مرسال الترس – سفير الشمال
من المفترض أن تَمثُل الحكومة الجديدة أمام مجلس النواب مطلع الأسبوع المقبل لنيل الثقة، وللانطلاق في ورشة العمل بعزم على قدر المسؤوليات الوطنية الملقاة على عاتقها في هذه الظروف المؤلمة وغير المسبوقة حتى في أوضاع الحروب والصراعات.
بالتأكيد، فإن الحكومة العتيدة لن تستطيع أن “تشيل الزير من البير” ولكن من المفترض أن تعمل بأكثر من طاقات وزرائها لتخفيف الأعباء قدر المستطاع ووفق الإمكانات المتاحة عن كاهل المواطنين الذين ذاقوا الأمرّين خلال السنتين المنصرمتين، بغياب معظم المسؤولين عن السمع في معظم الأوقات بينما كان المواطن يواجه باللحم الحي لؤم الاستراتيجيات الخارجية، وغياب القرارات الداخلية، وجشع التجار…وقلة الأخلاق والضمير.
في مذكراتها تروي رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي التي تم إغتيالها بتفجير، “أنها سألت والدها الزعيم جواهر لال نهرو: ماذا يحدث في أي حرب ـ فردّ عليها: ينهار الاقتصاد… قالت له: ماذا يحدث لو إنهار الاقتصاد ـ أجابها: تنهار الأخلاق… قالت له: وماذا يحدث أيضا لو انهارت الأخلاق فقال: يستطيع الإنسان أن يتعايش في أي مجتمع فيه بعض النقص الغذائي والاقتصادي والثقافي والترفيهي، إلا انعدام الأخلاق حيث تذهب الأعراف والقوانين ويتبخر الخير ويتحول كل شيء إلي غابة ولهذا تصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة”!
بالتأكيد مثل هذا الكلام لا يحتاج إلى أي تعليق، ولكنه يَصلُح إلى أن يتم إسقاطه على الوضع في لبنان:
فالبلد مُتخم بالأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية (على الأقل هذا ما أظهرته المصادرات في بعض المستودعات والصيدليات) فيما فاقدو الأخلاق والضمير يحتكرونه ويمنعونه عن مرضى السرطان والسكري الذين يحتاجون إليها بشدة لغسل الكلي. في وقت تؤدي المستشفيات أدواراً لا تليق مطلقاً برسالتها الإنسانية (على ما كانت تدّعي مع شريحة من الأطباء العاملين تحت لواءها).
والوطن غني بالنفط والغاز، فيما الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثة عقود هدرت المليارات على استيراده وإحتكاره والمتاجرة به بدون شفقة به أو رحمة من الشركات المستوردة والمافيات التي تدور بفلكها، بينما المواطنون يفترشون الطرقات عبر الطوابير التي تمتد لكيلومترات لإستعطاء بعضه وكأنه المن والسلوى.
ولبنان الذي كان يوصف ببلد الخيرات، وبقاعه بإهراءات روما، تحوّل أبناءه إلى أحصنة في سباق للتفتيش عن هذا المنتج أو ذاك بعدما عكف التجار على تبديل أسعارها أكثر من مرة في اليوم الواحد، أو إخفائها لحين إلتهاب أسعارها، حتى باتت الرفوف شبه فارغة.
بات جلياً إن ما جرى ويجري في لبنان ليس نتيجة لشحّ العملة الأجنبية أو فقدان الأدوية والمواد الغذائية وأصناف المحروقات وما إلى ذلك، بل بإستقالة الأخلاق ونوم الضمائر وتحوّل العديد من افراد المجتمع إلى وحوش ضارية تفتش ليل نهار عن فريسة من أبناء جلدتها. وعندما تعود الأخلاق والضمائر ستتبدل بالتأكيد الصورة إيجاباً ويتعاون أبناء الوطن على التكاتف والتضامن في المحن!.