غسان ريفي – سفير الشمال
لا يمتلك الرئيس نجيب ميقاتي عصا سحرية، فالأزمات كبيرة جدا وتحتاج الى تضافر جهود كل التيارات السياسية والكتل النيابية الذين لا يملكون أن ينأوا بأنفسهم عن وضع كتف في مسيرة وقف الانهيار، أو أن يتحينوا الفرص للانقضاض على الحكومة من باب تصفية الحسابات السياسية والانتخابية فيما بينهم، خصوصا أن إستمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي الى خراب لن تكون هذه الأطراف بمنأى عنه وعن غضب بيئاتها الشعبية التي طفح الكيل لديها من الأوضاع المعيشية المهترئة.
بعد أيام قليلة من تأليف الحكومة ونيلها ثقة مجلس النواب، تبدل المشهد من خلال عودة لبنان الى الخارطة الدولية، كما تبدل سلوك المجتمع الدولي حياله من التعاطي معه كدولة فاشلة تحول خلافات قياداتها دون تشكيل حكومة، الى دولة تسعى الى إنقاذ شعبها من خلال حكومة واعدة وضع رئيسها خارطة طريق وبدأ بمناقشتها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة باريسية أحيطت بحفاوة بالغة وحملت دلالات واضحة حول تقديم كل الدعم والمساندة، وذلك إستعدادا للانطلاق بالتفاوض الجدي مع صندوق النقد الدولي والبدء بالاصلاحات التي على أساسها سيتم الافراج عن المساعدات الدولية الموعودة.
خلال الفترة الماضية لم يبق دولة معنية بالملف اللبناني إلا وربطت تقديم مساعداتها بتشكيل الحكومة والبدء بالاصلاحات، وقد لبى الرئيس ميقاتي هذه المطالب، واضعا هذه الدول أمام مسؤولية الايفاء بوعودها، وهي يبدو أنها لن تتوانى عن ذلك، حيث وجد رئيس حكومة لبنان إحتضانا كاملا في فرنسا ودعما في بريطانيا، ومساندة أميركية عبرت عنها السفيرة دوروثي شيا التي أعلنت بالتزامن مع ولادة الحكومة عن تزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية، فضلا عن الرعاية الكاملة من الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن إستعداده للدخول بشراكة مع لبنان لتفعيل الاقتصاد والتخفيف من حدة البطالة ورفع المستوى الاجتماعي للمجتمع اللبناني.
كما برز بالتزامن مع الزيارة الفرنسية للرئيس ميقاتي موقف مجموعة الدعم الدولية التي رحبت بتشكيل الحكومة وحثت القادة اللبنانيين على التحرك لتخفيف عبء المشقة الاقتصادية والاجتماعية عن الشعب اللبناني وإستعادة الخدمات الأساسية والتحضير للانتخابات والشروع بالاصلاحات.
وتزامن ذلك أيضا مع إعلان ممثلة الأمم المتحدة في لبنان السفيرة يوانا فرونتسكا بأن منظمات الأمم المتحدة ستعمل مع الحكومة اللبنانية في سبيل تحقيق ما ورد في بيانها الوزاري وأن مجلس الأمن سيلتئم في 9 تشرين الثاني المقبل للاستماع الى تفاصيل الوضع اللبناني على ضوء برنامج عمل الحكومة ليبنى على الشيء مقتضاه.
هذا الواقع، يؤكد أن هناك إحتضانا دوليا كاملا للبنان، وأن ثمة جدية مطلقة في مساعدة الحكومة على وقف الانهيار تمهيدا للبدء بتنفيذ خطة التعافي التي يتطلع إليها اللبنانيون بعين الأمل، خصوصا مع توسع الاحتضان العربي الذي تترجمه مصر والأردن والكويت والعراق، والذي من المفترض أن يشمل سائر الدول التي تنتظر إشارات لبنانية إيجابية لتحديد موقفها.
يمكن القول إن السلطة السياسية كما كانت مطالبة في السابق بتشكيل الحكومة، فهي مطالبة اليوم بتسهيل المهمة الحكومية وتسييل هذا الدعم الدولي غير المسبوق مساعدات وقروض وهبات وتخفيفا لشروط صندوق النقد الدولي، وذلك للدفع نحو معالجة الأزمات التي تحتاج الى تعاون من رئيس الجمهورية في تسهيل عملية التفاوض مع الصندوق، وأولى هذه الاشارات ستكون في جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد يوم الأربعاء المقبل حيث سيصار الى تشكيل لجنة للتفاوض مع صندوق النقد، إضافة الى الاسراع في تأمين المطالب الدولية لجهة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء الذي يعتبر أولوية فرنسية، والتوقف عن تطييف معامل الانتاج، فضلا عن إصلاح القضاء والافراج عن التشكيلات القضائية.
يقول متابعون إن الدعم الدولي يضع لبنان أمام فرصة ذهبية تاريخية لاستعادة إستقراره الاقتصادي والاجتماعي، لكن ذلك يتطلب شعورا بالمسؤولية وسعيا لتحقيق المصلحة الوطنية العليا، في تطمين المجتمع الدولي بأن الاصلاحات المطلوبة ستكون جدية وبعيدة عن أية أهداف سياسية وإنتخابية..