غداة نيل حكومته ثقة المجلس النيابي، تحرّك الرئيس نجيب ميقاتي على الجبهتين الداخلية والخارجية لالتقاط الفرص، ولترجمة الضمانات الدولية التي قال انه حصل عليها إثر تكليفه تأليف الحكومة. وقد توزعت اهتماماته أمس بين موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، فأعلن عن زيارة عمل سيقوم بها الى باريس غداً للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الوقت الذي عَقدَ اجتماعاً اقتصادياً مالياً خصّص للبحث في خطة التعافي الاقتصادي، وقبل ذلك كان له اجتماع في القصر الجمهوري مع رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب خصّص للبحث في موضوع الاعلان الاسرائيلي عن تلزيم التنقيب في حقل كريش البحري، في خطوة يُشتبه انّ فيها اعتداء على حقوق لبنان النفطية والغازية في هذه المنطقة المتنازع عليها بينه وبين اسرائيل. وعلمت “الجمهورية” انّ ميقاتي يهدف من لقائه الرئيس الفرنسي الى تحريك تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” التي من شأنها ان تمكّن لبنان من الحصول على 3 الى 4 مليارات دولار، في ضوء وعد من ماكرون بتمكين لبنان من ذلك. كذلك فإن ميقاتي يريد من هذه الخطوة ملاقاة المفاوضات المرتقبة بين لبنان والصندوق النقد الدولي الذي كان قد تردد سابقاً أنه سيمنح لبنان قروضاً ببضعة مليارات لتنفيذ بعض المشاريع الانمائية والحيوية على مستوى البنى التحتية، وذلك في حال الاتفاق مع السلطات اللبنانية على تنفيذ الاصلاحات المقررة في مؤتمر “سيدر” وفي المبادرة الفرنسية.
على وَقع ثقة الـ85 نائباً، يزور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باريس غداً، ويلتقي الجمعة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون سعياً الى كسب الثقة الفرنسية والدولية، وذلك في أول زيارة له الى الخارج بعد عودته الى السرايا.
يعرف ميقاتي انّ باريس تكاد تكون بوّابته الوحيدة الى المجتمع الدولي، بعدما كانت “سبونسِر” التشكيلة الحكومية التي ساهمت في ولادتها، بعد مخاض طويل وعسير.
وما يعزّز حاجة ميقاتي إلى الدور الفرنسي في هذه المرحلة هو انّ دول الخليج، وفي طليعتها السعودية، لم تعط بعد اشارة الى انها في صدد فتح أبوابها وخزائنها امام لبنان لمساعدة حكومته على تأمين متطلبات بدء مسيرة الخروج من الهاوية.
واللافت انّ رحلة ميقاتي الباريسية تأتي بدعوة من ماكرون الذي لم يَحُل انشغاله بأزمة الغواصات مع واشنطن في مواصلة الغوص في الشأن اللبناني. وترجّح اوساط مطلعة ان يحضّ ماكرون رئيس الحكومة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في اقصر وقت ممكن، واعادة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذلك لتسهيل حصول لبنان على المساعدات الدولية المرتقبة وتأمين البيئة المناسبة للمسعى الفرنسي في هذا المجال. وتتوقع الاوساط ان يكون من بين اهتمامات ماكرون ضمان اعطاء الأفضلية للشركات الفرنسية في مشروعي إعادة بناء المرفأ والنهوض بقطاع الكهرباء المتهالك، خصوصاً انّ ماكرون يقف على بُعد أشهرٍ من موعد الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، وهو يحتاج إلى إنجاز سياسي- استثماري في لبنان قد يساهم في تعزيز موقعه ضمن السباق الرئاسي.
رَد الجميل
وفي رواية أُخرى، قالت مصادر مطلعة عن التحضيرات حول زيارة ميقاتي لباريس لـ”الجمهورية” ان الجهود لترتيب اول لقاء بينه وبين ماكرون بدأت قبَيل تشكيل الحكومة بأيام عندما تبلّغ اعضاء من خلية الازمة الفرنسية الخاصة بلبنان رغبة ميقاتي برد الجميل لماكرون، وتقديراً منه للجهود الفرنسية التي بذلت على كل الخطوط الداخلية اللبنانية والاقليمية والدولية لتوليد الحكومة، خصوصاً في الساعات الاخيرة التي أدارتها الخلية الفرنسية بالتعاون مع “الصهرين” قنصل لبنان في مونتي كارلو مصطفى الصلح ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.
وعليه، كشفت الدوائر المختصة في قصر الاليزيه عن لائحة مواعيد ماكرون، فقالت: “يستضيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى غداء عمل عند الواحدة من بعد ظهر يوم الجمعة في 24 ايلول الجاري”. من جهته، أعلن مكتب ميقاتي في معلومات مُقتضبة انه سيتوجه إلى فرنسا غداً ليلتقي ماكرون في اليوم التالي.
