السبت, نوفمبر 23
Banner

التفاؤل بالتأليف يصطدم بالثلث المعطّل.. والشارع يغلي قبل رفع الدعم.. والأجهزة قلقة

حالة الصعود والهبوط التي يتأرجح فيها ملف تأليف الحكومة منذ 5 أسابيع، تَشي تارة بخاتمة سعيدة، وتارة أخرى بخاتمة تشاؤمية، ما يجعل من الصعب تحديد الوجهة النهائية التي سيسلكها هذا الملف. وإن كانت الغيوم الملبّدة في أجواء الاتصالات وحركة الوسطاء قد مالت الى البياض بعض الشيء ربطاً بالمناخات الايجابية التي أُشيعت فجأة في الساعات الاخيرة.

وسط هذه المناخات، يُجمِع كل المعنيين بالتأليف على مسألة وحيدة، وهي أنّ الحسم في هذا الملف، لناحية اعلان ولادة الحكومة، قد بات وشيكا جدّا والمسألة باتت مسألة ساعات معدودة والحكومة صارت على باب الولادة.

لعلّها المرة الأولى منذ بدء الأزمة الحكومية الذي “يَطبش” فيها منسوب الايجابية بهذا القدر الذي يحيط ملف التأليف في هذه الفترة، واللافت انّ القريبين من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قد التقوا على تأكيد هذه المناخات، مع مبادرتهم الى تحديد مواقيت قريبة جداً لإعلان ولادة الحكومة. وخلال فترة لا تتجاوز الساعات الثماني والاربعين ساعة المقبلة. وبحسب هؤلاء المقربين فإن الرئيس المكلف قدم لرئيس الجمهورية تشكيلة مكتملة ونهائية، وثمة محاولات لحسم الخلاف حول بعض الأسماء والحقائب. أما بالنسبة الى الثلث المعطّل، فبحسب التشكيلة لم ينله اي من الاطراف، وعلى ما قال نواب عونيون ان الاتفاق تمّ على حكومة من 24 وزيراً: لرئيس الجمهورية 8 وزراء، واما الـ16 الآخرون فلسائر القوى السياسية.

جرعة تفاؤل… ولكن؟

واللافت للانتباه أن مَن تعمّد في الساعات الاخيرة ضخّ جرعة التفاؤل أوحى من خلالها ان ولادة حكومة نجيب ميقاتي صارت مسألة ساعات قليلة، وبُني التفاؤل على دخول اميركي – فرنسي على خط تسريع ولادة الحكومة، وَضعَ أسس الحكومة العتيدة على قاعدة ثلاث 8، تطمئن كل الاطراف، ويرى فيها كلّ طرف ضمانة له. إلا أنّ جرعة التفاؤل تلك، تبقى غير مكتملة تبعاً للتجارب التفاؤلية السابقة، التي افتقدت الى الجدية والصدقية وما كانت سوى مَلهاة وهروب الى الامام، علماً ان الملف الحكومي كان بالامس محل تداول بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وخصوصا حول النقاط العالقة واهمها الثلث المعطل وإحجام التيار الوطني الحر عن منح الحكومة الثقة.

وبمعزل عن هذه الصورة المتأرجحة بين التفاؤل وعدمه، فإنّ الكلمة الفصل التي تحسم وجهة الملف الحكومي تبقى معلّقة على اللقاء الرابع عشر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، والذي يفترض أنّه صار وشيكا، وربما خلال ساعات، وأنّه سيضع النقاط النهائية على حروف التشكيل او التعطيل.

والمعلومات الاكيدة في هذا السياق انّ اللقاء الرابع عشر سيحدد وجهة التأليف بشكل عام، فإمّا يقود في اتجاه ولادة الحكومة، واما في اتجاه اعلان الفشل، وبالتالي اعتذار الرئيس المكلف. وهذا بات مؤكدا في الاوساط القريبة منه التي تؤكد أنّه ليس في وارد البقاء في مراوحة سلبية ودوران في حلقة مفرغة.

