غسان ريفي – سفير الشمال
لدى وصول رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى بكركي بادره البطريرك الماروني بشارة الراعي بالقول: ″إن لبنان بحاجة الى بطولة″، فرد الرئيس ميقاتي قائلا: ″صار لازمنا صلاة ودعاء كي نعمل في هذه الحكومة الجديدة″.
كلام البطريرك الراعي يوحي بأنه يُدرك مدى حجم المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الرئيس ميقاتي، ويشير في الوقت نفسه الى دعم ضمني له ورضى من الصرح البطريركي عن الحكومة وآدائها.
أما كلام الرئيس ميقاتي فأحدث “نقزة”، بعدما أعطى إنطباعا بأن ثمة ما يُزعج رئيس الحكومة الذي يقوم بمهمة إنقاذية ـ إنتحارية تحتاج الى دعم سياسي مطلق يبدو أنه لم يتوفر بعد.
لا تمتلك حكومة “معا للانقاذ” “مسحة الرسول” ولا تحمل “عصا سحرية”، ولا تعيش في زمن “المعجزات”، خصوصا أن الأزمات اللبنانية التي تتوالد يوميا تجاوزت المعقول، وباتت عصية حتى على المعجزات التي لا يصنعها سوى تحلي التيارات السياسية كافة بالمسؤولية الوطنية وبوضع مصالحها ومكاسبها وتجاذباتها وإنتخاباتها جانبا الى حين وضع لبنان على سكة التعافي.
حتى الآن، يبدو واضحا أن التيارات السياسية تتعاطى مع الرئيس ميقاتي على قاعدة: “إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، وكأن إنهيار البلاد وفقر وجوع العباد لا يعنيهم وهو لم يخفف من معاركهم التي تصيب من الأجواء الايجابية التي رافقت تشكيل الحكومة مقتلا.
وفي هذا السياق، فإن حرب الالغاء مستمرة على قدم وساق بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، في وقت يجنح فيه الأول نحو شعبوية باتت ممجوجة إستعدادا للانتخابات النيابية شأنه شأن حزب الكتائب، بينما لا يتوانى الثاني عن التحريض السياسي والطائفي للهدف نفسه، فيما تسجيل النقاط وتصفية الحسابات على أشدهما بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل من جهة ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة ثانية وعبرهم الى حركة أمل والتيار البرتقالي، الأمر الذي بدأ ينعكس على حركة مجلس النواب، لا سيما بما يختص بفتح الدورة الاستثنائية.
في المقابل، تشتعل جبهة تيار المستقبل مع باسيل وكذلك مع حزب الله الذي لم يمنح الحكومة فرصة لإلتقاط أنفاسها منذ ولادتها، من تهديد القضاء الى البواخر الايرانية وما بينهما من مواقف تصعيدية، فيما ينأى الحزب التقدمي الاشتراكي بنفسه عن كل الخلافات ويكتفي رئيسه وليد جنبلاط ببعض الانتقادات “التويترية” اللاذعة.
أما المجموعات الثورية فتتحين الفرص لاستهداف الحكومة أو أي مكون سياسي أو أي مؤسسة رسمية في إطار التنافس المستجد فيما بينها على نيل رضى المؤسسات الدولية المانحة وعلى الانتخابات المقبلة.
كل ذلك، من شأنه أن يعيق عمل الحكومة الميقاتية، التي لم تأت لادارة أزمة أو لتكون شاهد زور على إنهيار البلد، بل هي جاءت في مهمة وطنية ـ إنقاذية يفترض بالمكونات السياسية والشعبية بكل إتجاهاتها أن تضع كتفا معها وأن تساعد في تأمين نجاحها، حيث تشير مصادر مواكبة الى أنه لا يمكن لأي حكومة أن تواجه الأزمات والظروف الصعبة، في ظل هذا الاشتباك السياسي القائم الذي أدى الى مزيد من إرتفاع سعر صرف الدولار، إضافة الى إصرار البعض على إستخدام الحكومة التي لم يمض على تشكيلها ثلاثة أسابيع كمنصة لاستعادة شارع مفقود أو زيادة شعبية متراجعة أو لتقوية حضور ضعيف.
كل المعطيات تشير الى أن الرئيس ميقاتي بدأ يشعر بالتشويش على عمل الحكومة، وببعض التخلي عن الدعم المحلي، علما أن الرجل المعروف بهدوئه ومرونته وإستيعابه للصدمات، لن يتوانى في حال لزم الأمر عن إتخاذ المواقف الحاسمة وربما الموجعة!..