جدول أعمال ميقاتي
وعلمت “الجمهورية” انّ ميقاتي الذي ابلغ الى رئيس الجمهورية الخطوة التي ينوي القيام بها في خلوة جمعتهما في نهاية اللقاء الثلاثي الذي جمعهما أمس الأولفي قصر بعبدا بوزير الخارجية عبد الله ابو حبيب، والذي خصص لمواجهة الجديد في عمليات التنقيب عن الغاز في المنطقة القريبة من البلوك الرقم 9 في اقصى الجنوب اللبناني والظروف التي أدّت الى تحديد الموعد والهدف المقصود منه.
وعلمت “الجمهورية” انه بعد ان اطلع ميقاتي عون على تفاصيل زيارته لباريس، ابلغ اليه التحضيرات الجارية للقاء مع ماكرون، وانّ جدول اعماله لم يحدد بنقاط معينة بعد بمقدار ما سيكون لاستكشاف ما يمكن ان تقوم به باريس لفتح آفاق المرحلة المقبلة امام الحكومة العتيدة، وما يمكن القيام به لاستعادة الحضور اللبناني على المسرح الدولي كما بالنسبة الى استكشاف اجواء المواجهة الفرنسية مع الاميركيين والبريطانيين بعد إلغاء اوستراليا صفقة الغواصات الفرنسية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، والدور الفرنسي الطليعي الذي دعم ولادة الحكومة على اسس راعت فيها باريس رغبات ورضى طهران وواشنطن وعواصم أخرى داعمة.
المفاوضات مع الصندوق
وعشيّة اللقاء مع ماكرون، وفي إطار تحضير جدول اعمال “غداء العمل”، ترأس ميقاتي اجتماع عمل عصر امس ضَم وزير المال يوسف خليل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك للبحث في خطة التعافي الاقتصادي التي تنوي الحكومة الاعلان عنها قريباً. وانضَم الى الاجتماع وزير الطاقة والمياه وليد فياض، حيث تم البحث في آلية تأمين الاعتمادات لزوم تزويد مؤسسة كهرباء لبنان بالفيول.
وقالت مصادر مطلعة انّ ميقاتي سيقترح في اول جلسة لمجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية مهمتها ادارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وتضمّ كلّاً من وزيري المال والاقتصاد، وينضم اليها الوزراء المعنيون ببعض الملفات المحددة وحاكم مصرف لبنان، من أجل ضع الأسس التي ستستأنف من خلالها هذه المفاوضات انطلاقاً من خبرة الشامي في شؤون الصندوق الذي أمضى فيه سنوات عدة في مواقع المسؤولية.
وعلمت “الجمهورية” ان الخطة ترتكز على 3 عناوين اساسية، هي: تقويم الخسائر في القطاع المالي في المصارف اللبنانية ومصرف لبنان وتوحيدها، رسم أطر التعافي المالي وبرنامج إعادة الهيكلة. فالارقام تغيّرت ومعها المعطيات التي قادت الى خطة التعافي السابقة التي وضعتها حكومة الرئيس حسان دياب، ولا بد من اعادة تقييمها استناداً الى كل شيء جديد.
مفاوضات الترسيم
وفي هذه الاجواء، عَبّرت الحكومة، في ظل عدم توافر الوقت الكافي لعقد جلسة لمجلس الوزراء في الايام المقبلة، عن اهتمامها بالإجراءات الاسرائيلية المؤدية الى فوز شركة “هاليبرتون” الاميركية بالحفر في شمال حقل “كاريش” النفطي الاسرائيلي وما يمكن للبنان القيام به على مستوى الامم المتحدة في ضوء الاتصالات التي باشرها وزير الخارجية مع الولايات المتحدة الاميركية والامم المتحدة من خلال الرسالة التي وجهتها بعثة لبنان في نيويورك لاستكشاف رأيها في المنطقة التي تعمل فيها الشركة الاميركية وتحديد موقعها إن كانت من ضمن المنطقة المتنازَع عليها بين لبنان واسرائيل او من خارجها.
وكل هذه القضايا عرضها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ظهر امس في قصر بعبدا مع ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بو حبيب، بالاضافة الى التطورات التي نشأت بعد تكليف اسرائيل الشركة الأميركية تقديم خدمات تقييم للتنقيب عن آبار غاز ونفط في المنطقة، حيث تم التوافق على موقف لبناني موحد منها.
وعلمت “الجمهورية” ان بوحبيب، الذي سيلتقي السفيرة الاميركية دوروتي شيا اليوم، سيبلغ اليها رغبة لبنان باستئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في مقر قيادة القوات الدولية، والتي تجمدت بناء على طلب الوسيط الاميركي بعد اصرار لبنان على الخط 29 بدلاً من الخط السابق 23 المنصوص عنه في المرسوم 6433، ورفض اسرائيل وإصرارها على العودة الى ما يسمّى “خط هوف” الذي رفضه لبنان سابقاً.
