلية تساعد المحتاجين ولا تضر ببقايا مدخرات مودعين، جلّهم عددياً، أو نحو 750 ألف حساب مصرفي، تقل «ذخيرتهم» عن 5 آلاف دولار.

أما خيار الإمعان في نهج «الإنفاق على التهريب والاحتكار ومذلة الناس»، فسيمثل، الخطوات الأخيرة للدخول إلى «جهنم» المعيشي الموعود من الباب العريض، وتحمل ما ينتج عنه من تداعيات أشد إيلاماً على المستويين الاجتماعي والأمني.

Leave A Reply