مشهد التأليف

حتى ما قبل ساعات قليلة، كان مشهد التأليف ملفوحاً بجو إيجابي، على ما يؤكد معنيون بملف التأليف، الا انه رغم ذلك لا يمكن التأكيد ان ظروف ولادة الحكومة قد نضجت نهائيا، ذلك انّ الاتصالات حول هذا الملف ما زالت “تَعسّ” في مربّع الخلاف على بعض الأسماء والحقائب. وثمة محاولة جدية لحلحلة موضوع الثلث المعطّل الذي يصرّ عليه فريق رئيس الجمهورية، لكن لا شيء نهائياً حتى الآن. ويكشف هؤلاء المعنيون أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أجرى دورة اتصالات جديدة ما بين القصر الجمهوري وبناية “البلاتينيوم”. وقد تواكبت مع إعادة وضع مبادرة الرئيس نبيه بري كأساس لتأليف حكومة متوازنة لا ثلث معطلاً فيها لأي طرف. والمعلوم أن هذه المبادرة تحظى بغطاء دولي كامل.

أحبّ أن أصدّق… ولكن

وفي موازاة المناخ الايجابي الطاغي على ملف التأليف، أمِل مصدر سياسي مسؤول ان تترجم هذه الايجابيات جديا، بما يفضي الى حكومة قريبا، لا ان تكون هذه الايجابيات كسابقاتها مجرّد فقاعات هوائية.

وقال المصدر: انا أرغب في أن أصدّق الإيجابيات، لكن لست قادراً على ذلك، فمن جَرّب المجرّب بيكون عقلو مخرّب، انا فقط أصدّق المراسيم عندما تصدر.

وسأل: هل تراجع رئيس الجمهورية لكي تتشكل الحكومة بلا ثلث معطل؟ وقال: حتى ما قبل ساعات قليلة كانت اوساط الفريق الرئاسي تؤكّد انّ رئيس الجمهورية ثابت على موقفه، ومتمسك بثوابت ومعايير يعتبرها جسر العبور الالزامي لتأليف الحكومة، ودونها لا حكومة خارج هذه الثوابت والمعايير التي واجهه فيها تكليفَي السفير مصطفى اديب والرئيس سعد الحريري. وتبعاً لذلك، فإنّ عون لن يوقّع مراسيم تأليف أيّ حكومة من دون كابح في يده، او ضمانة أن يكون شريكا حقيقيا وفاعلا في الحكومة، لأنّه مدرك أنّه من اللحظة التي يوقّع فيها المراسيم من دون تلك الضمانة، معناها أنّ ما تبقى من عهده انتهى لحظة التوقيع، وأنه يصبح اعتباراً من تلك اللحظة وكأنّه قدّم رأسه لخصومه السياسيين وهم كُثر، ويتحيّنون تلك اللحظة للانتقام منه. امام هذا الجو، هل حصل انقلاب في الموقف الرئاسي لكي يقبل عون بحكومة ليس هو وفريقه السياسي صاحبا القرار فيها؟

الزخم موجود

معلومات “الجمهورية” من مصادر موثوقة انها لا ترى إفراطاً في التفاؤل في الاجواء المحيطة بالرئيس المكلف، بل تتحدث عن مقاربة موضوية لملف التأليف، وجهود جدية لإحداث خرق.