وكانت السفيرة شيا قد زارت ميقاتي أمس في اول نشاط رسمي لها بعد عودتها امس الأول من زيارة عمل لبلادها عقدت خلالها لقاءات مع بعض المسؤولين الكبار في وزارة خارجية الاميركية.
الوفد المفاوض
وفي الاطار عينه، علمت “الجمهورية” ان عون سيلتقي اليوم رئيس الوفد اللبناني المفاوض العميد الطيار بسام ياسين للبحث في الاطر الممكنة لمواكبة الاجراءات الاسرائيلية، وما يمكن لبنان ان يقوم به لمواجهتها والاستعدادات المطلوبة في حال استؤنفت المفاوضات مع الجانب الاسرئيلي، وما يمكن القيام به في شأن المرسوم 6433 وما هو مطروح لجهة تعديله لتثبيت الخط 29 في الامم المتحدة في ظل الحديث عن إمكان طرح الموضوع في مجلس الوزراء في اول جلسة له الأسبوع المقبل، في ضوء ما ستنتهي إليه اتصالات وزير الخارجية مع واشنطن والأمم المتحدة في الأيام القليلة المقبلة الفاصلة عن موعد الجلسة الاربعاء المقبل في بعبدا، بعدما تم التفاهم بين عون وميقاتي على اعتبارها الجلسة الاسبوعية العادية للحكومة الجديدة بمعزل عن الجلسات المكثفة في الفترة المقبلة.
قضائياً، طلب المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات من المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار إعداد تقرير حول ما يتم تداوله عن رسالة تهديد شفهية وصلته بالواسطة من رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا. وكانت مواقع تواصل اجتماعي تداولت تغريدة عبر “تويتر” مفادها انّ “حزب الله” بعثَ برسالة تهديد الى القاضي البيطار، جاء فيها:”واصلِة معنا منّك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني واذا ما مشي الحال رح نِقبَعَك”. وكانت إجابة البيطار: “فداه، بيمون كيف ما كانت التطييرة مِنّو”.
ولاحقاً، حدّد البيطار30 ايلول الحالي موعداً لاستجواب النائب علي حسن خليل، و1 تشرين الأول المقبل موعداً لاستجواب النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق. وفي السياق، أحال المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري الى الأمانة العامة لمجلس النواب ورقة الدعوة التي حدّد فيها القاضي طارق البيطار مواعيد استجواب الوزراء السابقين المذكورين كمدعى عليهم في جريمة انفجار المرفأ.
وأفيد انّ عدداً من الوزراء السابقين، بالاضافة إلى الرئيس حسان دياب، يعملون على تقديم دعوى أمام محكمة التمييز الجزائية ضدّ القاضي البيطار. وكان أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت قد نفّذوا وقفة احتجاجية أمام منزل القاضي خوري، للمطالبة بتنحّيه فوراً عن الملف.
السلام هَش
من جهة ثانية، أكّد القائد العام لقوات “اليونيفيل” العاملة في الجنوب اللواء ستيفانو ديل كول “أننا حظينا باستقرار نسبي خلال عقد ونصف من الزمن، إلا أنّ الأحداث في الأشهر الأخيرة أظهرت لنا أن السلام هَش ولا ينبغي أبداً اعتباره أمراً مسلّماً به”.
وقال ديل كول خلال إحياء اليونيفيل “اليوم الدولي للسلام” باحتفال أقيم أمس في الناقورة: “اليونيفيل ملتزمة العمل مع السلطات اللبنانية ودعم الجيش اللبناني وسكان جنوب لبنان. وبذلك، نمهّد الطريق لترسيخ الجهود السياسية والديبلوماسية كافة نحو حل دائم ووقف إطلاق نار دائم”. ولفت إلى “قرار مجلس الأمن الدولي 2591 الاخير الذي تم بموجبه تجديد ولاية اليونيفيل لسنة أخرى، والذي طلب منها اتخاذ “تدابير مؤقتة وخاصة” لتقديم الدعم اللوجستي للقوات المسلحة اللبنانية لمدة 6 أشهر”.
وعن الوضع المتدهور في لبنان بسبب الآثار المعقدة لجائحة كورونا والأزمات الاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة، قال ديل كول: “اليونيفيل والدول المساهمة في قوات عسكرية يبذلون قصارى جهودهم لدعم سكان جنوب لبنان وحمايتهم”. وأضاف: “إننا نساعد المجتمعات المحلية على بناء القدرات للحد من انتشار كوفيد-19، من خلال التبرّع بالمعدات الطبية والخبرة وأدوات الوقاية الشخصية والفحوصات المخبرية وتوفير التدريب للمستشفيات والمدارس والمجتمعات”.
كورونا
على الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي امس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 652 إصابة جديدة (641 محلية و11 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 619232. كذلك سجلت 6 حالات وفاة جديدة ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 8246.
الجمهورية