بقلم عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل الدكتور الحاج خليل حمدان.
في حديث للإمام الصدر لمجلة اليقظة الكويتية 13 كانون الثاني 1975، رداً على سؤال هل أنت ثائر؟ يجيب الإمام: ليتني أستطيع إنقاذ جميع المحرومين في العالم.
ثلاثة وأربعون عاماً مرت على إخفاء سماحة الإمام القائد السيد موسى الصدر وأخويه سماحة الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين.
ثلاثة وأربعون عاماً مرت مثقلة بالهموم والشجون، هي جريمة ارتكبها المقبور المجرم معمر القذافي، سميت بجريمة العصر كونها غير مسبوقة لا في الأعراف ولا في تاريخ العلاقات الدولية، إذ يتم التآمر على ضيوف حضروا الى ليبيا بدعوة رسمية. ولكن المتتبع لسيرة الطاغية القذافي يعي تماماً الدور الذي اضطلع به خلال سني حكمه المتمثل بالقضاء على كل مرتكزات النهوض في المنطقة عبر تشويه الأفكار حيناً، أو النيل من القادة الذي يعملون بإخلاص في مسيرة الدفاع عن الأرض والإنسان كالإمام السيد موسى الصدر الذي انتصر للقضية الفلسطينية وللمحرومين في لبنان والعالم وأينما تكون القضية قضية حق، وإن المتتبع لجريمة إخفاء الإمام الصدر وأخويه يلاحظ أن التستر على هذه الجريمة تم ليس فقط من قبل النظام الليبي وبعض حلفائه، حتى الذين يدّعون أنهم على خلاف مع القذافي تحدثوا مطولاً عن مثالبه وفضحوا الكثير من ممارسات الطاغية هذا، سوى جريمة واضحة كالشمس في رأد الضحى جريمة إخفاء الإمام وأخويه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حجم التآمر على الإمام الصدر رغبة منهم بإخفاء المشروع الذي سعى إليه منذ اللحظة الأولى لإنتقاله الى لبنان أواخر العام 1959.
هذا المشروع يرتكز الى ثنائية حكمت تحرك الإمام الصدر في مسيرته بمواجهة العدوان الإسرائيلي وإزالة الحرمان، هي رؤية شكلت خلفية للناس من خلال مواقف الإمام في اللقاءات الشعبية والمنتديات الإقليمية ومواقفه في المهرجانات، “إسرائيل شر مطلق” ودعوته التي لم تتوقف لتأسيس المقاومة وتفعيل دورها لدرء مخاطر العدو ودعم القضية الفلسطينية وثورتها، كما يقول الأمام: إذا تخلى المسلم أو المسيحي عن القدس فهو يتخلى عن قرآنه وانجيله.
من ناحية أخرى وجد الإمام الصدر أن هناك تلازماً ما بين مواجهة العدوان الصهيوني وإزالة الحرمان لتعزيز صمود المجتمع المقاوم الذي حاولت السلطة اللبنانية عبر عهود متتالية التعبير عنه بغياب الحماية والرعاية وبإشاحة النظر عن تأمين حتى أبسط حقوق المواطن. وحسب تعبير بعثة إرفد ورئيسها الأب لوبريه وبعد دراسات معمقة لهذه البعثة خلص في بداية الستينات الى أنه في لبنان فئة تعيش كأنها في زمن النبي ابراهيم، وفئة كأنها من أغنياء كاليفورنيا.
لذلك جاء الإمام الصدر وفي جعبته عمل رؤيوي على مستوى كل لبنان محطماً لجميع السدود والحواجز المفتعلة بين الطوائف والمذاهب والمناطق والأماكن وحمل قضية المحرومين والمعذبين إلى المساجد والكنائس والمنتديات والمؤتمرات واللقاءات العامة والمهرجانات وكانت هيئة نصرة الجنوب وما تضم من الكبار من رجال الدين وشخصيات وطنية من جميع الطوائف، وصدح بإسم الله قسماً وعهداً: “لن نسكت ما دام في لبنان محروم واحد أو منطقة محرومة”.
ولأن عملية الإصلاح في لبنان تتطلب إصلاحاً بنيوياً في ظل أزمة الحكم والنظام التي أنتجت حرب السنتين وأدت الى شلل الدولة، بادر الإمام وبتوقيعه الى طرح مبادرتين سميتا ورقتي العمل الصادرتين عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
الورقة الأولى بتاريخ 27/11/1975وهي منبثقة من جوهر وجود لبنان، وهي مطالب ليست عارضة أو طارئة، وليست مطلب فئة دون أخرى من اللبنانيين بل هي منبثقة من جوهر وجود لبنان ومن صميم كيانه ومن رسالته إذ يتصور الإمام الصدر أن لبنان المستقبل هو لبنان اللاطائفي لبنان الكفاية في الفرص والمساواة في العدالة لبنان المتطور المبادر لبنان الملتزم بالقيم هو لبنان إلغاء الطائفية السياسية.
