وفاء ناصر
يؤكد الصحافي والكاتب السياسي علي ضاحي ان الانسحاب الاميركي من افغانستان بعد عقدين من الاحتلال والتنكيل بالشعب الافغاني هو هزيمة مكتملة الاوصاف ولكن له تداعيات على افغانستان وكل شعوب المنطقة والدول المجاورة.
ويرى ضاحي في حديث صحافي، ان سيطرة طالبان السريعة على افغانستان وانهيار الجيش والدولة امامه يؤكد وجود مخطط ما وستتضح معالمه مع معرفة خارطة الطريق التي ستعتمدها الحركة وهل تسكون مزيجاً من التشدد ومراعاة الغرب واميركا. ويسأل ما الذي جرى لتغير طالبان عقيدتها الجهادية والتكفيرية. وهل لداعش حصة من “الكعكة الاصولية” وسيرى التكفيريون “انتصار” طالبان فرصة لاعادة التجمع في جبال “تور بورا” وغيرها.
وفيما يلي نص المقابلة كاملة اجرتها الاعلامية والصحافية وفاء ناصر مع ضاحي.
وكتب ناصر تقول :” إثر مشهد الانسحاب الأميركي الصارخ من أفغانستان وزحف طالبان السريع إلى العاصمة كابول وتقديم نفسها بصورة مختلفة.. لا تزال الدول تترقب هذه التغيرات السريعة بحذر بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في الأسابيع القادمة. فهل ستكون أفغانستان مجددا موئلا ومستقرا للجماعات المتشددة والارهابية؟ ماذا عن علاقتها مع الدول؟ وما تأثير وصول طالبان للحكم على شمال لبنان؟
طالبان الجديدة والمخاوف الدبلوماسية
وبعدما تفرّدت حركة طالبان بالحكم بالسيف حتى العام 2001 وكللت حقبة حكمها بالقتل والدم والبغض ها هي اليوم تسعى لإظهار نفسها أمام العالم أجمع بصورة جديدة كحركة سياسية مختلفة عما شاهدناه سابقا، أي كتنظيم غير إرهابي إنطلاقا من نيتها إقامة حكم إسلامي بمشاركة جميع الأطراف، يسعى لحرية التعليم والإعلام وإلى تعزيز دور المرأة… إلى جانب الحفاظ على علاقة مع الخارج.
غير أن هذه الخطوات التطمينية التي تقوم بها تصطدم بالحركة الدبلوماسية الغربية الفاضحة والمقلقة. وهذا بنظر الصحافي والكاتب علي ضاحي أمر طبيعي ومبرر ربطًا بفقدان السيطرة والإنهيار المؤسساتي في الدولة ما يدفع الدول إلى إجلاء دبلوماسييها في هذا الظرف كونه لا يمكن التنبؤ ولا توقع تصرفات حركة طالبان رغم تقديمها ضمانات ومحاولتها اعتماد حكم ائتلافي.
إذًا بالرغم من سعي طالبان لترتيب وضعها الداخلي وسيطرتها على الدولة عبر تفاهمات بعيدا عن الصدامات وإعلان المتحدث باسمها ان الحركة لا تريد استمرار الحرب في أي مكان من افغانستان، يبقى الجلاء الدبلوماسي هو حركة استباقية مردها الى الخوف من المستقبل المبهم انطلاقا من الصورة المسبقة لطالبان المزروعة في الأذهان تزامنا مع غياب الأمن.
“التسلم والتسليم” بين اميركا وطالبان
بذريعة تنحية طالبان عن السلطة وحرمان القاعدة من اتخاذ الدولة الأفغانية مقرا لعملياتها الارهابية غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان في العام 2001 وساندتها قوات التحالف في ذلك. ورغم إنفاقها مئات المليارات على مدى عشرين عاما لتدريب الجيش الافغاني وتجهيزه إلا ان ذلك لم يحل دون انهياره ووضع طالبان يدها على السلاح.
وفي هذا الصدد يرى ضاحي أن الحذر واجب في هذه المرحلة ولا بد من قراءة المتغيرات في المنطقة، فالانسحاب جاء في لحظة مفصلية لنشر الخراب والفوضى في المنطقة. والانسحاب الذليل الذي ينحو نحو التسلم والتسليم يشير إلى اتفاق ضمني بين طالبان والولايات المتحدة الأميركية. فما يحصل هو خلط اوراق لعبة الأمم للضغط على إيران وروسيا وباكستان.
طالبان بين التغيير والنمطية
وقبل الحديث عن الصورة الجديدة التي تحاول طالبان إرساءها لا بد من العودة إلى أصل هذه الحركة القبلية التي تتمتع بقيم ومعايير أخلاقية واجتماعية خاصة بها والتي ما لبثت ان صهرتها في القوانين الأفغانية من جهة وإلى الدعوة الدينية التي تشترك فيها عدة تنظيمات متشددة. فحركة طالبان انطلاقا من هذين العنصرين هي مثال للحركات المتشددة والسلوك العنيف الذي ينحو نحو الإرهاب والذي لا يولي أهمية لحقوق الإنسان. إذ فيما مضى وفرت الملجأ للقاعدة المتهمة بأحداث 11 أيلول ورغم ذلك لم تصنفها واشنطن حينها بالمنظمة الإرهابية.
