ذو الفقار قبيسي – اللواء
مسيرة الحكومة الجديدة الى صندوق النقد الدولي والصناديق العربية لاقت دعما معنويا من مختلف الأطراف والمرجعيات بانتظار تحقيق إصلاحات في ضوء شروط لم تحدد معالمها حتى الآن، إنما يستدل من المبادئ العامة للصندوق انها في حدّها الأقصى قد تشمل رفع كل أنواع الدعم، تصفير عجز الموازنة العامة، خفض نسبة الدين العام الى الناتج الإجمالي، رفع ضريبة القيمة المضافة على عديد السلع (ربما الى ١٦%) «تشحيل» ربع حجم القطاع العام، إعادة هيكلة المصارف والمؤسسات الرئيسية العامة، تطوير الحوكمة الشفافية ومكافحة الفساد ووقف الهدر والتهريب والتهرّب الضريبي والجمركي، توحيد وتحرير سعر الصرف، الكابيتال كونترول، التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان ومؤسسات الدولة (٢٤٠ ترليون ليرة أو ما بين ٧٠ الى ٨٠ مليار دولار حسب خطة الحكومة الراحلة، وأقل بكثير حسب خطة المصارف وتقديرات لجنة المال والموازنة في مجلس النواب) خصخصة بعض الأملاك العامة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، استقلال القضاء، إضافة الى شروط أخرى بعضها بطلب من الصندوق وبعضها الآخر فرضته ضرورة التزام لبنان بالمعايير الإصلاحية الدولية بوجه عام.
والمشكلة الأولى ان لبنان قونن بعض هذه المعايير بتشريعات من مجلس النواب من ضمن ٧٠ تشريعا في عديد المجالات، لكنها ما زالت في الأدراج حبرا على ورق! ومنها على سبيل المثال قوانين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الإثراء غير المشروع، إستعادة الأموال المنهوبة، إلغاء سرية المصارف في القطاع العام، حق الوصول الى المعلومات، مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، قانون الشراء العام، والبطاقة التموينية، وأولا وأخيرا قانون استقلال السلطة القضائية.
والمشكلة الثانية، كيف يمكن رغم عدم تنفيذ كل هذه القوانين بل ومع استمرار تنفيذ ما يناقضها، التوجه الى صندوق النقد للدخول بمفاوضات تستدعي تشريع قوانين جديدة لا يمكن دون تتفيذها الحصول على أي قروض من أي نوع، ويعرف القيّمون على الصندوق والمؤسسات العربية والدولية، ان الدولة اللبنانية لم تكن يوما راغبة أو ربما مؤهلة لتنفيذ أي من هذه التشريعات التي قد تعني تغيبرا شاملا في بنية نظام قام أساسا ومستمرا على المحاصصة والمقاسمة و«المناتشة»!
وبين الذين يعرفون جيدا هذا الواقع، الى جانب القيّمين على الصندوق، مؤسسات عالمية منها وكالة التصنيف «موديز» التي رغم تنويهها بإيجابية تأليف الحكومة الجديدة، تحفّظت حول إمكانية التنفيذ بسبب إستنزاف إحتياطيات العملات الأجنبية في مصرف لبنان، فيما بنك أوف أميركا اعتبر سبب عدم إمكانية التنفيذ «التأثير القوي لطبقة سياسية قد يطيح تأثير سجلها التاريخي فرص القيام بإصلاحات جوهرية» إضافة إلى أن إنشغال الحكومة الجديدة «قد يخفف من فرصة إنجاز إتفاق شامل مع الصندوق الدولي». وبالمقابل خفّف «معهد التمويل الدولي» من درجة التفاؤل للوصول الى إتفاق مع الصندوق بسبب إستمرار الخلاف بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان حول كيفية توزيع خسائر الأزمة بين الأطراف الثلاثة.
ووسط كل هذه التحفظات والعقبات هناك صوت صارخ عالٍ هو صوت أصحاب أموال الودائع الذين تكبدوا خلال عام ونيّف (بين نيسان ٢٠٢٠ وحزيران ٢٠٢١) خسائر من قيمة ودائعهم بـ93,4 مليار دولار بسبب الفروقات بين أسعار صرف ما تدفعه لهم المصارف بالليرة، وأسعار الصرف في السوق الموازية، وهو صوت يتردد صداه بين لبنان والعالم في صيحات المودعين: «سنتان مضت وأنتم تقصون رقابنا ودفننا أحياء. ولن نقبل إلا أن تعاد لنا أموالنا وهي حق لنا وبالعملة نفسها التي أودعناها بها. وإذا تجاوزنا في بعض المراحل فهذا لن يستمر ولن نسكت بعد اليوم عن ما يصيبنا كل يوم من ظلم وإجحاف».