أما الورقة الإصلاحية الثانية والتي صدرت عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 11/5/1977فقد أدرجت وتحدثت بالتفصيل عن الموضوعات التي أثارتها الوثيقة الأولى من إقتراحات تنظيم السلطات بدءاً من السلطة التشريعية الى السلطة الإجرائية الى السلطة القضائية والتي تطرقت أيضاً الى سير إدارة الدولة والوظائف وسبل التنمية لإنصاف المناطق المحرومة إضافة الى السياسات الدفاعية والتربوية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية.
الامام الصدر يعتقد تماماً أن لبنان هو النموذج الحضاري للعالم للعيش الواحد بين طوائفه ومذاهبه، وهذا بمثابة تحد للعدو الصهيوني الذي يروج الى انعدام تعايش الأديان في المنطقة كي يبرر هذا العدو نفسه كونه إضافة الى احتلاله لفلسطين وإغتصابه لها وبعض الأراضي العربية فهو عنصري بإمتياز يجاهر بيهودية الدولة والمجتمع وفي هذه الحالة نجاح تجربة لبنان في العيش الواحد بمثابة صفعة لرؤية العدو الصهيوني والملحقين به.
ولذلك حسب رأي الإمام الصدر كما جاء في صحيفة الأنباء الكويتية 7/10/1976 “أنه إذا أردنا أن يكون لبنان نموذجاً حضارياً للعالم فلا بد من وجود نظام عادل يؤمن بالفرص المتكافئة لكل المواطنين”، “وأن ربنا لا يقسم المواهب على طريقة 6 و6 مكرر”.
أجل إن لبنان يمر اليوم في منعطف خطر يتمثل بالحرب الناعمة التي تجتاحه وسط حصار دولي وإن كان غير معلن ولكن مثبت بالممارسة ومنع تقديم يد العون تحت وطأة مشروع تتقدم فيه المصالح الصهيونية الإسرائيلية على ما سواها ولو على حساب تجويع الناس وتهديد أمنهم الصحي والبيئي والإجتماعي من استهداف حليب الأطفال الى تعطيل المصانع والمشاغل والمستشفيات والمدارس.
ان الخيارات الصعبة التي اتخذها الامام لمواجهة العدوان والحرمان لا زالت تتهدد لبنان من أقصاه الى أقصاه، ولذا فإن إعادة قراءة مشاريع الإصلاح السياسي والتمسك بثوابت حماية الأرض والإنسان نجد أن الإمام الصدر لا زال حاضراً على مستوى معالجة أزمة الحكم والنظام على حد سواء إنطلاقاً من دور لبنان التاريخي والذي ينبغي أن نؤكد عليه، ان لبنان رسالة عالمية وليس ملاذاً للصراعات الطائفية والمذهبية، لأن الصراع الطائفي والمذهبي هو خدمة لإسرائيل وأعوانها وان تجاوز هذا الصراع يعتبر إحياء لدور لبنان التاريخي ولدوره المطلوب أن يكون وحدة لقاء في زمن نعيم الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي والأثني في المنطقة.
إن المجرم معمر القذافي كانت لديه أهداف تنسجم مع دوره المأجور والمشبوه والموكل اليه دولياً وإقليمياً بإخفاء الجسد وصولاً الى تجميد مفعول حراك الإمام الصدر، ولكنه استطاع احتجاز الإمام الصدر وأخويه بأجسادهم ولا زالت رؤية الامام السيد موسى الصدر حاكمة عبر السير بتحقيق مطالب المحرومين والمعذبين في مسيرة لن تنتهي وأيضاً بجدوى رؤية تأسيس المقاومة وانطلاقتها وفعاليتها في مواجهة الأعداء وقافلة شهداء أفواج المقاومة وجميع شهداء المقاومة وجرحاها وأبطالها الأحياء يؤكدون صوابية هذا الخيار من عين البنية الى خلدة والصديق والعدو يعي تماماً أنها الخيارات الصعبة والصائبة في الزمن الصعب الذي يسوده التآمر الدولي والإهمال العربي.
ونحن في حركة أمل من الإنطلاقة الأولى مع الإمام الصدر الى يومنا هذا نكمل المسيرة خلف إمام عصي على الغياب فهو الحاضر في ضمير كل مقاوم ومحروم ومعاً مع الأخ الرئيس نبيـه بـري أن المقاومة باقية باقية باقية ولن تهدأ ما دام في لبنان محروم واحد، والإمام عائد – عائد – عائد.