الإثنين, نوفمبر 25
Banner

مصرف لبنان ينفرد بـ”كرة” السوق السوداء… ويسدّد “هدفاً” غير نظيف في “مرمى” المودعين

خالد أبو شقرا – نداء الوطن

“راحت سكرة” الاستمرار بدعم المحروقات مناصفة بين الدولة ومصرف لبنان، و”جاءت فكرة” من أين ستتأمن المصريات. المبلغ المرصود لهذه المهمة شبه المستحيلة التي ستمتد، مبدئياً، لنحو 6 أسابيع فقط، يقارب ربع مليار دولار. لا المركزي يملكها نقداً بحسب تصريحاته، ولا موازنة الدولة قادرة على تحمل فرق الدعم المقدر بأكثر من 1000 مليار ليرة. وكالعادة بدأت “أرانب” الحلول تخرج من “أكمام” الحاكم بطريقة مبهمة، وسط ذهول المتابعين.

تأكُد حاكم مصرف لبنان من أن قراره برفع الدعم كلياً في 12 آب الحالي لن يمر بأي شكل من الأشكال، وبأن النواب لن يشرعوا قانوناً يسمح له باستعمال التوظيفات… دفعه إلى ابتكار هندسة نقدية جديدة، فأصدر في 17 آب تعميماً حمل عنوان “قيود استثنائية على بعض العمليات التي تقوم بها المصارف”. وينص، على انه بامكان المصارف العاملة في لبنان شراء العملات الأجنبية المحولة مباشرة من الخارج لزبائنها على سعر السوق (منصة صيرفة وليس سعر السوق الموازي)، وذلك حصراً لغايات استثمارية متوسطة وطويلة الأجل أو لتحسين نسب السيولة، أو لتسديد التزامات في الخارج. على أن يتم تسجيل هذه العمليات على المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة. ولكي لا يقطع شريان التحويلات من الخارج عن المصارف، اقترح تسديد التحويلات التي تأتي عبر شركات تحويل الاموال إما مناصفة بالدولار والليرة، وإما كاملة بالليرة بحسب سعر المنصة.

شفط “الفريش” دولار

على غرار الإبهام في كل التعاميم لم يعرف صراحة إن كان للعميل حرية الإختيار بقبض الحوالة بالليرة على سعر صيرفة أو بـ”الفريش” دولار. فالمركزي الذي حظر على المصارف شراء الدولار من السوق، خولها شراء العملات الأجنبية المحولة مباشرة من الخارج لزبائنها بسعر السوق. الأمر الذي يفتح المجال امام المصارف بالاستنسابية في تسديد التحاويل بالدولار، وخلق عقدة جديدة. وهذه الإشكالية لن تحل إلا باضافة المركزي عبارة: “بموافقة العميل الحصرية”، يقول المستشار المالي د. غسان شمّاس. وعلى عكس الغاية التي تقول بان الهدف من تسديد التحويلات بالليرة والإحتفاظ بالدولار هو لتسديد التزامات خارجية، فان الهدف الكامن وراء هذا التعميم برأي شماس هو “تفرد مصرف لبنان بالسوق السوداء و”قطع” يد المصارف عنها”. وهذا ما برز في التعميم في المادة الثانية حيث قال: “يحظر على المصارف العاملة في لبنان شراء العملات الأجنبية من السوق الموازي”. ولتأمين حاجة المصارف من العملة الصعبة أتاح لها التعميم “ضرب اليد على التحويلات”، يضيف شماس. و”لو أنه لم يُعرف بعد على وجه التحديد إن كانت الحوالات ستسجل بحسابات الزبائن بالدولار أو مباشرة بحسب سعر صرف السوق. ذلك لأن الحوالات بالعملة الأجنبية تصل إلى حسابات المصارف المراسلة في الخارج وتؤمنها البنوك اللبنانية عبر الشحن إلى لبنان. وبهذه الطريقة ستبقى كل الحوالات في حسابات المصارف خارج لبنان وتشحن بواسطة شركات نقل الاموال إلى الداخل.

أما الدافع الأساسي وراء هذا التعميم فلا ينحصر بتأمين مبلغ 225 مليون دولار لمدة شهر، “إنما التحضير لمرحلة ما بعد رفع الدعم بشكل كامل”، يقول شماس. فـ”حصر الطلب الكبير الأساسي على الدولار من السوق السوداء بالمركزي يؤمن له أمرين: الاول، القدرة على تأمين طلب المستوردين بمئات الملايين من الدولارات من السوق الموازية بسهولة. والثاني، التحكم بالسوق الموازية والضغط لتقريب سعر السوق إلى سعر منصة صيرفة والغاء الفوارق بينهما. وبغض النظر عن الخلفيات والأهداف لهذه الهندسة الجديدة التي ستحد بشكل هائل من التحويلات حتى لو تعادل سعرا صيرفة والسوق الموازية، فهي “تترك العميل لرحمة البنك”، من وجهة نظر شماس. وستؤدي في الكثير من الحالات إلى قبول العميل بقبض الأموال بالليرة بحسب سعر المنصة إن تلكأ المصرف في التسديد بالدولار وكان العميل بحاجة ماسة للأموال. ومن الناحية الإجتماعية فان توقيت التعميم ليس في مكانه خصوصاً انه يؤثر على الذين ينتظرون التحاويل لتسديد مستحقات في الخارج بالعملة الصعبة بعد خروج المغتربين من لبنان. وعليه المطلوب من مصرف لبنان اصدار بيان توضيحي بحتمية اخذ المصرف قرار الزبون الحصري على الا يكون هناك تأخير في التسديد اذا اختار الأخير عملة الدولار.

