الجمعة, نوفمبر 22
Banner

فرملة التفاؤل الحكومي وسلطة الإذلال تتفرّج

بدا من العقم فعلاً التسليم بلعبة إلهاء الناس بالتسريبات الطيارة وفق موجات المدّ والجزر اليومية المتصلة بمسار تأليف الحكومة والمحاصصات التي تكتنفه، في حين تتصاعد كارثة الازمات الحياتية والخدماتية على نحو هستيري تحول معه لبنان “جهنماً” بكل المعايير المفجعة التي تطبع معاناة نادراً ما شهد شعب في العالم مثيلا لها.

ذلك ان مشهد طوابير السيارات والمواطنين المتحرقين داخلها امس في طول بيروت وعرضها وعبر الضواحي، كما في معظم المناطق، حيث عزّ فتح محطات نادرة كانت توزع البنزين. وحده هذا المشهد كان كافياً لتسليط الأضواء الكاشفة على أسوأ ما يمكن تصوره من سلطة تتفرج منذ أسبوع تماماً بعد انفجار الخلاف على قرار رفع الدعم عن المحروقات على الكارثة من دون ان تحرك ساكناً. تفاقمت ازمة البنزين الى حدود باتت تهدد باشعال إشكالات أسوأ من مجزرة التليل التي شيعت امس، مع عدد من قرى عقارية أخرى، ضحاياها، فيما لا يزال الخلاف الناشب بين السلطة السياسية ومصرف لبنان حول رفع الدعم عالقاً والسلطة التي اتخذت قرارات عقب قرار مصرف لبنان ما لبثت ان جمدت كل شيء بما فيه واجبها الأول بإصدار جدول أسعار جديد يتيح استيراد المحروقات. ولكن لعبة الاقتصاص والتحجيم وعدم التراجع عن المناكفات والمكايدات أدت بالعهد كما بحكومة تصريف الاعمال الى ارتكاب أسوأ ما يمكن سلطة ان تلجأ اليه امام كارثة كهذه، وهو ترك الأمور تتفاقم الى الذروة وتجفيف البلد من البنزين والمازوت والتسبب بانقطاع غير مسبوق للتيار الكهربائي في كل لبنان مع تعطل النسبة الساحقة من المولدات وتأخر مؤسسة كهرباء لبنان عن الإيفاء بمعظم الإنتاج، وكل ذلك من دون أي افق زمني معروف او محدد لإجتراح مخارج لهذه الكارثة المنذرة باخطر العواقب والتداعيات.

وما ارتسم امس على الأرض وفي الشارع في معظم المناطق اللبنانية، بدا بمثابة بوادر انفجار شعبي وأهلي امام ترك الازمة تتعملق وتتضخم، اذ ان قطع الطرق والأوتوسترادات بصفوف وطوابير عشرات الوف السيارات المتهالكة امام القليل من المحطات التي كانت توزع البنزين أدى الى زحمة سير خانقة عند مداخل بيروت وفي عدد من المدن والبلدات الأخرى، كما ان عشرات الإشكالات والصدامات سجلت في المناطق، فيما أقفلت حركة السير تماما في بعض المناطق الحيوية كما حصل بين الضبية والدورة، وتحديدا في جل الديب حيث اطلقت نداءات استغاثة لفتح الطريق امام حالات صحية طارئة شكل اقفال الطريق خطراً جسيماً على حياة أصحابها.

ولعلّ اخطر ما برز في الساعات الأخيرة ان الازمة لا تزال طويلة ولا تبدو امام حلول عاجلة من شأنها ان تضع حداً لازدواجية القرار في شأن أسعار المحروقات بدليل ان حكومة تصريف الاعمال تلتزم التفرج والانتظار والعهد يلجأ مجددا الى أساليب عقيمة يدرك سلفاً انها لن تقدم له ما يحقق أهدافه في محاصرة حاكم مصرف لبنان، ولذا سينتظر جواب مجلس النواب على رسالته في الجلسة التي دعي اليها المجلس غدا الجمعة للاستماع الى رسالة الرئيس ميشال عون التي يتهم فيها حاكم مصرف لبنان بانه مسؤول عن قرار أحادي برفع الدعم عن المحروقات، علما ان الرسالة تتجاهل الجانب المتصل بمسؤولية العهد والحكومة وكل السلطات السياسية والمصرفية عن حماية بقايا الودائع المصرفية الموجودة ضمن الاحتياط الالزامي المقدر بـ 14 مليار دولار. ووسط هذه الدوامة اتسعت مأساة اللبنانيين بحيث بات مئات الألوف، ان لم نقل بضعة ملايين، محرومين تماما من الكهرباء والإنترنت والمازوت والبنزين، وارجعتهم الكارثة الى العصور الوسطى بفضل دوامة الصراعات ومعارك تصفية الحسابات ناهيك عن الازمات المتصلة بالدواء والمستشفيات وبمجمل الواقع الكارثي للقطاعات اللبنانية.