ويرى ضاحي أنه لا يمكن الحديث عن تغير جذري وقطعي في فكر طالبان وإنما عن مرونة في النظام السياسي وفي الممارسة السياسية. فطالبان ستحاول التمسك بالسلطة والقيام بما يلزم ليتم الاعتراف بها دوليا.
هي تريد أن تستمر لتحكم، والأسابيع القادمة كفيلة ببلورة صورة أفغانستان الجديدة ونظام الحكم فيها. فطالبان التي نعرفها لن تتغير في لحظة ونظامها لن يكون علمانيا ديمقراطيا كما لن يكون متشددا.
علاقة الدول بحركة طالبان أسيرة المصلحة
وفي ظل تخوف الأفغان أنفسهم من سيطرة طالبان على الحكم وقيام معارضة لمواجهتها، يترقب الخارج بحذر ما تحمله الأيام. واذا كانت الحركة اعتمدت سياسة استراتيجية عبر تواصلها مع الجانب الأميركي وكل من إيران وروسيا والصين. تبرز حركة بعض الدول حسب دورها الإقليمي ومصالحها.
قبل التسعينات كانت دول الخليج تدعم ما يسمونه بالمجاهدين ضد الاتحاد السوفياتي بغطاء ودعم أميركي. أما بعد العام 2001 فلا يوجد مؤشرات لعلاقة السعودية بطالبان،
في حين أن قطر تعتبرها كأي حركة إسلامية يجب دعمها في محاولة لحجز دور بارز كوسيط بين الأطراف يسجل لها على الساحة الإقليمية والدولية.
بينما من مصلحة إيران أن يبقى الأمن في أفغانستان ممسوكا لذلك تحث وتدعم السلام بين طالبان وجميع الأفرقاء.
وفي ظل استبعاد أي دور للاتراك في أفغانستان، يستحوذ الدوران الاميركي والباكستاني على حصة الأسد في هذا المشهد كونهما يغذيان الانقسام الداخلي. فمن مصلحة باكستان أن لا تتمتع جارتها بحكومة قوية موحدة كي لا تطالبها باسترجاع مناطق حدودية سلبتها منها سابقا. أما أميركا بانسحابها المقلق وغير المبرر ورغم سعيها لعدم إحلال السلام الداخلي إلا انها تفضل أن يحل داعش مكان طالبان لتنفيذ أجندتها في دول آسيا الوسطى كون من الصعوبة بمكان ترويض طالبان الجامحة. خاصة أنها حذرتها من عواقب في حال تأخر الانسحاب عن 31 اب الحالي معتبرة أن كل السيناريوهات بعده تصبح مشروعة.
كيف سينعكس هذا الحدث على شمال لبنان؟
على الرغم من وجود متشددين واسلامويين ورغم الكلام سابقا عن جعل طرابلس الفيحاء إمارة إسلامية وتزويد عاصمة الشمال بالمال والمساعدات من قطر والسعودية وتركيا، إلا أنه يجب الفصل ما بين طالبان والجماعات الإسلامية في لبنان لأن “ساحة طالبان تختلف عن ساحة لبنان”.
وبحسب الكاتب والصحافي علي ضاحي لا خوف من وصول طالبان للحكم على شمال لبنان. فالخلايا النائمة والمتعاطفة مع فكر داعش والنصرة والفكر التكفيري ككل فقدت بيئتها الحاضنة وسيطرتها وحضورها. وتحولت إلى ذئاب منفردة بعدما انكسرت شوكتها وعصبها بعد معركتي تحرير عرسال وفجر الجرود. فانتهت مرحلة استهداف بيئة المقاومة والبيئة الشيعية بفشل المشروع التكفيري في لبنان.
وهذه الخلايا رغم حصولها على المساعدات من الجمعيات الخليجية والتركية وما يرافقها من تضخيم إلا أن دورها محدود ووضعها سيء لأن تمويلها الخارجي انكفأ وباتت معزولة في المخيمات. أي انها تعيش عزلة في الحركة والتمويل.
ويؤكد ضاحي أن لا تأثير لطالبان على لبنان لأنهم لا يملكون القدرة على قلب الطاولة والموازين العسكرية والأمنية سيما في ظل عدم وجود قرار دولي أميركي تحديدا بتأزيم الساحة اللبنانية عسكريا. وأي حرب أهلية او حرب واسعة تتطلب قرارا دوليا وإرادة داخلية، وهاتان المسألتان غير متوفرتين اليوم.