السبت, نوفمبر 23
Banner

هل ينجو نجيب ميقاتي من المحرقة؟



عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

مبدئياً، لو لم تكن القصة “خربانة” بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، ما كان على اللواء عباس إبراهيم شرف المحاولة والتدخّل لـ”صقل الحديد” بينهما. الآن، وما دامت الأمور على نحو ذلك، كيف سيستطيع الرئيسان أن يتعايشا في ظل “ورشة” مالية – إقتصادية – سياسية – أمنية، وورشة تصحيح بلد “ينحرف” عن مساره؟

في بداية الأمر، أي في مستهل التكليف، بدت العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، أشبه بحالة عاشقين مُقبلين على الزواج ويتفرغان للإنتهاء من أثاث المنزل وإعداد باحة الزفاف، لكن وعند انتصاف الشوط والوصول إلى مرحلة اتخاذ القرارات المصيرية، “كشّر” كلّ منهما عن أنيابه، وفجأةً، انقلب “شهر العسل” المفترض إلى “جهنم” قبل أوانه!

الآن، ثمة من يقول أن العلاقة بين الرئيسين الشريكين بحكم الدستور لم تتأثر وحسب نتيجة المواقف الأخيرة المتبادلة بينهما، إنما تضرّرت على نحوٍ لافت بل وقاسٍ جداً، وبالكاد باتا يُقبلان على الإجتماع وفق ذات الراحة النفسية التي طبعت الفترة الماضية، وقد احتاج إصلاح ذات البين بينهما إلى تدخّل المُصلحين على نية رعاية “تفاهمات” بات الوصول إليها أشبه بمعجزة، وعلى الأعمّ الأغلب ستصبح مهمة “الرعاة” هذه معتمدة وموجودة في مقبل الأيام بعدما “انكسرت” الجرّة، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

عملياً، هناك اعتقاد ينمو بفعالية بين “نادي” المعنيين بأمر التأليف، لا يحيل “انكسار” الجرّة إلى أسباب داخلية لو أن “كليشي” الأزمة يميل إلى ثقل داخلي، بل على الأرجح إن الأسباب تتوزّع في الخارج غير الراغب بتأليف حكومة وفق ما تمليه إرادة “الثنائي” الفائز في الإنتخابات النيابية، ونقصد هنا حزب الله + “التيار الوطني الحر”، ولو أن ثمة “اختلافات” غير جوهرية طرأت أخيراً في العلاقة السياسية بينهما، أهمّها قضية الحكومة مثلاً. إذاً، يحلو للبعض التكهّن أن مسألة الخلاف على الحقائب والأسماء وعلى أهميتها، ليست سوى “شمّاعة” تُعلق عليها الخلافات الحالية أو أنها عملية “إلهاء” للرأي العام لإمرار قطوع.

ثمة عوامل أخرى ليست بريئة أو يُمكن تجاهلها، منها مثلاً دخول رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على خط “خلق التباين” بين عون وميقاتي عبر “تزنير” الأخير بصواعق حكومية. صحيح أن الحريري له “ثأر قديم” مع العهد ويحبّذ تصريفه حالياً، أي مع قرب أفول عام العهد الخامس وقرب افتتاح صناديق الإنتخابات في الربيع المقبل، لكن الحريري له أيضاً “مآرب أخرى” من وراء وضع العصي في دواليب ميقاتي، من بينها “عداوة الكار” الناشئة بينهما، والتي تجسّدت خلال حقبة الإنتخابات النيابية الماضية وما قبلها، أي في أثناء تولّي الحريري رئاسة مجلس الوزراء وتموضع ميقاتي في خانة “الكمن” عند الكوع. فصحيح أن الحريري وميقاتي تجاوزا معاً تداعيات تلك الحقبة وانخرطا في نادٍ سياسيٍ واحد، لكنهما بقيا على يقظتهما من بعضهما. فميقاتي وحين عزم على دخول مضمار التكليف وضع نصب عينيه إمكانية التأليف السريع، وكان في اعتقاده أن نجاحه ثم تفسير النجاح إلى حدود تخفيض سعر صرف الدولار و إنجاز “إصلاحات” في موضوع الكهرباء والركون بالمحروقات إلى برّ الأمان، كلها عوامل مفيدة لتحصيل “فوز” مستحق في الإنتخابات يأكل من صحن بيت الوسط ويجعل من ميقاتي رفيق الحريري – 2، اي على صورة “الشيخ رفيق” عام 1993.

