عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
يُمكن القول أن الأجواء بين “حزب الله” والمحقّق العدلي في تفجير المرفأ طارق البيطار قد انفجرت. سبقت ذلك عمليات قصف تمهيدية تولّى السيد حسن نصرالله تنفيذها في مقابل طلعات إعلامية وقفت خلفها “مصادر بيطار”، ما أوحى أن الأمور مقبلة على ما هو أبعد من قضية خلاف على مسار تحقيقات وتهمة تسييسها طالما أن الوقائع توحي بوجود “قطب مخفية” يُراد من ورائها الإقتصاص من جهات محدّدة سلفاً.
المسألة إذاً لا تتّصل بتسريبة صحافية “مضخّمة” أو بزيارة أجراها قبل يوم من “الإشتباك” الحاج وفيق صفا إلى قصر العدل. لقد شوهدَ مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في بهو القصر، يهمّ بالخروج من مكتب المدعي العام التمييزي غسان عويدات بهدوء. الآن ما الذي حصل في الداخل حتى استدعى هذا التطوّر الخطير؟ هل صحيح أن صفا حضر إلى عويدات على نية مكاشفته بتجاوزات بيطار وتسييسه لملف التحقيقات وارتياب الحزب المشروع منه، أم لأمرٍ آخر؟ هل وصلت إلى بيطار مفاعيل نتائج زيارة صفا، فقرّر الهجوم إرتدادياً على قاعدة “أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم” معتمداً لغة التسريب ذاتها التي اعتادها في التحقيقات؟
ما يمكن استخلاصه في هذا المجال، أن المبارزة مع “حزب الله” انتقلت من الحقل السياسي والإقتصادي إلى القضائي – الإعلامي، وهنا، لا مجال لإنكار تأثيرات المازوت الإيراني والموقف الأميركي منه. الأميركيون الذين هدّدوا “دبلوماسياً” لبنان بأن وصول هذا المازوت سيشكّل خطراً عليه، قد تظهر رغبة لدى بعض اللبنانيين وجنوحاً عند آخرين باتجاه دفع الأثمان، ليس على شكل الثمن “المبهم” الذي حاول تقديمه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر موقف صحفي مرّره من فوق الطاولة من خلال قناة إعلامية أميركية، سرعان ما تنصّل منه تحت الطاولة عبر قناة إيرانية، إنما إجراءات “ردعية” تُتخذ على الأرض لإشغال الحزب، الذي يمضي في توزيع المازوت رغم “رزمة” العوائق التي باتت “تفرّخ” أمامه كالفطر.
على مسار الحكومة، يحاول رئيسها نجيب ميقاتي العبور من بين الألغام. الغياب السُنّي الوازن عن جلسة الثقة بما يمثله كلّ من الرئيسين سعد الحريري وتمام سلام من ثقل سياسي بصفة عضويتهما في مجمع “رؤساء الحكومات السابقين” إلى جانب غياب أحد نوّاب بيروت السُنّة الرئيسيين نُهاد المشنوق، لا يمكن العبور عنه من دون تعليق. ومن المؤكد في مكان، أن ميقاتي قارئ سياسي نهم وجيد وصاحب حيلة وبإمكانه اكتشاف ما بين السطور، سيّما سطور مواقف رجالات تيّار “المستقبل” الذين، ومن على منبر مجلس النواب حاولوا أن يبيعوه الثقة “بيع”، ومن خارج المجلس يتناوب الكثير منهم على قذفه بشتى العبارات والهجمات، المعلن منها والمستتر، فيما ينكبّ آخرون على محاولة إظهار عمق العلاقة مع الرئيس الوافد بدليل مقاسمتهم إياه عضوية وزيرين زرقاوين كاملي الدسم. بهذا المعنى قد يكون “المستقبل” يوزّع الأدوار في ما بين أعضائه، إن لم نقل يشهد على خروج جديد عن الطاعة، وهي سمة بارزة باتت مؤخراً شديدة الوضوح، سيما مع المواقف التي يتبنّاها القياديون الزرق عادةً.
على الأرض، حاول الرئيس نجيب ميقاتي إستثمار حالة “الإنفتاح” السعودي تجاهه، ولربما ارتأى الردّ في مكان على “فذلكات” شركائه الزرق. فالسفير وليد البخاري العائد لتوّه من الرياض بعد “استدعاء” قصير نوعاً ما، كان أولّ نشاط يمارسه أن التقى ميقاتي في منزل الأخير. ويجوز هنا الإعتقاد، وسنداً إلى طبيعة اللقاء وتوقيته، أنه تضمّن نقل رسائل بصرف النظر عن نوعها إلى ميقاتي، مع ضرورة الإبقاء على فكرة “محدودية” اللقاء كأمر بروتوكولي واجب إنجازه قائماً، ولو أنه سياق لم تتم مراعاته مع الحريري.
وميقاتي عملياً، حاول أن يستغلّ “الجلسة السعودية” في السياق السياسي، موحياً أنه يتمتع بدعم سعودي، مردود إلى كلام سابق له عن كونه “يحظى بدعم دولي وعربي”. إلى جانب ذلك، يعدّ تعميم الجلسة على الشكل الذي أتت به بمثابة “لطشة” إلى عدوّه في الكار الرئيس سعد الحريري، أو أنها ردّ فعل حول “تلطيشات” جماعته. فالحريري الذي امتنع البخاري عن إجراء أي مقابلة معه طيلة فترة “مأموريته” في التكليف، وتمنّع عن استقباله سواء في مبنى السفارة أو منزله، مضافاً إلى ذلك رفضه تقديم التهنئة على تكليفه، يُفترض أنه لم يستقبل صور اللقاء بكثير من العصمة السياسية، بل من الجائز القول أنها صورة تصلح لأن يُبنى عليها الكثير لقراءة مشهدية الأيام المقبلة سيّما مع القرار السعودي المتخذ بـ”طرد” آل الحريري من المملكة!
قد لا يصحّ القول في هذا التوقيت أن ثمة “قبّة باط” سعودية لميقاتي، طالما أن المملكة لا تزال تعتبر نفسها غير معنية بالشأن اللبناني، أقلّه في مسألة دعم هذا البلد ومساعدته في العلن، ومن دون أن تكون كذلك في شأن تدخّلها به بشكل سلبي ولو عبر الرسائل الموجّهة بشكل غير مباشر، لكن على الأكيد أن الرياض معنية بكل ما يحصل في لبنان، وعلى الأغلب هي معنية أكثر من غيرها بوضعية الحريري السياسية. وهنا، لا يمكن تجاوز تفسير البعض حيال نظرته إلى تعاظم الخلاف المستتر بين “القوات اللبنانية” (بالصفة التي تحملها كأداة سياسية سعودية بديلة) وتيار “المستقبل”، والذي يُصرف في الأمن والقضاء بأنه مسألة داخلية لبنانية، ولا يمكن المرور عن تجاوز تمام سلام ونهاد المشنوق لجلسة الثقة من دون سبب مقنع وكأنها لم تكن… وللحقيقة قد تبدو رسالة إلى الحريري أكثر منها لميقاتي.