ورداً على سؤال حول ما اذا كان فريق الرئيس المكلف ينظر بجدية الى ما يجري ضَخّه من ايجابيات، قالت المصادر: من الاساس يتعاطى الرئيس المكلف مع ملف التأليف بروحية ايجابية، ولا شك انه شعر بشيء من الإحباط الطبيعي لتأخّر ولادة الحكومة حتى الآن، حيث انه كان يعوّل على ولادة سريعة لولا تلك المطبّات التي اعترضت طريقه من شتّى الإتجاهات، إضافة الى بعض التشويش عليه عبر محاولات متكررة للعزف على خطوة اعتذاره التي روّج لها البعض، علماً انها من الاساس فكرة واردة منذ بداية التكليف بوصفها آخر الدواء، ولكنّها ليست مطروحة على الطاولة حالياً. فالرئيس المكلف ما زال يحافظ على بعض الزّخم في الاستمرار في تحمّل المسؤولية التي قبلها على رغم إدراكه بصعوبتها وقناعته في أن في إمكانه قيادة عملية إنقاذية. وكما يقال فإنّه قرر أن يمدّد فترة “صموده”، وطَوّل الحبل قليلاً لعل الاتصالات والجهود تتمكّن من إحداث الخرق المطلوب خلال الأيام المقبلة.

رواية متفائلة!

في هذا الوقت، وفي غياب الخبر اليقين، تأرجحت التقديرات لِما سيؤول اليه الملف الحكومي، وسط تأكيدات لبعض المعنيين بملف التأليف انّ الامور قد بلغت خواتيمها بدفعٍ قوي هذه المرة من الفرنسيين الذي كانوا حاضرين على الدوام في هذا الملف، وبشراكة مباشرة وبزخم اكبر هذه المرة من الاميركيين، حيث كانت خطوط السفارة الاميركية مفتوحة في كل الاتجاهات. وبحسب تقدير هؤلاء المعنيين فإن اليومين المقبلين حاسمان على هذا الصعيد، حيث ما زال هناك بعض “الروتوش” على التفاهم، يفترض ان يُنجز خلال ساعات قليلة، تولد الحكومة بعدها بشكل رسمي قبل نهاية الاسبوع الجاري، وإنّ يومي الاربعاء والخميس حاسمان على هذا الصعيد.

رواية متشائمة!

ولكن في موازاة هذه الرواية المتفائلة، تبرز رواية مناقضة جوهرها التشاؤم الكلّي، حيث يؤكد اصحاب هذه الرواية انهم ليسوا مطمئنين من اكتمال المشهد الايجابي، فحتى الآن ليس هناك ما يؤكد وجود إرادة جدية بتأليف الحكومة. واذا ما عدنا الى الخطاب المتبادل بين المعنيين بالملف الحكومي، يتبيّن بما لا يقبل أدنى شك أن النيات السياسية المرتبطة بعملية التأليف ليست سليمة، فضلاً عن الدخول الفرنسي او الاميركي الذي سبق له ان غاص عميقاً في ملف التأليف، من دون ان تبرز اي استجابة له، فما الذي تبدل اليوم؟

ويبني هؤلاء روايتهم المتشائمة على ان الرئيسين الشريكين في تأليف الحكومة، وعلى رغم حرصهما المتبادل على لغة التخاطب الهادىء بينهما منذ تكليف ميقاتي قبل خمسة اسابيع، وتجنّبهما الدّخول في سجال مباشر، علماً أن الامور كادت ان تفلت من أيديهما لو لم يتداركا ويحتويا ما سمّيت “حرب البيانات” الأخيرة وما تضمّنته من اتهامات بالتعطيل، إلّا انّهما، على ما يقول المطلّعون، ليسا مطمئنّين لبعضهما البعض، والمسألة ليست بنت ساعتها، بل هي تعود إلى البدايات، فالفريق الرئاسي يعتبر نفسه أنّه تجرّع تكليف ميقاتي رغم إرادته، وهو بالتالي حَذِرٌ منه من البداية باعتبار ميقاتي يشكل امتداداً للخصوم، وعلى وجه التحديد الذين يتمركزون في نادي رؤساء الحكومات السابقين وميقاتي عضو في هذا النادي، فلم يسمّه في الإستشارات الملزمة، وقبل يوم واحد من تلك الاستشارات تبلّغ ميقاتي صراحة من رئيس التيّار الوطني جبران باسيل بأنّ تكتله النيابي لن يسمّيه ولن يمنح حكومته الثقة. يضاف الى ذلك الكلام الرئاسي المباشر الذي قيل خلال تلك الاستشارات على مسمع بعض النواب الحلفاء للعهد، وعكسَ عدم ارتياح لتكليف ميقاتي وحرفيّته “الحمدلله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه”.