في المقابل، يتوجّس الحريري من احتمالات نجاح ميقاتي تلك. أصلاً، “الشيخ سعد” ما ترك ميقاتي يُقبل على التكليف إلا رغبةً منه في “إحراقه” سياسياً، تماماً كما فعل سابقاً مع سمير الخطيب و جواد عدرا و محمد الصفدي وليس أخيراً مصطفى أديب. والحريري “العالق” حالياً في شرنقة تراجعه الشعبي وبيع ممتلكاته بالمزاد العلني في السعودية، لا يترك لميقاتي ترف التقدم على حسابه و “تقريش” ذلك شعبياً وفي صناديق الإقتراع، وعليه إن دوافع “تهشيل” ميقاتي متساوية بين الخصمين اللدودين، جبران باسيل وسعد الحريري ومعهما العهد!

لكن هنا، وإن صحّ أن ثمة “رغبة” في التهشيل، فمن غير الواضح ما سيكون عليه موقف “التيّار الوطني الحر”؟ مبدئياً، يقّر “التيار” –كما غيره- أن التكليف الحالي هو الأخير في عمر العهد، وفيما لو عزم ميقاتي على الخروج منه، فإن ثمة استحالة في العثور على “مكلّف” جديد، ليس لفقدانه من “السوق” إنما بفعل كمية “الفيتويات” التي ستهطل على أي مكلّف. بهذا المعنى، وفيما لو لم يُكتب لميقاتي النجاح وخرج كخروج الحريري، فإن “التيار” وكتلته النيابية “لبنان القوي” لن يجدا مانعاً في تفعيل استدارة سياسية عبر إعلان الإستقالة من مجلس النواب، أي الإستقالة التي طالما هدّدَ بها باسيل ورفض مثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري تهديده بها، وعمل “حزب الله” على مراحل متفاوتة على “نزع” هذا الدافع من “التيار”.

أما اليوم، وبفعل ما وصلته الأمور وقد تصلح في حال استمر الخلاف على الحكومة وسقط مسعى “اللواء إبراهيم” الذي يقدّر بأنه الأخير وخرج ميقاتي “مهزوماً” من التأليف، فإن “التيار” لن يقبل تحميل العواقب له وحده، إنما في باله أن يوزعها بشكلٍ متساوٍ بين فروع ثلاث: بالمعنى السني للرئيس ميقاتي + رؤساء الحكومات السابقين، بالمعنى الشيعي لرئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه “حزب الله”، وفي الجانب المسيحي لتيار “المردة” والمستقلين المسيحيين الآخرين، وبطبيعة الحال له حصة.

قد ينتج عن أي استقالة أو إعتذار محتمل، سواء لميقاتي أو نواب “التيار”، فرار من المسؤولية وبالتالي تقليب الأوراق السياسية في الداخل، إنما لن ينتج عن ذلك تغيير سياسي بما تحمله كلمة تغيير من معنى بل أزمة سياسية أعمق. في الواقع، ومع اقترابنا من مرحلة الشروع الدستوري من حيث المهل في زمن الإنتخابات، قد تصبح الإستقالة مجرّد “خطوة” لا مردود سياسي لها، فلا انتخابات مبكرة ولا من يحزنون، إنما سترفّع حكومة حسان دياب المستقيلة وغير المتجانسة حالياً مع العهد والداخلة في “تزاحم” سياسي معه، وقد يحصل أن تستلم هذه الحكومة البلاد في حال لم تتبدّل التوازنات وبقيت الأمور في دائرة التعقيد ذاتها بعد الإنتخابات !

Leave A Reply