جرس الإنذار

ودقت نقابة المستشفيات ناقوس الخطر مجدداً داعية الى تفعيل دور المجلس الاعلى للصحة برئاسة وزير الصحة على ان يجتمع على الاقل مرتين في الاسبوع لدراسة السبل الآيلة الى ضبط الامور والحد من الإنهيار المتسارع. وحذرت من انه “إذا استمرت الامور على هذا المنحى الانحداري فنحن امام سيناريو كارثي محتّم سوف نصل اليه في اقل من اسبوعين وسوف نشهد فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها وتوقفا قسرياً لعدد من المستشفيات. أما تلك التي قد تستمر في تقديم الخدمات فسيكون ذلك بإمكانات محدودة جداً وهي حكماً لا تؤمن سلامة المريض وفق الحد الأدنى من المعايير المعقولة”.

ووسط هذه الأجواء اكد المجلس المركزي لمصرف لبنان بعد اجتماعه امس لمتابعة قرار رفع الدعم “التمسّك التام بالقرار من دون تراجع…” بحسب ما أكد مصدر من المجتمعين “على أمل تشكيل حكومة ووضع خطة إنقاذية، وأن نستطيع التعاون لحماية البلد. وفي الوقت الراهن لا نستطيع القيام بشيء”.

وعما إذا كان البنك المركزي سيعمل على توصية لجنة الطاقة النيابية القاضية برفع الدعم تدريجاً، ذكّر بأن “مصرف لبنان سبق ودعا إلى رفع تدريجي للدعم منذ أشهر عديدة، ولم يلقَ آذاناً صاغية، كما وجّهنا لهذه الغاية كتاباً خطياً بضرورة ترشيد الدعم كخطوة أولى قبل رفعه بشكل تام، تبعته كتب عدة في هذا الشأن عدا عن المناقشات والندوات وغيرها”.

وأكد المصدر أن “قرار رفع الدعم واضح وصريح واتخذناه كمجلس مركزي بقناعة تامة، وقد وصلنا إلى مرحلة لا يمكن الوصول إلى حل إلا عبر التعامل مع حكومة جديدة تضع خطة إصلاح كي نضمن أن هناك مجتمعاً نستطيع أن نؤدّي له خدمة بهدف واضح وأن تكون هناك خطة مع صندوق النقد الدولي ومؤتمر “سيدر” مترافقة مع إصلاحات”.

تبخر التفاؤل

على الصعيد الحكومي، فلم يعقد امس لقاء جديد بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وسط انطباعات ان الاجواء الايجابية التي عمل على ضخها اول من امس، ولا سيما من فريق القصر الجمهوري تلبّدت، وتبخّر التفاؤل وسط خلافات على الأسماء بما رحّل الحكومة اسبوعاً اضافياً.

ويستبعد عقد لقاء اليوم بين عون وميقاتي في عطلة عاشوراء، فيما يوم الجمعة مخصص لتلاوة ومناقشة الرسالة الرئاسية بشان قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم في مجلس النواب.

وعلم ان حركة الاتصالات والموفدين والتي شارك فيها المعاونان علي حسن خليل وحسين خليل وغيرهما لم تعالج التباينات التي برزت بين عون وميقاتي على الاسماء المرشحة لحقائب سيادية واساسية كانا اتفقا على ان يسميا وزراءها بالتوافق بينهما كالداخلية والعدل والطاقة والشؤون الاجتماعية .

كما علم ان رئيس الجمهورية اوفد المدير العام للرئاسة انطوان شقير الى الرئيس المكلف مع لائحة باسماء يقترحها للحقائب التي اعطيت له في حصته، وهي التي عززت التباعد واستدعت اتصالات رفيعة المستوى لانقاذ التشكيلة الحكومية بعدما قطعت شوطاً كبيراً لاسيما بتوزيع الحقائب على القوى والاطراف .

حتى ان بعض الاسماء كان تمٌ حسمها كقبول رئيس الجمهورية بمرشح الرئيس بري لوزارة المال يوسف خليل وحقيبة الاشغال لـ”حزب الله” من دون اي فيتو والاتصالات اعطيت للمردة والتربية للاشتراكي والصحة بقيت لمرشح ميقاتي والحريري فراس الابيض.

اما العقد الاساسية التي فرملت الحكومة فهي اربع:

الداخلية التي اقترح لها ثلاثة مرشحين هم مروان زين وابرهيم بصبوص واحمد الحجار دون ان يحظى واحد منهم بالموافقة الثلاثية المطلوبة من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ومعه الرئيس سعد الحريري.

حقيبة العدل التي اقترح لها ميقاتي فايز الحاج شاهين ثم القاضي جهاد الوادي ورفضهما تباعاً الرئيس عون الذي اقترح شكيب قرطباوي ورفضه ميقاتي.

حقيبة الطاقة اعطيت لرئيس الجمهورية الا انه يقترح لها اسماً دون التوافق عليه مع ميقاتي . والخلاف نفسه بينهما على الاسم الذي سيتسلم حقيبة الشؤون الاجتماعية.

وتؤكد المصادر المعنية تراجع نسبة التفاؤل بولادة قريبة للحكومة، مع التسليم بأن الحكومة رحّلت اسبوعاً اضافياً وما لم تعالج مسألة اختيار اسماء الوزراء بحصرها بالمستقلين عن اي فريق سياسي فالثلث المقنّع وراء التسميات قد يطيح الحكومة.

النهار

Leave A Reply