عماد مرمل – الجمهورية
الى أين تتجه أزمة الثقة المُستفحلة بين المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار والمناهضين له؟ وهل سيكون قادراً على الاستمرار في مهمته وسط الظروف التي تحيط بها ام ان الأوراق ستختلط مجدداً في قصر العدل؟
بمعزلٍ عما اذا كان الحق مع البيطار ام مع المرتابين في سلوكه ونياته، فإن الأكيد هو ان ملف انفجار مرفأ بيروت بات على المحك بفِعل وصوله الى مرحلة دقيقة سيتوقف عليها، ليس فقط مسار التحقيق بل أيضاً مصير المحقق العدلي نفسه، بعدما بدأ الهجوم المضاد عليه عبر طلائع دعاوى الارتياب الداعية الى تنحيته، والتي افتتحها الوزير السابق يوسف فنيانوس.
ومن الواضح أن الاشتباك القانوني بين البيطار وخصومه تحول معركة كسر عظم على وقع تفاقم هواجس المدعى عليهم والجهات السياسية والدينية الراعية لهم حيال سلوك القاضي وإجراءاته التصاعدية التي بلغت حد اصدار مذكرات إحضار وتوقيف في حق عدد من المدعى عليهم بعد رفضهم المثول امامه في جلسات الاستجواب.
وسواء صحّ ان مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا ارسل تهديداً الى البيطار ام لا، فالثابت ان الحزب يعترض اساساً على مُجمل المسار الذي يعتمده المحقق العدلي في مقاربة قضية انفجار المرفأ، وهو لا يخفي هذا الاعتراض ولا يداريه، بل انّ امينه العام السيد حسن نصرالله جاهَر علناً بهذا الموقف اكثر من مرة، ووجّه انتقادات صريحة الى المنهجية المتبعة من قبل القاضي، آخذاً عليه الاستنسابية والتسييس في إدارة التحقيق.
وما يخرج الى العلن من مآخذ على تصرفات البيطار ليس سوى عَيّنة مما تضج به بعض الغرف المغلقة ضمن قوى 8 آذار، حيث ذهب البعض الى اتهام البيطار بأنه يساهم في تنفيذ انقلاب سياسي على تلك القوى، وبأنّ «تَعمّده الادعاء على شخصيات من لون واحد في معظمها انما يندرج في إطار محاولة تهشيمها، وبالتالي تشويه صورة مرجعياتها السياسية والحزبية تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة التي يراد استخدامها لتغيير التوازنات الداخلية تحت شعار إسقاط الطبقة السياسية واستبدالها بخيارات جديدة تحظى برعاية خارجية».
والى جانب هذا الارتياب السياسي، تتخذ المواجهة بين البيطار والمتصدين له بُعداً دستورياً حاداً وشرساً، تحت وطأة النزاع حول الجهة التي تجوز لها مُساءلة المدعى عليهم في قضية المرفأ، إذ يرفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدد من الكتل بشكل حازم ان تتم ملاحقة هؤلاء أمام القضاء، على قاعدة أن الاختصاص في هذا المجال يعود حصراً الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يضم نوابا وقضاة، فيما يملك البيطار اجتهاداً آخر يقوده الى تأكيد صلاحيته القانونية في الادعاء.
وبينما يتشبّث البيطار باقتناعه ويمضي في اتخاذ التدابير القضائية التي يراها مناسبة وصولاً الى اصدار مذكرات إحضار وتوقيف تباعاً، يلفت العارفون الى انه لا يمكن لبري في المقابل أن يتراجع قيد أنملة عما يعتبرها صلاحيات مُبرمة للمجلس النيابي والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، «وهو مستعد للذهاب في هذه المبارزة الدستورية حتى أقصى الحدود والسقوف، منطلقاً من ان الوصول الى الحقيقة يتم عبر احترام الدستور لا مخالفته».
واللافت في ما يجري انّ «حزب الله» وتيار المستقبل التقيا عند الشكوى العارمة من أداء البيطار ورفض ما يشعران بأنه منحى «انتقائي وانتقامي» يتخذه التحقيق في انفجار المرفأ، خلافاً لنزاعهما القاسي حول ملف التحقيق في الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
هذه المرة، جمعت الهواجس المشتركة بري و»الحزب» و»المستقبل» ومعهم دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ما حال دون تَسرّب الحساسية المذهبية الى هذه القضية، وإن كان البعض يخشى من ان تؤدي طبيعة الاصطفافات حولها الى نوع من الحساسية الطائفية.
وإزاء الواقع السائد، يبدو البيطار أمام اختبار معقّد وصعب، إذ انه وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع كل من مجلس النواب والمكوّنَين السني والشيعي، دفعة واحدة، الى جانب الامتحان القضائي الذي سيخضع له عند سريان مفعول دعوى الارتياب المشروع الداعية الى تنحيته عن الملف.
والى حين تبيان ما اذا كان البيطار سيصمد في موقعه ام ان العد التنازلي لإعفائه قد انطلق، يعتبر أنصاره انه يفعل ما يُمليه عليه ضميره ولا يتأثر بالضغوط التي يتعرض لها، مشددين على أنّ ما يهمه فقط ينحصِر في كشف الحقيقة استناداً الى ما يتجمّع لديه من وقائع في سياق التحقيق المعروف بسريته. وبالتالي، لا بد، في رأيهم، من ان تكون لديه أسبابه الواجبة والمقنعة للادعاء على من ادعى عليهم حتى الآن.
وعلى الضفة الأخرى، يعتزم خصومه التصدي له بكل الوسائل القانونية الممكنة، وصولاً الى تحقيق واحد من أمرين: تغيير سلوكه او تغيير شخصه.