الثلاثاء, نوفمبر 26
Banner

ويأتيك حديث «الخصخصة» في دولة «لصلصة»!

ذو الفقار قبيسي – اللواء

فتح وزير الاقتصاد مجددا خلال مقابلة تلفزيونية «شهية» الداعين والساعين إلى بيع أملاك الدولة، أشار فيها الى الاتجاه نحو الخصخصة التي تشكّل أحد شروط صندوق النقد الدولي لإعطاء قروض للبنان، لكنها في نظر المعارضين العلاج الأسوأ للأزمة المالية والاقتصادية، ولأسباب عدة منها:

١- انها تأتي في ظل ظروف صعبة إزدادت خلالها الحاجة الماسّة للمال، بما يجعل الدولة المغلوب على أمرها تقبل بشروط وأسعار أقل من القيمة الحقيقية لمرافقها وأملاكها وامتيازاتها.

٢- انها تأتي بصورة ملحّة وعاجلة كان يجب أن يسبقها إعادة تأهيل وإصلاح لهذه المرافق وتقويتها ودعمها بالكفاءات الإدارية قبل خصخصتها كي تعطي الإنتاجية المطلوبة وتجتذب الأسعار الأعلى. وإلا تحوّلت الى «سنديكة» لإدارة «تفليسة»!

٣- انها تأتي في ظل أسوا نظام محاصصات سياسية أدمن على سلب ونهب عائدات الدولة ولن يتردد في الإستيلاء على ما يستجد من موارد وعائدات.

٤- انها تأتي في غياب الحوكمة والرقابة والمساءلة لسلوك وإداء الشركات التي ستنتقل إليها ملكية الموجودات ألمخصخصة، لا من حيث الاحتكار الذي تتحكم به ولا من حيث الأسعار العالية التي تفرضها على المستهلك في ظل دولة فساد لا تراقب ولا تحاسب.

٥- انها تأتي بشكل تقليد ببغائي من قبل دولة متخلفة لدول متقدمة لم تصل إلى الخصخصة إلا بعد اجتياز رحلة طويلة من التطور في مجال تطبيق القوانين، من عصور التنوير والنهضة إلى الثورات الفرنسية والصناعية والتقنية والرقمية وصولا إلى برلمانات ديموقراطية وتشريعات قانونية في ظل قضاء نزيه مستقل يفرض على الشركات ألمخصخصة الرقابة الصارمة التي تمنع الاحتكار والتلاعب بحركة الأسهم وبمستوى الأسعار، وبوجود أحزاب عصرية وانتخابات حرة تحمي المستهلكين من سيطرة المحتكرين.

٦- والمشكلة انه حتى في هذه الدول التي لديها كل هذه المزايا من تشريعات عصرية متقدمة، حصلت اختراقات بمثل ما شهدناه في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وثمانينيات هذا القرن من أزمات مالية عالمية، فكيف وحال لبنان على ما هو عليه الآن وقبل الآن؟!

٧- وأخيرا حتى عندما تعتمد الخصخصة كوسيلة وأداة للحل، لا بد من التنبّه إلى المخاطر في نوعية الخيار وطرق التنفيذ، ومنها ما تضمنه تقرير للمؤسسة العربية لضمان الإستثمار في عز سنوات التوجه نحو الخصخصة في العالم، وظهور ثغرات في هذه الصيغة تعرضت لانتقادات شديدة في دول غربية عدة ومن برلمانات دول عربية عدة مثل مصر والكويت والجزائر وسواها.

وأبرز ما في تقرير مؤسسة ضمان الإستثمار انه «بعد أن جرى تقليص دور الدولة الاقتصادي عبر خصخصة ممتلكاتها.. بدأت تظهر مجددا دعوات حتى من قبل بعض الذين دعوا الى الخصخصة، تذكر بأهمية العودة إلى دور الدولة في توجيه وتنظيم الأنشطة الاقتصادية، وانه ليس هناك عمليا صيغة واحدة جاهزة للخصخصة بل هناك عشرات الصيغ وفي ضوء معطيات وعوامل عدة تمكن كل دولة من خلق «المزيج» المناسب والملائم لظروفها وخصوصياتها». وهو ما لم تتوصل إليه حتى الآن الدولة اللبنانية التي قد تلجأ تحت الضغوط الطارئة إلى اختيار أسهل الطرق المؤدية إلى خصخصة تؤدي إلى.. لصلصة!

يشار بالمناسبة الى الصعوبات التي تواجهها عملية بيع ممتلكات الدولة اللبنانية لأسباب عدة منها:

١- ان المستثمرين في شراء هذه الموجودات، سواء كانوا لبنانيين أم عرب أم أجانب، يدركون سلفا ان استثماراتهم في لبنان ستكون تحت رحمة طبقة سياسية – اقتصادية تفرض عليهم العمولات و«الخوات» في كل عملية وتتحكم بسلوك القضاء وتفرض القوانين والمراسيم بما يناسب مصالحها ومنافعها وأهواءها.

٢- وبالتالي فان العائدات من هذه الاستثمارات قد تكون مجدية فقط في حال كانت قيمة شراء هذه الموجودات متدنية الى الحد الذي يناسب الجدوى الاقتصادية منها، وهو الحد الذي يكون لصالحها وليس للصالح العام ومصلحة الشعب اللبناني وأجياله المقبلة التي تعود إليها ملكية هذه الموجودات، إضافة الى أن القوة الشرائية المنخفضة في لبنان الآن في ظل المحنة الاقتصادية الحالية قد لا تعطي في بعض القطاعات المخصخصة العائدات المطلوبة (إلا إذا رفع المستثمرون في شراء هذه الموجودات الأسعار على المستهلك اللبناني عن طريق الاحتكار وبالتواطؤ مع الطبقة السياسية) وهذا ما أدّى الى فوارق كبيرة في التقديرات المطروحة لقيمة موجودات الدولة المعرّضة للخصخصة. كما على سبيل المثال الدراسة التي أعدّها لمعهد عصام فارس، الباحث البير كوستانيان التي تقدّر فارقا كبيرا في القيمة بين رقم وآخر يبلغ نحو ١٠ مليارات دولار، أو كما في الدراسة بين ١٢ مليار و٢٢ مليار دولار، تتوزع على: العقارات بين ٧ و١٤ مليار دولار. الإتصالات، الخليوي والثابت، بين 2,1 و4,2 مليارات دولار. الريجي بين 1,440 و1,700 مليار دولار. طيران الشرق الأوسط بين ٦٠٠ الى٧٤٠ مليون دولار وكازينو لبنان بين ٣٢٠ و٤٢٠ مليون دولار. وتضم الدراسة قطاعي الكهرباء والماء (وهما قطاعان خاسران). وأما المطارات والمرافئ البحرية فهي بشكل امتيازات وليس بشكل ملكيات.

Leave A Reply