رفع الدولار الجمركي

جهد مصرف لبنان المنكب على الإستئثار بالدولار وموازنة سعري الصرف بالسوق الموازية وعلى منصة صيرفة يترافق مع اقتراحات حكومية لزيادة الإيرادات. فمن أجل تسديد الفرق الذي ستتحمله الدولة جراء دعم المحروقات وتعويض النفقات يجري العمل على اقتراحي رفع سعر الصرف وزيادة الدولار الجمركي، حيث “يتم العمل في الكواليس على مشروع احتساب الجمارك على البضائع المستوردة والضريبة على القيمة المضافة على أساس 8000 ليرة للدولار وليس 1500 ليرة”، يقول النائب ميشال ضاهر. فبحسب التقديرات هناك مستوردات بأكثر من 5 مليارات دولار خاضعة للرسوم الجمركية، تنوي الدولة تحصيل عائدات كبيرة منها عبر تغيير سعر الدولار الجمركي لتغطية فرق دعم المحروقات وزيادة النفقات. مع العلم أنه كان من الاجدى “رفع نسب الجمارك لزيادة رواتب القوى الأمنية وموظفي الدولة كما كان اقتراحي بالأساس”، يقول ضاهر، و”ليس من أجل تمويل فرق دعم المحروقات الذي يذهب الى جيوب المهربين والمحتكرين”.

تحرير سعر الصرف

في المقابل فان تحرير سعر الصرف يزيد أيضاً عائدات الدولة. ولكن، “ليس التحرير بشكل كلي على أساس سعر صرف السوق الموازية اليوم”، يقول الرئيس التنفيذي لشركة “Advisory and Business Company” علاء غانم، إنما بما يتناسب مع نطاق سعر الليرة الذي يتراوح بحسب دراساتنا بين 4500 و7000 ليرة. ذلك أن ما يعنينا بسعر الصرف شقان: الأول، التكاليف الاضافية التي سيتحملها المواطن. الثاني، زيادة إيرادات الدولة. وبما أن السعر المعتمد لأغلبية السلع والخدمات أصبح حراً، ولم يبق إلا بعض خدمات الدولة (كهرباء، اتصالات، ميكانيك..) على أساس سعر 1500 ليرة فقد آن الأوان لتحريره. وعندها تسعر خدمات الدولة ضمن هذه الحدود. الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإيرادات ويمكنها من تحمل فرق الدعم وتغطية التكاليف. في المقابل يجري التعويض على الموظفين (320 ألف موظف + 100 ألف متقاعد) من خلال زيادة الرواتب بنفس القيمة التي ستؤمنها البطاقة التمويلية. أي بحدود 2 مليون ليرة. ويجري الإستغناء عن الأخيرة لانها محكومة بالمصالح والمحاصصة والتنفيعات السياسية والحزبية والمناطقية. وبدوره يلحق القطاع الخاص القطاع العام من حيث الزيادة على الأجور حكماً. وبهذه الطريقة نكون حررنا سعر الصرف وزدنا دخل المواطن وشجعنا على عودة الاستثمارات الاجنبية.

نتائج عكسية

الطرق الثلاثة لتأمين العملة الصعبة للاستمرار بدعم السلع ومن بعدها الدعم المباشر، وزيادة ايرادات الدولة تصطدم بنتائج عكسية خطيرة جداً. فبحسب التجارب تراجعت تحويلات المغتربين بعد قرار المركزي تسديد التحويلات بالليرة على سعر 3900 ليرة في 17 نيسان 2020 من 120 مليون دولار شهرياً إلى حدود 24 مليون دولار في تموز العام 2020 أي بأكثر من 80 في المئة. فمع ارتفاع سعر الصرف من حدود 4000 ليرة مع بدء تطبيق التعميم إلى 5000 ليرة في أيار وحزيران، ومن ثم إلى 7000 في تموز، كانت التحويلات تتراجع بنسب هائلة، حتى كادت تنعدم. الامر الذي دفع مصرف لبنان إلى اصدار تعميم بدفع التحويلات بالدولار. فهل يكرر مصرف لبنان الخطأ القاتل نفسه ويحرم المواطنين من الدولار. خصوصاً أن قطع التحويلات بالدولار يخنق الشريان الذي يدعم الاقتصاد الوطني بالعملات الأجنبية ويحد من قدرة العائلات اللبنانية على الصمود”، برأي عضو رابطة المودعين هادي جعفر. و”هو يؤكد في جميع الأحوال الاستنسابية التي تحكم قرارات مصرف لبنان بتعاميم غب الطلب. وبحسب جعفر فان عدم وجود بند يلزم المصارف بالدفع باللبناني والاحتفاظ بالدولار الطازج لا يحرم فقط من امكانية الطعن بالقرار، انما يضع المودعين في وجه المصارف ويخلق مواجهة جديدة بينهما. خصوصاً أن الاخيرة تجهد للتهرب من التسديد بالدولار وتطبيق التعميم بما يتناسب مع مصالحها الضيقة.

Leave A Reply