ذوالفقار قبيسي – اللواء
في المقابلة الأخيرة التي اشترط خلالها حاكم مصرف لبنان على الفريق السياسي الذي يطالبه بالإبقاء على الدعم عبر استخدام احتياطي الودائع الإلزامي، أن يصدر مجلس النواب تشريعا يسمح باستخدام هذا الاحتياطي، وردت عبارة «التوظيفات الإلزامية» التي كرّرها حاكم «المركزي» أحيانا بديلا عن عبارة «الاحتياطي الإلزامي».
والأرجح أن الهدف من تكرار العبارة كان ربما إعطاء فكرة تختلف عن الصورة السائدة بأن «الاحتياطي» لدى مصرف لبنان والمصارف المركزية عموما، هو عبارة عن مبلغ نقدي في حساب آجل بفائدة يستحق بعد فترة محددة، وحساب جاري دون فائدة يسحب كله أو تدريجيا كلما دعت الحاجة.
وأمام هذا التباين في الصورة ما هي الاحتمالات حول الوضع الحقيقي للاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان؟ وكيف ومدى إمكانية استخدامه حتى ولو صدر تشريع يسمح بذلك من مجلس النواب؟
بداية كان حاكم «المركزي» في المقابلة واضحا في تحديد المبلغ المتبقي من الاحتياطي بـ١٤ مليار دولار، وواضحا أيضا في اعتباره ان بقية الاحتياطي (الذي هو عبارة عن «يوروبوندز» كانت قيمتها أكثر من ٥ مليارات دولار) بات أقل بكثير من قيمته الحقيقية بعد أن امتنعت الدولة اللبنانية عن دفعه وتهبط قيمته باستمرار في السوق المالية الى ما قد يصل الى ١٥% من القيمة الأصلية وربما أقل، الى حد جعل مصرف لبنان يركز على ما هو ثابت وواضح من الاحتياطي الإلزامي بـ١٤ مليار دولار أعلن انه لن يمس دولارا واحدا منه إلا إذا الطبقة السياسية المطالبة باستخدامه تمكنت من انتزاع تشريع من مجلس النواب يسمح بذلك ويكون التصرف بالاحتياطي عندها إجراء قانونيا.
وبالعودة الى السؤال حول كيف ومدى إمكانية استخدام الاحتياطي قانونا، وحول الوضع الحقيقي للاحتياطي، هناك بداية شبه استحالة لاستخدامه لسببين هو انه لم يعد لدى الطبقة السياسية أي هامش تطالب فيه بتشريع يستولي على ما تبقّى من جنى عمر اللبنانيين المقيمين والمغتربين.
إضافة الى ان هكذا تشريع ولو صدر عن مجلس النواب يصطدم بالنص الدستوري القائل بقدسية الملكية الخاصة وكون الاحتياطي الإلزامي هو ملكية خاصة للمودعين، فان أي تشريعا من مجلس النواب بانتزاع هذه الملكية من أصحابها مخالف للدستور ويعرّض المشرعين والمنفذين لعقوبات جزائية ومدنية.
ويبقى أخيرا السؤال حول الوضع الحقيقي للاحتياطي والجواب المبدئي هو انه بالمنطق المصرفي والاستثماري يستبعد أن يكون هذا الاحتياطي بشكل حساب جاري يسحب منه تدريجيا كلما دعت الحاجة! كما يستبعد أن يكون بشكل حساب آجل لاستحقاق محدد لأن الفائدة القصوى في الخارج على هذه الحسابات ضئيلة جدا بالمقارنة مع عائدات استثمارات لا بد لأي مصرف مركزي بما في ذلك مصرف لبنان أن يأخذها بالاعتبار لدى البحث عن خيارات تؤدي الى عائدات مجزية. وأذكر أيام كنت خلال عملي المصرفي في عضوية اللجنة المختصة بدائرة الخزينة أو Treasury في أحد المصارف العربية كيف كنا نقضي وقتا طويلا في البحث عن الفرص الملائمة لاستثمار الفوائض النقدية بأعلى العائدات الممكنة. وبالتالي فان عبارة «التوظيفات الإلزامية» التي استخدمها حاكم مصرف لبنان أحيانا خلال المقابلة بديلا عن عبارة «الاحتياطي الإلزامي» توحي أو تدل على أن هذا الاحتياطي ليس كله كتلة نقدية جاهزة بالمعنى المبسط والتقليدي الذي قد يكون لدى البعض، بمن فيهم العديد من السياسيين التي قد يتصوروا ربما ان الاحتياطي الإلزامي كله عبارة عن حساب جاري يغب منه أي مبلغ وفي أي وقت.
ليبقى السؤال أخيرا في حال أن الاحتياطي الإلزامي هو في أغلبه، وهذا هو الأرجح، توظيفات في أدوات ومنتجات استثمارية وعملات متعددة الجنسيات غير محصورة فقط بدولارات، فان التداعيات في هذه الحالة ان أي تسييلا فوريا اضطراريا لهذه التوظيفات قد تؤدي الى خسائر ناتجة عن فكفكتها وتسييلها قبل أوانها بأسعار فورية بالمقارنة مع أسعار اشتريت بها أو محتمل ارتفاعها، لنصل في النهاية الى أن أي قرارات بشأن الاحتياطي الإلزامي من قبل السياسيين ينطبق عليها قول كليمنصو عن الحرب بأنها «مسألة خطيرة لا يجوز تركها للعسكريين» وهذا رغم ان الحرب مسألة عسكرية، فماذا عسى كليمنصو السياسي المجرّب يقول لو كان بيننا وهو يرى كيف ان احتياطيات ودائع اللبنانيين تسيل لعاب السياسيين؟!