جويل الفغالي – نداء الوطن
كيف لنا أن نصف بلداً بلا دواء وطبابة؟ أو أن نتخيل مريضاً يتألم غير قادر على تأمين “حبة” دواء لتريحه؟ نعم، هذه هي انجازات المسؤولين في لبنان. بات المواطن يفرح اذا تمكن من تأمين علبة دواء أو “تفويل” سيارته أو حتى تأمين ربطة خبز لعائلته، ليتحول بذلك مفهوم “حق” المواطن الى”حلم”.
يزداد وضع القطاع الصحي تعقيداً مع استمرار ارتفاع سعر الدولار، حيث أن 93 في المئة من الأدوية في لبنان مستوردة من الخارج، وفي ظل غياب أي بوادر خير لتشكيل حكومة فع٘الة، ومماطلة الجهات الرسمية لإيجاد حلول بديلة عن آلية الدعم الحالية لتحد من المشاكل والأزمات التي تعصف بلبنان يوماً بعد يوم. ومع اشتداد شح الأدوية، وخاصة تلك المخصصة للأمراض المزمنة التي يحتاج اليها المواطن يومياً، تحول البحث عن الدواء إلى عادة يومية لعدد كبير من المرضى. قسم آخر استفاد من وجود أقارب أو أصدقاء يعملون أو يعيشون في الخارج لتدبير احتياجاتهم، حيث يتم دفع سعر الدواء بالدولار الكاش، أي عندما يكون سعر الدواء 15000 ليرة لبنانية في لبنان ويتم شراؤه بـ10 دولارات فريش من الخارج.
الدواء موجود ولكن ليس في الصيدليات!
قام وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور حمد حسن بجولة كشف على مستودعات أدوية وحليب أطفال في أكثر من منطقة، حيث أظهرت وجود أطنان من الأدوية المخزنة في المستودعات رغم أنها مفقودة في السوق وضرورية لأمراض عدة، ولا سيما الأمراض المزمنة، فضلاً عن كميات كبيرة من المضادات الحيوية وحليب الأطفال. من بعدها أعلن المكتب الإعلامي للوزير حسن أن الأمور انفرجت مركزياً. مرتكزاً على تبلغه بدء مصرف لبنان منح الأذونات المتراكمة والمصادقة من الوزارة منذ فترة وعددها 1800 فاتورة. فهل انتهت المشكلة؟
فوضى في سوق الدواء
من الواضح أن أزمة الدواء لن تنتهي إلا “بزوال مسبباتها بشكل كلي وليس بشكل جزئي”، تشير مصادر شركات استيراد الأدوية. و”طالما الأمور تحل بالمفرق وبشكل جزئي، فان ذيول الأزمة ستبقى تؤثر بشكل سلبي على سوق الدواء”. وبحسب نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة فان مشكلتين أساسيتين، دفعتا في الفترة الماضية الى تفاقم الأزمة، ولن يعود السوق إلى طبيعته إلا بانتهائهما بشكل كلي وليس جزئياً وهما:
– ديون الشركات الاجنبية التي ما زالت عالقة وتقدر بحوالى 500 مليون دولار، ما يخلق أزمة ثقة، فالمستوردون لن يقوموا بالاستيراد مجدداً قبل تسديد مستحقاتهم لأن الشركات الموردة الكبرى قد جمدت حساباتهم وترفض تسليم أي طلبيات جديدة قبل دفع جزء من الاستحقاقات الماضية، والا اعتبرتها ديوناً ميتة.
– كما ولا يمكن للمستورد الاستيراد بدون الموافقة المسبقة من مصرف لبنان، وهناك تأخير لافت في إعطاء الموافقات بسبب الوضع المالي، ويشدد أنه يجب على الأقل إعطاء الموافقة المسبقة لاستيراد أدوية السرطان والأمراض المزمنة.
أما بالنسبة الى الادوية التي أصبحت غير مدعومة وفق القرار الصادر عن الوزير حمد حسن بتحديد سعر صرف الدولار الأميركي لهذه الأدوية بنسبة 65 في المئة من سعر الصرف في الأسواق اللبنانية، أي 13650 ليرة لبنانية للدولار الواحد، هناك علامة إستفهام، يقول جبارة، “فكيف على المستورد بيع هذه الأدوية على 13650 ليرة للدولار الواحد بينما يتراوح الدولار في السوق السوداء بين 19500 و20000 ليرة للدولار الواحد؟ العقدة عالقة اذاً في وزارة الصحة، إما أن يرفع الدعم كلياً عن هذه الأدوية حتى ولو أصبح سعرها مرتفعاً، لكن كذلك يتمكن المستورد من شراء الأدوية ومدها في الاسواق، بدلاً من أن ينتظر المواطن شحنها من الخارج مع الأقارب والاصحاب”. وهنا يحذر جبارة “من وقوع كارثة في سوق الدواء اذا استمر الوضع على حاله، فالدواء يدخل الى لبنان في حقائب السفر بدون أن يخضع للرقابة للتأكد من فعاليته، ما يؤدي الى فقدان الأمان الدوائي في السوق”.
مبادرات تطلقها الجمعيات غير الحكومية
الى جانب هذه العقد، يأتي توفير الدواء المجاني من قبل أفراد وجمعيات في وقت تتعرض حياة المواطن كل يوم للخطر بسبب الازمة الحادة في نقص الأدوية. وفي ظل غياب تام لمن هم في موقع المسؤولية في الدولة، نرى عدداً كبيراً من الشباب يقومون بمبادرات فردية لمساعدة أبناء وطنهم ولزرع الأمل في بلدٕ أثقلته الهموم والمصاعب. وتتحدث الشابة مارينا الخوند، التي أسست مع فريق من الأصدقاء مبادرة “ميد دونايشن” لمساعدة العائلات المتضررة عن طريق تقديم الأدوية إليهم وتغطية المصاريف الصحية، وتقول: “في الحادي عشر من شهر آب 2020، أي بعد انفجار المرفأ، تم تأسيس مبادرة “ميد دونايشن” لمساعدة المتضررين من الانفجار، وتمكنا من مساعدة عدد كبير من اللبنانيين حتى اليوم، وكنا الى جانب أكثر من 2500 عائلة”. كما وبحديث مع الشابة نور نجم، التي أسست مبادرة “لبنان يحتاج” تقول: “أسسنا المبادرة في شهر كانون الأول 2019 لتأمين المتطلبات الضرورية لمن هم في أمس الحاجة إليها بسبب الأزمة الاقتصادية وخاصة أن صحة المواطن هي أولوية، لذلك كل مريض ينضم الينا تتم متابعته بشكل مستمر بمساعدة أطباء إختصاصيين، ويتم تأمين الأدوية والفحوصات اللازمة كل شهر بشكل مجاني”.
إن طمع السلطة السياسية وقلة إهتمامها بتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين تدفع اللبنانيين للقيام بمبادرات إنسانية ودعم كل من هم بحاجة للمساعدة، ونرى أن عدداً من الشبان والشابات قادرون على تحمل مسؤولية أكثر من المسؤولين المعنيين، فالأمر يحتاج الى روح الإنسانية والتعاون والإندفاع. فأين دور مصرف لبنان لإيجاد حل لهذه المشكلة الأساسية التي باتت تهدد حياة المرضى؟ ولماذا المماطلة في تشكيل حكومة قادرة على حل الأزمات العالقة؟