غسان ريفي – سفيرالشمال
بات واضحا أنه كلما وصلت عملية التأليف الى خواتيمها تمهيدا لاعلان مراسيم تشكيل الحكومة العتيدة، يأتي من يقلب الطاولة بطرح مطالب جديدة أو بوضع شروط إضافية، ما يؤدي الى تعقيد الأمور مجددا، ويوحي بأن فريق العهد الذي يمتلك التوقيع من خلال رئيس الجمهورية ميشال عون، يحاول في كل مرة اللجوء الى “الابتزاز السياسي” لتحصيل ما أمكن من مكاسب، وصولا الى “ثلث معطل” مقنّع يستطيع من خلاله أن يكون شريكا مضاربا للرئيس نجيب ميقاتي في الحكم.
لم يعد خافيا على أحد أن الحكومة الميقاتية باتت شبه جاهزة، وهي لا تحتاج سوى الى لمسات أخيرة بنوايا صادقة وصافية لكي تبصر النور وتبدأ مسيرة وقف الانهيار، لكنها تواجه تعطيلا عن سابق تصور وتصميم ولأسباب متعددة تصب كلها في خانة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يفتش عن كلمة فصل في الحكومة وعن “ثلث معطل” يبقيانه على قيد الحياة السياسية في المرحلة المقبلة.
اللافت، أن هذا التعطيل المبرمج والواضح المعالم، يغطيه فريق العهد بكثير من الايجابيات التي يحرص على إشاعتها يوميا، تارة من خلال تصريحات الرئيس عون الذي يعطي لنفسه صكوك براءة أمام كل وفد يستقبله بنفيه المطالبة بالثلث المعطل، وتارة أخرى من خلال المصادر والمعلومات التي تُسرب من دوائر بعبدا عن التسهيلات التي يقدمها عون الى الرئيس المكلف، وطورا بالمواقف السياسية لنواب التيار الوطني الحر الذين إعتنقوا مؤخرا “الزهد السياسي”.
وبالرغم من المحاولات الرامية لتنسيق هذه المواقف لابعاد تهمة التعطيل عن العهد، فإن التناقض فرض نفسه على كثير منها، حيث لم يستطع بعض مسؤولي وكوادر التيار الوطني الحر أن يخفوا حماستهم لحصول فريق رئيس الجمهورية على الثلث المعطل، ولحصوله أيضا على الوزارات الوازنة وعلى المشاركة في تسمية كل الوزراء، الأمر الذي ينسف كل تصريحات الرئيس عون وصهره باسيل، ويؤكد أن فريق العهد يضمر غير ما يعلن، وأنه يريد المشاركة في الحكومة، والحصول على الوزارات الوازنة، وممارسة المعارضة، وعدم إعطاء الحكومة الثقة، وعدم تحمل أي مسؤولية أمام الشعب اللبناني في وقت واحد.
لا شك في أن السلوك الذي يمارسه العهد لا يبشر بالخير، ولا يوحي حتى الآن بأنه جاد في تشكيل الحكومة، وهو يترافق أيضا مع كم هائل من الشائعات التي تطلق على مدار الساعة، مغلفة بالمصادر والمعلومات والتسريبات والتصريحات، حول “آلية التأليف، والاعتذار، وفشل المفاوضات أو توقفها، وإغلاق الأبواب، وعودة الأمور الى المربع الأول”..
تؤكد المعطيات أن كل ما يشاع على الصعيد الحكومي بعيد كل البعد عن الواقع، كما أن محاولات التعطيل الرامية الى الحصول على المطالب العونية، تترجم إصرارا لدى الرئيس المكلف على السير بمهمته الانقاذية، وذلك من خلال التفتيش عن المخارج التي لا تمس بجوهر مسلمات التأليف وتساعد في الوقت نفسه على أن تبصر الحكومة النور.
لا يختلف إثنان على أن إعتذار الرئيس ميقاتي سيكون له تداعيات كارثية على البلاد والعباد، علما أن مجرد الحديث أمس عن وصول المفاوضات الى طريق مسدود ألهب الأسواق وأدى الى تفلت الدولار من عقاله مجددا، لذلك، فإن ميقاتي يُدرك خطورة هذا الخيار، ويسعى الى تجنبه لتفادي وصول لبنان الى الارتطام الكبير، خصوصا أنه جاء بمهمة وطنية هدفها الانقاذ من المفترض أن يتلقفها العهد كونها تشكل الفرصة الأخيرة له.