ويجزم اصحاب الرواية المتشائمة ان كل الطروحات التي تمّ تبادلها بين الرئيسين في لقاءاتهما الـ13، جرى التداول فيها في جوّ من الحذر المتبادل، الذي لم يمكّنهما من بلوغ مساحة مشتركة تُبنى عليها حكومة متوازنة بلا ثلث معطّل لأي طرف. بل أبقاهما في حال دوران في متاهة تارة حول الحقائب الوزارية، وتارة ثانية حول الاسماء المقترحة للتوزير، وتارة ثالثة حول الوزيرين المسيحيين واصرار الرئيس على تسميتهما، وكذلك الأمر بالنسبة الى العقدة الاساس المتمثلة بالثلث المعطّل الذي يقول الرئيس عون انه لا يطالب به، فيما كلّ الآخرين يجزمون بإصراره عليه، بدليل أنّ كل الطروحات الرئاسية تؤدي الى الثلث المعطّل واكثر.

تبعاً لهذه الصورة، تخلص الرواية المتشائمة الى الاشارة الى أنّ قرار الإقلاع بحكومة ليس ناضجا حتى الآن، ويُخشى الا ينضج هذا القرار، ذلك أنّ ثمة معوقات كثيرة ما زالت تعترض مسار التأليف. فمن جهة، الرئيسان عون وميقاتي لا يريحان بعضهما بعضاً، فلكلّ منهما رؤيته وسقفه الذي لا ينزل تحته. ومن جهة ثانية، الآخرون لا يريحان رئيس الجمهوريّة والرئيس المكلّف، ويتبدّى ذلك في مداخلات سياسية كثيرة دخلت على خط التأليف، وبعضها حاول، وفي الخفاء، إرباك الرئيس المكلف والتشويش على دوره ومساعيه لتأليف الحكومة، أما بعضها الآخر فجاء على شكل طروحات ومطالب مبالَغ فيها، بحيث أنّ أطرافاً أصرّت على حقائب معيّنة، وأطرافاً أخرى أصرّت على أسماء لوزراء بعضهم من طائفة واحدة ومن منطقة واحدة، بما استفزّ الفريق الرئاسي.

أيلول يصعّب الحلول

وتتقاطع تلك الرواية مع قلق تُبديه مراجع مسؤولة مما تعتبرها مؤشرات غير مطمئنة، يخشى ان تلفح ارتدادتها ملف التأليف، بدءاً من التوتر السياسي المتفاقم على أكثر من خط داخلي. وتندرج في هذا السياق المواقف المتصاعدة للتيار الوطني الحر وتلويحه باتخاذ خطوات تصعيدية، ومن ضمنها الاستقالة من مجلس النواب، وكان باسيل قد ألمح الى ذلك في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب، معلناً اننا لا نستطيع ان نكون مكتوفي الايدي امام ما يجري.

وتندرج في هذا السياق ايضاً الاستحقاقات المنتظرة في ايلول، خصوصاً لناحية رفع الدعم عن المحروقات وغير ذلك من السلع، وما قد يترتّب على ذلك من تداعيات وتحرّكات لا سقف لها في الشارع، تُنذر بانفجار اجتماعي وفوضى، والأجهزة الأمنية على اختلافها يدها على قلبها وتخشى من انفلات الأمور الى حدّ يستحيل احتواؤه، فكيف يمكن أن تتشكّل حكومة في هذه الأجواء؟

الجمهورية

Leave A Reply